الحرية كلمة السماء والوعد، واشراقة الارض بوعد السماء , في سرها جذوة العقل , وفي حضورها تنتظم هيبة العقل والحِكَمه , سكنت روحها الانسان في فطرته, وحملها رمزا” صوفيا “مقدسا” لحضارته, فهي انوار تشرق في النفس الزكية, وتعطر الروح التوّاقة للطهر والسمو, فما قيمة الدنيا الواسعة اذا كان العقل مسجونا؟, فقديما” قيل سيد نفسه من يعتق الحرية, وكلبٌ حر أنبل من اسد مقيد, ، بها قامت الامم واندثرت حضارات, وشُنت الحروب, ونصبت المشانق, واختلطت دماء الملايين ثمنا” للحرية او عطشا لها, فلم تظهر عبقرية فيلسوف او نبوغ اديب الا وكانت الحرية شعلةً في يده.
طرز سقراط لوائها عندما أَنِفَ القبول بعفوٍ من مُحاكِمِيه شرط ان يتنازل عن حرية الفكر والتنظير, ليفيض أمام انوف العباقرة مستفزا” وعيهم المذهل في ادراك التاريخ وسكونيه العتق الروحي من السواد في جوانح النفس المتحضرة، فعرفها سبينوزا بأنها (لو كان للحجر شعور لقال أني أسقط بحريه)، وقال عنها برغسون (الحرية واقعة شعورية وليست مشكلا يُحل) , اما ملهم الماركسية فريدريك انجلز يقول ان ( الحرية هي وعي الضرورة) أي اثمن ما في الحياة, اما جان بول سارتر فقط خطها مثل قانون سرمدي حيث يقول ( الحرية الفردية هي المنبع الوحيد لكل قيم الانسان ), لتستمر الإنسانية في هطولها المثير في كنف المجد المعرفي وتجلياته النقية في فهم جوهر الحرية المطلق.
تعتبر الحرية الدينية من أعظم الحقوق الإنسانية التي ما من نبي مرسل ولا كتاب منزل الا وكانت حرية الاعتقاد مبدأ من مبادئه، ولكنها في نفس الوقت كانت مصدرا” للحوار العنيف بين الجماعات البشرية لمئات السنين، حيث أبيدت امم، وسحقت شعوب، وعانت الإنسانية آلاما” لا حدود لوصفها من اجل حرية التدين، حيث لازال هذا الحق الانساني الى اليوم يترنح بين المؤامرات السرية، وبرغماتية المدراس المذهبية , والوصولية السياسية التي تلبس الاشياء بمظاهر خادعه تمرغ انف هذا الحق في وحل العصبية ونزعات التشكيك بسمو الحق الانساني في الاختيار. فحرية العقيدة هي ان يملك الانسان (اختيار ما يرضاه, من الايمان والنظر في الكون والخالق للحياة دون اكراه او فرض )(1)
يؤمن اليهود بأنهم شعب الله الاوحد والاقدس، وان الله فضلهم على العالمين وان عقيدتهم هي أسمي العقائد الدينية على وجه الارض، لذلك لم يرد في التوراة او التلمود اليهودي أي ذكر لحرية اختيار العقائد، وليس لليهودي حق اختيار دين اخر، فأما ان يكون الانسان يهوديا “فيكون روح الله، او لا يكون يهوديا” فيكون مدنسا” قذرا ادنى من مرتبة الحيوان، فالتلمود يعتبر ان غير اليهود خنازير نجسه, وان الله خلق غير اليهود على هيئة بشر ولكنهم حيوانات , إذْ يقول احد كتبة التلمود (اذا مات خادم اليهودي لا تقدم له التعازي لان من مات ليس انسان وانما من الحيوانات المسخرة)(2) .
فاليهودية القديمة والحديثة لا تعترف بالأديان الاخرى , وهي ترى الاسلام عقيده باطله, ولم تنزل من السماء, وتحتوي كتبهم على اوصاف غاية في الكراهية لنبي الاسلام, اما نظرتهم للمسيحية فرغم الانسجام الظاهري بين العقيدتين لأغراض تكتيكيه مؤقته الا ان السيد المسيح يبقى في عيون اليهود اين زانيه وكذاب .
كان الحاخام يهوذا اليهودي مقربا” من الامبراطور الروماني ( انطونين لبيبو), وفي سنة 155 بعد الميلاد اقنع يهوذا الامبراطور بأن المسيحيين هم سبب الامراض التي انتشرت في الإمبراطورية والبلاء الذي حل بها, ويجب القضاء عليهم, فتم قتل المسيحين في روما جميعا”, وتكرر الامر مع الامبراطور مارك اوريل حيث قتل منهم مئتي الف مسيحي (3) , ليثبت ان اليهود عبر التاريخ لم يكونوا امة مسالمه وتحترم الاديان او تعطي الحق للإنسان أن يختار العقيدة التي يرضاها.
في المسيحية، كانت اليهودية جوهر نبوة السيد المسيح، حيث أعتمد شريعة موسى النبي كأساس لنشر المحبة، حيث يقول في انجيل متي (أن تقولوا في أنفسكم
لنا إبراهيم أبا “فأني أقول لكم ان الله قادر على ان يقيم من الحجارة اولادا” لإبراهيم)(4) ويقول ايضا” على لسان بولس الرسول (يا اهل روميه ان الختان لا يجعل الانسان ابنا لإبراهيم وانما أبناؤه من يسلكون في خطوات الايمان وان إبراهيم لنا جميعا”)(5) ولكن هذه الروح النقية لم تستمر طويلا”، حيث وقع رجال الدين المسيحيين بنفس العصبية الزائفة لليهود.
بعد ايمان الامبراطور الروماني قسطنطين، ساهم الباباوات في انشاء جمعية الصليب المقدس التي ابادت جميع الوثنيين في الإمبراطورية، وعندما انقسمت المسيحية الى مذاهب انعدم تماما مبدأ حرية الدين والمذهب في أديباتهم، فمارسوا ألتنكل وارتكاب المجازر بحق بعضهم البعض كمذبحة بإرس الرهيبة في 1572, حيث ذُبِحَ البروتستانت بأطفالهم ونسائهم وهم نيام .
يقول الكثير من المؤرخين بأن المسيحية وروحها الحرة في حرية اختيار المذهب والدين ماتت عندما انتقلت الى الرومان، حيث تحولت الى دين اخر يختلف تماما” عن المسيحية الشرقية ذات الأبواب المفتوحة والتي لا تضيق على الانسان بقدر ما تفتح له افاق التواصل مع السماء (ان المسيحية لا يمكن فهمها على حقيقتها بمعزل عن الحاضنة لها)(6) لذلك عندما اغتربت تغير بنائها الروحي بكامله، حتى أيقوناتها المقدسة.
اما في الشرق فلا نعرف الكثير عن احترام الأديان للأديان الأخرى، ولكن المذابح اليومية التي نراها على التلفاز خير دليل على ضيق افق الأديان وكره بعضها للأخر لدرجة قتل الجماعات البشرية التي تحاول اعتناق عقيدة أخرى، فالمذابح المجنونه تستعر بين الهندوس والمسلمين، والبوذيين والروهينجا, وبين المسلمين في اندونيسيا والوثنيين, وغيرها الكثير مما تجعل الباحث يشعر بان العهد الذي يكون فيه الانسان حرا” في اختيار عقيدته بعيد جدا.
بدأ حوار النبي الأعظم مع قريش ب (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ), وان (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) لان الله ليس بعاجز سبحانه لو اراد ان يجعل الجميع انبياء( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين), حيث اباح الانسان الحق في ان يكون ما يشاء حقا” مطلقا” الى يوم القيامة ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ), ويجب ان يقال هنا انه لم تنزل عقيدة من السماء ولا كتاب في الارض ولا عقل انتج وعيا” حرا” بهذا الانفتاح المذهل في حرية الاعتقاد, حيث وضع الله حدود سلطة النبي بأن عليه التبليغ ( فأ نما عليك البلاغ وعلينا الحساب), وانما انت يأ أيها النبي مُذَكِرْ ( فذكر إنما انت مذكر. لست عليهم بمسيطر) والانسان حر في ان يكون مسلما او يعتنق دينٌ اخر.
اعتبر الاسلام اليهود أمّه، حيث جاء في دستور المدينة (وأن يهود بني عوف أمّة من المؤمنين)(7) وعلى الرغم مما حدث من غدر اليهود في معركة الاحزاب وما تلاها في خيبر، اعاد النبي محمد (ص) كتب التوراة التي غنمها المحاربون الى اليهود. يقول ولفنسون ( لم يتعرض النبي محمد بسوء لصحفهم المقدسة , مقارنة بما فعله الرومان عندما تغلبوا على اورشليم وفتحوها سنة 370 م اذْ احرقوا الكتب المقدسة وداسوها بأرجلهم)(8).
اما المسحيين، وعندما انتشر الإسلام في الجزيرة قدموا الى النبي وعقدوا معه صلحا، حيث منحهم عهد الله وذمته ان لا يتم اجبارهم بالإكراه على ترك عقيدتهم، حيث ورد في كتبا البلدان النص الذي كُتب بين النبي واهل نجران (لنجران وحاشيتها، جوار الله وذمة محمد على أموالهم وانفسهم وارضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكا ما تحت أيديهم…..)(9). وحدث الامر نفسه مع الخليفة عمر في (العهدة العمرية) حيث تعهد لأهل القدس من النصارى بأن لا يتم التعرض لهم ولعقائدهم واديرتهم ومقدساتهم.
عندما أجاز الاحناف والشافعية “حرق الكفار” سكبوا اخر فيض كانت فيه مودة محمد (ص) تفيض على الأرض رحمة من رحمة الله، وعندما ضرب احد الصحابة راس مالك بن نويرة لم يكن اسم الله الرحمن الرحيم يحضر مؤدبة الوحوش، ولكن ما تفعله داعش والقاعدة الان لا يمكن تصور ظهوره من ثنيات القران ونصوص التودد والتراحم التي تغمر الروح والوجدان عندما تقرأ ما نزل على محمد النبي منذ 1400 سنه (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الغي من الرُّشْدُ ), الحرب الان بين الإسلام وبين عقيدة انتجها شذاذا الافاق وغلاة البشر, وخشونة الصحراء, وقسوة الانسان الخالي من الرحمة. قتل المسيحيين واليزيدين والشيعة والسنه من غير مذهب محمد بن عبد الوهاب لا يمكن ان يكون من الإسلام في شيء، وما حدث، وما يقاس عليه بعد وفاة النبي ليس اغلبه من الإسلام الا معاصرته لزمنه، والّا لن يكون للعقل واستنتاجه قيمه ان لم يشعر بحماسة الرفق وحرية الاختيار في ان يعتقد الانسان ما يشاء، شرط ان لا يشذ بعيدا” عن مقاييس الاجتماع البشري.
Hakem Ajel Jabbar
1-الحريات في النظام الإسلامي ص29
2-صالح محمود صالخ, الإنسانية والتلمود….. المقصود (اباربانيل ) صفحه 23
3-كتاب سفر يوكاسين المطبوع في امستردام_هولندا- الملزمه 108
4-http://st/-takla.org/pub_newtest/Arabic-New-Testament-Books/03-Luke/Enjil-Loka_Chapter-03.html
5-http://www.thegrace.com/bible/ro1_8.html
6- http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=451258&r=0
7_https://ar.wikipedia.org/wiki/دستور_المدينة
8-https://ar.wikisource.org/wiki/%
9- http://www1.umn.edu/humanrts/arab/IS-3.htm