مَن يُراقب عَن كثب المشهد التراجيدي في سيرك السياسة العراقية يُدرك جيداً،بأن الابطالَ الذين يتصدرون الواجهة ليسوا هم الابطال الحقيقون،فهؤلاء لاتأثير لهم على تطور الاحداث ونموّها.
وحقيقة البِناء الدرامي لهذا المشهد يشيرُ إلى أنَّهم مُجرّد اقنعةٍ تختفي خلفها شخصياتٌ تُمسك بمفاتيح اللعبة المسرحية في إطارها العام وفي أدق تفاصيلها أيضا.
كانت حكومة السيد العبادي قد إكتشفت بعد الايام الاولى من توليها أنها أعجز من أنْ تواصل حَربها على الفساد والجنود الفضائيين الذين ماان كَشَفتْ عن مجموعة صغيرة منهم قوامها 50000 جندياً حتى توقفت نهائيا عن الاستمرار في عملية الكَشف والتَّعرية ولمْ تعُد تُريد أنْ تتذكر بأنها قد تناولت مثل هكذا قضية في يوم ما!
مازالَ المالكي هو اللاعب الرئيس في هذا المشهد المُعبّد بالدّم والخراب،فهو الذي يملك القوة والتأثير على معظم المليشيات الشيعية المسلحة،اضافة الى الحشد الشعبي ،الذي جاء تشكيله بناء على مقترحٍ منه قبل مغادرته للسلطة .
فإذا ما أردنا ان نوجِّه رسالة نعبر فيها عن موقفنا ونُخاطبَ بها شخصية نعتقد بأنها تتحملُ مسؤولية سقوط الموصل تحت سلطة دولة الخلافةوماجرى فيها بعد ذلك من عملية تدمير وذبح لسكانها فعلينا أنْ نوجهها الى المالكي شخصيا،لأنّه يتحمل وحدهُ ماجَرى ومايجري فيها من انتهاكات ضد سكانها،قبل أنْ نحمّلَ القادة مِن عسكريين ومدنيين الذين هربوا منها ولم يقاتلوا دفاعا عنها .
إلى نوري المالكي ..
إعلمْ،بأنَّ الشعوب الحيَّة لنْ تموتْ،وأَّنَّ ألاكاذيب لنْ تصنعَ أبطالاً ولاتاريخاً ولامجداً..ومَن يُراهن على أنْ يُسقِطَ مَدينة مِن ذاكرة الإنسانية بالاكاذيب،لنْ ينجح .
واعلَمْ،بأنَّ الأيامَ كتابٌ مفتوح ستقرأ الاجيال القادمة بين سطوره قصَّةَ مدينةٍ ــ إسمها الموصل ــ طُعنَت في ظهرِها بأكثر مِن سكينٍ وأكثر من يَدٍ،وكَمْ كابَدت في محنتها،ثم انتصرتْ ــ بعد مائة عَام ــ لشرفها.
اليوم تُقدِّم الموصل كوكبة أخرى مِن الشهداء مَنَحت دمَها قرباناً لكرامة مدينتهم، وانتماءً لوطنهم العراق وليس لوطنٍ وعنوانٍ آخر..
أرجو أنْ تفهَم هذا الدَّرس،لأني أُقدِّرُ وضعكَ تماماً،في أنّك بطىءٌ جداً في الفَهَمْ ،فحاول أن تفهم،فماتبقى من الوقت شحيح جداً .
الذين أعدَمَهم تنظيم دولة الخلافة في أواخر شهر حزيران الحالي المصادف في شهر رمضان وعددهم اكثر من 25 شابا بدعوى تورطهم بالتجسس على دولة الخلافة،تفنن في اساليب قتلِهم بطرق وحشية لم تعهدها البشرية في تاريخها،لم يتوصل اليها أعتى المجرمين.
هؤلاء لم يرفعوا راية يَزيد،ولاتوسَّلوا بمعاوية أنْ ينقذهم قبل أنْ يلفظوا أنفاسهم..
هم نطقوا بالشهادة،مثلما نطقها الحسين،والجندي الآسيرمصطفى هاني ابن مدينة الثورة الذي أعدمه تنظيم الخلافة قبل شهر من الآن في الفلوجة .
تذكَّر هذا جيداً،لأنك كُنتَ ومَازلتَ مُصرَّا على أنْ توصِم مَن يختلف مَعك من أتباع الطائفة السنية على أنَّه من جيش يَزيد،وهذا يعني بأنك تطلب الثأر من كل الذين ينتمون الى هذه الطائفة أينما كانوا،وهُمْ يعدّون بالملايين،فهل ستُحمِّلَ هذه الملايين الموزعة على الكرة الارضية والتي تنتمي لجنسيات وقوميات مختلفة جريمة لم يرتكبوها ؟ .
هل ستمضي بهذا الشوط الدامي حتى النهاية ؟..وماالنقطة التي ستجعلك تقف مكتفياً بما سَال مِن دَم لتأمر زحفك الثأري بأنْ يكُفَّ عن الاستمرار بالقتل ثأراً للحسين ؟ كم من الارواح ستُزهَق من أجل أنْ تبدوــ أنتْ ــ بالصورة التي ترغب فيها أنْ تكون أمَامَ اتباعك،مُخلِصَاً في الثأر للحسين ؟..كم من الرؤؤس ستسقط في سفر هذا الدَّم لأجل أنْ تبقى في نظر مُريديك مُختار العَصر كما تُحب أن يُطلقَ أن عليك ؟. .
كَمْ مِنْ مدينة ستسقط بعد الموصل؟..كم مِنْ عائلة ستُهجَّر ؟.. كم مِنْ شيخ سيموت مِنَ الحزن ؟..كم مِنْ إمرأة ستضيع ؟.. كم مِنْ طفل سيمتلىء قلبه بالحقد ؟..كم مِنْ جيلٍ سيُسحقُ في هذه المحرقة بدعوى الثأر للحسين ؟.
أنتَ تعلمُ جيدا أنْ لاأحد من اتباع الطائفة السنية ــ من الاجيال التي جاءت بعد تلك الجريمة التي وقعت بحق الحسين وأهله ــ مسؤولا عنها،وهم أول مَن يتبرأ منها ومِنَ الذين كانوا وراء ارتكابها،ولنْ تستطيع أنتَ ولا أي واحدٍ آخر أنْ يلوي عنق الحقيقة مهما اتَّكأ على مخيلة شعبية مُلِئتْ بها رؤوس البسطاء الأميين من الطائفة الشيعية عبر عشرات السنين،فكان نتيجتها أن ضاع بسببها جوهر الدين القائم على السماحة،وبدلا عنه صار قتل المُسلم لأخيه المُسلم طاعةً وتقرباً لله !.
أنا لاأشك أبداً بأنك تدرك جيدا ماذا تفعل،ولاأشك أبداً في أنك مؤمن بما تفعل ،ولاأشك أبداً في أنَّ لديك ايمانٌ عميق على أنك مُسلم طاهر في نواياكْ،وعلى أنك تتقرب بما تفعل الى الله،ولايداخلك شعور بالندم على مافعلت فيما مضى وماستفعل، ولاأشكُّ أبداً في أنك لست وحدك على هذه الصورة من الايمان،فمثلك آخرين من بين اعضاء حزبك ــ حزب الدعوة ــ يحيطون بك،ومثلهم آخرين يقفون على بعد خطوة منك،ينتظرون الفرصة أنْ تأتيهم ليأتوا بما أتيتَ أنتَ وأكثر،ومِنْ بين هؤلاء مَنْ يحمل إيمانا عميقا مثلما أنت عليه من إيمان بهذه المعركة التي تخوضها انت،ومِنهم من هو ليس بمؤمِن لكنه يؤمن بما أنت مؤمن به .
أنا على يقين بأنك لاتنتمي إلى زمننا هذا،وتعيش زمناً خاصاً لاعلاقة له بِنَا، ولابواقعنا ولابالحقائق التي نتعايش معها ولابالمنطق الذي يحكم افعالنا..فمالديك ومايحتويك وتحتويه ماهو إلاّ زمنٌ افتراضي،أجدك قد استعرته من مُخيلة جامحة تناوبَ على نسج حكاياتها،كهنةٌ ورجالُ دين وساسة،أتقنوا النَّسج افضل إتقان،بعيداً عن تفاصيل الحكاية التاريخية،وبعيدا جداً عن الواقع والواقعة،وقريبا جداًمن الرغبات والنوايا والمطامع والمطامح السياسية.
لن أطيل عليك..وسأختصر فيما اريد أنْ اقوله لك، قبل نفاذ الوقت ونفاذ الصبر .
المِحنة تتسعُ يوماً بعد آخر،والجُرح عميقاً جداً يغورُ في الرّوح،وأرقام الضحايا ستصبح أكبر مما يمكن أن تتخيله أنتْ،وشظايا المِحنة ستطال الكُل،بما فيهم أنتْ،ولن تأمَن شرَّها مِلّة ولاطائفة..عندها ستختفي شيئا فشيئا صور المتورطين بأسبابها،إلاَّ صورتكَ أنتْ ستبقى من بين جميع الصور،ولنْ تمحوها السنين .
وحدك مَنْ سيبقى في الصورة،ومَنْ سيتحمل مسؤولية ماجرى للعراق،وماجرى لأتباع الحسين.
سيتخلى عنك جميع من صفقوا لك وأقنعوك بأنك مختار العصر..ستجد نفسك وحيداًبلاأتباع ولامُريدين ولاأعوان ولاأصحاب..لاأرض تحتويك في شرق البلاد ولاسماء في غربها تستظل بفيئها..
ستنتهي كما انتهى قبلك حُكّاما،غابت الحِكمة عنهم،فحكموا على انفسِهم قبل أنْ يحكم عليهم الدّهر .