اول سيدة تدخل كلية القانون وتتخرج منها كانت صبيحة الشيخ داود التي اشارت في مؤلفها “أول الطريق ” الى مقدرة الشاعرة العراقية على التعبير عن مكنونها وموهبتها واستذكرت اسماء لامعة تركت بصمتها في مشهدنا الشعري في القرن الماضي ومنهن رباب الكاظمي ابنة الشاعر الكبير عبدالمحسن الكاظمي ، والسيدة سلمى عبد الرزاق والدة الشاعرة نازك الملائكة وفطينة حسين النائب ابنة الابن البكر للعلامة عبدالوهاب النائب وعاتكة الخزرجي التي وضعت مسرحية (مجنون ليال) بطريقة احمد شوقي.ولميعة عباس عمارة ومقبولة الحلي .. هذا ما ذكرته الشيخ داود ونضيف عليه براعة الراحلة الشاعرة آمال الزهاوي التي ظهرت في فترة مقاربة للملائكة .. وتوالت الاجيال الشعرية لتظهر ،ريم قيس كبة ، أمل الجبوري، فليحة حسن، كولالة نوري ،رسمية محيبس بلقيس حميد، نجاة عبد الله، وفاء الربيعي، دنيا ميخائيل، ولهيب عبد الخالق وناهضة ستارونضال القاضي وغيرهن ، واغترب منهن من اختار الهجرة خارج العراق وبقي منهن القليل وربما لحق هذا القليل بالغربة في سنوات اخرى وصولا الى 2003 فاختفت بعض الاسماء وعادت اسماء اخرى للظهور مجددا لاسباب سياسية وشخصية لا مجال لذكرها هنا ، وتزامن مع هذا الحضور والغياب ظهور اسماء جديدة للمشهد الشعري.. في اصدارات ومشاركات في مهرجانات وملتقيات وقراءات في مناسبات متعددة .. ونستذكر منهن سلامة الصالحي ،صابرين كاظم، هنادي خليل، زينب الصافي، فرح دوسكي، انغام الربيعي، سلوى البدري، حذام يوسف، ابتهال بليبل، سمرقند الجابري، رنا جعفر ياسين .. وغيرهم كثير قد لا يسمح المكان لذكرهن جميعا.
اسماء واسماء والواقع يشير الى قوائم اخرى وتصنيفات ضمن قائمة الشاعرات وصفات يسهل وضعها امام الاسماء دون ان يستوفي بعضها الاحقية الفاعلة لتلك الصفة تماما ، وقد يكون السبب هو الواقع الثقافي العام للبلد وقلة الاسماء النسوية ، مما سهل ظهور اسماء متعددة ضمن مبدأ الكم وليس الكيف فغادرتنا فكرة التطابق او التمثل او الاقتراب من عطاء الشاعرات الرائدات ومساحتهن التي اخذنها ببراعة الابداع وليس بغيره .
في المشهد اليوم ليس هنالك من نازك الملائكة ولا لميعة عباس عمارة، وليس هناك تحليل نفسي واجتماعي وجمالي وليس هناك من نص يعمل على تبئر الرؤيا وخلق عوالم جديدة بمقدرة لغوية يلعب فيها المخيال ببراعة المقتدر ، وليس هناك من اشكالية في الطرح والتناول او جرأة في تشريح الواقع او الذات او الهواجس .. وان كان هناك من صرحت بمقدرتها على البوح الجريء فكل ما كان هو انشغال بلغة الجسد ورغباته وصوت الانثى وذاتيتها وهواجسها وتلك لعبة لا تصنع شاعرة قادرة على الخلق المتجدد بقدر ما تخلق زوابع يطيب للاخر التلذذ بسردها هنا او هناك للتشفي من المرأة حين تدخل منطقة الابواب المغلقة والمسكوت عنه!!
تجارب الشاعرة العراقية في مرحلة ما بعد الرائدات كانت مميزة باسمائها .. لكن تجربة بعض الشاعرات خلال العقد المنصرم مختلفة تماما، وليس لنا ان نلغي التجارب الحالية التي يبشر
بعضها بالتميز ولكن كل ما على البعض منهن التريث وعدم حرق المراحل وصولا الى النضج الحقيقي لحمل صفة الشاعرة ، وهي صفة ليست مجانية ابدا.