واخيرا حققت ايران انجازها الكبير في فيينا بعد محادثات شاقة ومعقدة استمرت ثمانية عشر يوما .فقد اثمر الصبر الاستراتيجي لطهران بعد اثني عشر عاما مع الدول الغربية عن رسم ملامح جديدة للعلاقات الدولية قائمة على الاحترام المتكافئ والمتبادل بدلا من القطبية الاحادية المتغطرسة كما اعطى لايران انجازات مهمة تمثلت في دخولها النادي النووي واعتراف العالم بها كدولة نووية .
وبالتالي يمكن القول وببساطة تامة ان حصيلةُ المفاوضاتِ بين ايران ومجموعة خمسة زائدا واحد والتي اطلق عليها خطة العمل المشتركة حققت مكاسب يمكن وصفها بالاستراتيجية لطهران اول تلك المكاسب بناء حالة من تبادل الثقة مع المجتمع الدولي والاتحاد الاوربي بعد اثني عشر سنة من التازم الذي لامس حافات الهاوية كا احتفظت ايران ببرنامجها النووي مع الاستمرار بتطويره بشكل دؤوب بما في ذلكَ الابقاءُ على مفاعلِ اراك الذي يَعملُ بالماء الثقيل، اضافةً الى اعترافٍ بالجمهورية الاسلامية كقوةٍ نووية ومن حقِّها امتلاكُ دورةِ الوقودِ والانتاجِ النووي وتخصيب اليورانيوم على اراضيها
وقد وصفت منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الاوربي فيدريكا موغريني خطة العمل المشتركة بالصفقة المتوازنة والمعقدة وتحترم مصالح كل الاطراف .مزايا ومكاسب اخرى حققتها ايران
في الجوانب الفنية والتقنية في برنامجها النووي تمثلت برضوخ الغرب لمطالبها بالابقاء على الف جهاز مركزي في موقع فوردو النووي المحصن تحت الارض وسط البلاد بعد ان كان الغرب يصر على الابقاء على 160 جهازا فقط والنجاح الاخر لدبلوماسية طهران هو الحفاظ على منشات
اراك النووية للماء الثقيل مع اجراء تعديل على قلب المفاعل بعد ان كان الغرب بتحريض من الكيان الصهيوني يصر على تفكيكه بالكامل كما ان هذه الحصيلة نصت لايران على رفع جميع اشكال الحظر المفروض علىها في مجالات الاقتصاد والمال والتجارة والتامين سواء منها تلك التي فرضها مجلس الامن الدولي او العقوبات الاحادية او المتعددة الجوانب التي فرضتها الولايات المتحدة او الاتحاد الاوربي واللافت ان رفع جميع انواع الحظر سيتم من خلال قرار اممي صادر عن مجلس الامن الدولي وبموجب خطة العمل المشتركة سيتم ايضا الافراج عن اكثر من مائة مليار دولار محجوزة في المصارف العالمية .كما حققت طهران من خلال هذه الحصيلة انجازا اخر تمثل في رفع جزئي على تصدير الاسلحة اليها الذي كان مفروضا عليها بما في ذلك الصواريخ الباليستية ولاينبغي اغفال افاق العلاقات مع دول العالم امام ايران خطط نشر الارهاب منها وافشال وبالمحصلة فقد وصف وزيرالخارجية الايراني محمد جواد ظريف الحصيلة النهائية للاتفاق النووي بالانجاز التاريخي والانجاز الذي كان يعول عليه العالم .
في خضم هذه المعطيات رحبت دول العالم بنتائج المفاوضات النووية بين ايران ومجموعة خمسة زائد واحد التي اعلنت في فيينا. حيث اعتبروا ان نتائج المفاوضات تعزز الامن الدولي في المنطقة بالاضافة الى اعتباره عاملا مهما لتحقيق السلام في الشرق الاوسط .كما ان هذه المعطيات وكما يقول المراقبون ستنعكس ايجابا علي كل المنطقة وبالتالي ستخفف من منسوب التوترات في غير ساحة عربية كما انه سيسمح للجمهورية الاسلامية في ايران بلعب دور مفيد لها ولسائر الاطراف.هذه الحقائق دفعت الرئيسُ الاميركي باراك اوباما للاعتراف بها حيث اكد أنّ الامورَ لم تَعُدْ كما كانت في السابق بعدَ الاتفاقِ بين ايران ومجموعة الست .وقال أنّ لا اتفاقَ يعني المزيدَ من الحربِ في الشرق الاوسط. واشارَ اوباما الى أنه على الكونغرس الاميركي دراسةُ بنودِ الاتفاق مؤكداً أنه سيَستخدِمُ حقَ النقضِ الفيتو ضدَ ايِّ
تشريعاتٍ من الكونغرس لتعطيلِ الاتفاق. ووحده الكيان الصهيوني تلقى حصيلة مفاوضات فيينا بغضب وأسى شديد. فيما استُقبِلت نتائج المفاوضات في الأراضي الفلسطينية بترحيب وسعادة لما يشكله نجاحها من دعم يخدم القضية الفلسطينية.فاعضاء الحكومة الصهيونية اطلقوا العنان لمهاجمة الاتفاق باعتباره يشكل تهديدا لكيانهم كما طالبوا بعض الدول العربية القريبة منهم سياسيا بالعمل على مواجهة الاتفاق وايجاد تحالف معهم لافشاله حسب قول بعض المسؤوليين الصهاينة وذلك في محاولة لدق الاسافيين بين الدول العربية والجمهورية الاسلامية في ايران .المصادر الصهيونية اكدت بان الدوائر السياسية والامنية تلقت نسخة من الاتفاق وعكفت على دراسته ولم تخف هذه الدوائر بان طهران خرجت منتصرة من هذا الاتفاق بدبلوماسيتها الذكية والمحنكة
وفي الختام يمكن القول ان الحصيلة النهائية للمفاوضات النووية هي مكاسب متوازنة وفقا لاطروحة الرئيس روحاني ربح ربح وهي تاتي في سياق الخطوط الحمراء وتوجيهات قائد الثورة الاسلامية اية الله السيد علي الخامنئي الذي اشاد بدور وصبر الفريق الايراني المفاوض واثنى على جهده الدؤوب والمثابر كما ان ماقدمته ايران من تنازلات متبادلة انما هو بكامل اختيارها وفي اطار رؤيتها العقائدية للقضية النووية ومنهجها السلمي في برنامجها النووي فهي منذ البداية تؤكد على سلمية برنامجها النووي وعدم استخدامه لاية اغراض عسكرية .هذا من جهة ومن جهة اخرى هناك مخاوف من ان يعرقل مجلس الشيوخ الامريكي الاتفاق وللرد على ذلك ان لامجال للتخوف لان الاتفاق هو حاجة امريكية قبل ان يكون حاجة ايرانية كما ان الفيتو عليه يتطلب جمع ثلثي اصوات المجلس وهو مستبعد في ظل موقف اوباما الذي يعتبر ما تحقق يشكل انجازا له على الساحة الدولية لانه يرى ان الاتفاق سيمنع برنامج ايران من الانحراف نحو العسكرة وهو بالتالي قادر على اقناعهم بوجهة نظره هذه .اما مجلس الشورى الاسلامي فهو
سيمرر الاتفاق لكونه ايجابي من جهة ومن جهة اخرى فهو موظف في سياق توجيهات قائد الثورة الاسلامية كما ان مجلس الامن الدولي سيرفع الحظر عن ايران واخراج ايران من البند السابع مما يفتح افاقا موعودة للاقتصاد الايراني سيما وان عددا كبيرا من الشركات تنتظر هذا الاتفاق للعودة الى ايران والاستثمار في بيئة امنة ومهمة مما سيؤدي الى انعاش الاقتصاد الايراني والدفع به باتجاهات مزدهرة خاصة وان اقتصاد ايران تشكل على اسس الاكتفاء الذاتي وهو قادر على الاستفادة من هذه المكاسب الجديدة للنهوض والتطور اكثر فاكثر وتحقيق الرفاهية المنشودة للشعب الايراني .