ساعة اقتراب جيوش عيلام من بوابة أور لغرض اقتحام المدينة وحرقها عن بكرة ابيها ، كان اخر ملوك سلالة أور الثالثة آبي ــ سين ابن الملك شو سين ملك بلاد سومر وأكد وخامس واخر ملوك سلالة أور الثالثة والذي حكم من (1963-1940 ق م). يقف على نافذة قصره ويتأمل ما يجري لمدينته بالضبط.
هذا الملك المخدوع بوعود التجار من أن قوافل القمح على الابواب حين رأى الاعداء يقتربون وصار بمقدوره أن يرى راياتهم ، نزع التاج عن رأسه ، خلع جبته المزركشة بخيوط من ذهب ارميني ، أعطى خاتمه لجندي كأمانه وقال له : أذهب صوب جهة بابل واحتفظ بالخاتم فسيأتي يوم آخر لنا .
لبس دشداشة بيضاء كالتي يرتديها وفقراء المدينة والجنود في اجازاتهم الدورية ومعدان حقول القصب الواقعة جنوب مملكته ، وقال : بهذا الثوب ، الموت حياة رائعة.
تلك ميثولوجيا دشداشة الملك تخيلتها انا لزملائي المعلمين الذين كانوا يعيشون معي بهجة ايام التعليم في مدرسة البواسل في احدى قرى الاهوار . وحين اغرقت في وصف الثوب ، قال شغاتي موظف الخدمة في مدرستنا : ثيابنا دوما فيها شق ، هناك القصب والشوك يسحبها في غفلة مشي المعدان ويمزقها وهم يدفعون بأقدامهم الحافية خلف جواميسهم.
قلت : والملك دشداشته ممزقة أيضا لأن الحزن تحول الى شوك . أو لنقل هو مزقها من اطرافها لتساوي دشاديش معدان الاهوار المحيطة بأور من كل جنوبها .
كان ( غافل عفلج ) الذي اشتغل يوما حارسا وراعيا لطواويس الملك الهاشمي في قصر الزهور ، موجود بين جلاس السهرة ، فناح وبكى وولول وكاد يلطم على صدره .
ضحك شغاتي وقال : ها ( غافل ) شني ( أبي سين ) جدك ، أبوك ، واحد من عَمامكْ .؟
قال :كلا ولكنها ذكرتني بدشداشة الملك ، أنا شاهد عيان لرؤيتها مغضبة بالدم وممزقة يوم هجموا على القصر .
قلت :الملك قتل في قصر الرحاب وأنت تشتغل في حديقة قصر الزهور .؟
قال نعم .لقد استدعوني قبل اسبوع من ثورة تموز الى حدائق قصر الرحاب انا وطواويسي وكأن الملك اراد توديع طيوره .
قلت :هل لك ان تصف وجه الملك من خلال تلك الدشداشة .؟
غاب في دمعته ، فأكاد الأول في هذا العالم من يرى معيدي يبكي من اجلِ ملك.
أحد جلاس سمر هذه الليلة قال :ولكن معدان القرى القريبة من اور بكوا كثيرا من اجل آبي سين وهو يقرر قدره بالانتحار وشاهدوا دشداشته كيف تتمزق بخنجر الانتحار.
قال غافل : ودشداشة الملك الهاشمي تمزقت بالرصاص.
بين ان يكون القتل مقصودا أو غير مقصودا اتذكر تلك الليلة الحزينة في ذكرى دشاديش الملوك الممزقة وبعد اكثر من ثلاثين عام على هذه الليل الاستذكارية لميثولوجيا الدشاديش استعيد الذكرى وانا اشاهد صورة لجندي عراقي يحمل دشداشة الملك الهاشمي وهي ممزقة بالدماء لحظة مقتله .
يختلط المشهد المعاصر في المشهد الاوري القديم فأتخيل وجه المعيدي غافل وهو يسحب دموعه الى حنجرته يوم شعر بتلك اللحظة الاسطورية التي فقد فيها الملك وطواويسه معا……!