من الثابت في التاريخ أن عمليات التهجير والتطهير العرقي والديني والطائفي والسياسي تحولت، بعد زمن، وبعد زوال ظروفها واندحار القوى التي أمرت بها، إلى قنابل موقوتة ومجازر ومآسٍ تحمَّل أوزارَها المواطنون الذي استُخدموا لتنفيذها، ودفعوا أثمانها الباهضة من دمائهم، أو من دماء أبنائهم وأحفادهم. فمنهم من قتل أو أحرق حيا، ومنهم من سجن، ومنهم من هرب وذريته، وعاش مشردا هائما خائفا هاربا من العدالة.
وفي تاريخ القريب شهدنا ونشاهد دولا عديدة وشعوبا كثيرة تخوض معارك وحروبا دامية لإرجاع المطرودين إلى أوطانهم، وإعادة الأمور إلى نصابها القديم.
ومن المحزن أن دولة بحجم إيران، بأحزابها ومليشياتها، ترتكب الخطأ نفسه هذه الأيام، دون اتعاض بتجارب الشعوب السابقة.
مناسبة هذا الكلام ما نشرته حملة “نامه شام” التي تضم مجموعة من الناشطين والصحافيين الإيرانيين والسوريين واللبنانيين عن الدور الإيراني في تنفيذ برنامج تهجير ممنهج في سوريا، ضمن برنامج (تشيع) يموله النظام الإيراني، يهدف إلى تطهير مناطق سورية معينة، منها دمشق وحمص من سكانها غير المرغوب فيهم، واستبدالهم بعلويين سوريين وأجانب من أصول شيعية يدعمون النظام الوري اآيل للسقوط.
فقد ذكرت “نامه شام” أن الهدف الأساسي من الخطة تأمين شريط دمشق، حمص، والساحل على الحدود اللبنانية، لضمان استمرارية جغرافية وديموغرافية للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وفي الوقت نفسه لتأمين طرق إمداد حزب الله في لبنان بشحنات السلاح والتمويل الإيراني”.
ويذكر أن مليشيات عراقية إيرانية الولاء قامت بتطهير طائفي مشابه في مناطق عراقية محاذية لإيران، كما فعل مثله حزب الله في مناطق معينة من لبنان، ونفذ الحوثيون تطهيرا أكبر وأوسع في اليمن، وتحاول المليشيات العراقية تحقيقه في مناطق معينة في محافظتي صلاح الدين والأنبار.
إن النظام الإيراني، بسياساته العدوانية الاستفزازية التسلطية التي يمارسها اليوم في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مكروه. وبالتالي، وبالضرورة أيضا، فإن من يأتمر بأمره، وينخرط في تنفيذ سياساته العدوانية الاستفزازية التسلطية تلك مكروه أيضا، وممجوج مثله، وهدف سهل لأعدائه وخصومه الكثيرين.
وفي أعمار الدول والشعوب ليس لسنةٍ، ولا لعشر سنوات ولا لخمسين، قيمة، وأحقاد الأمم قد تنام زمنا، ولكنها لابد أن تصحو حين يتوفر لها مغامرون متطرفون من خامة الخميني وخامنئي وقاسم سليماني ونوري المالكي وحسن نصر الله والحوثي والبغدادي والجولاني والقرضاوي ينبشون رمادها ويوقدون حرائقها من جديد.
كما أثبت التاريخ الدامي الطويل أن ثارات الشعوب التي ظلمت لا تموت بتقادم الزمن، ولابد أن يأتي يوم انتقامها، وقد يكون داميا أكثر مما يتوقع المغامرون الذين لا يحسبون حساب الهزائم المؤجلة، وبأسرع مما يظنون.
إن الولي الفقيه لا يتحمل جريرة سفك دماء خصومه في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن فقط، ولكنه أيضا وقبل كل شيء، يتحمل جريرة قتل أتباعه ومريديه الذين يتخذهم أدوات لتتنفيذ سياساته الفاشلة وتحقيق أطماعه وأحلامه في السطو والغزو وإذلال الشعوب.
وما يجري في سوريا من عامين مثالٌ صارخ على ذلك. فلو كانت سوريا بدون كتائب القدس الإيرانية، وبدون حزب الله اللبناني وحزب الله العراقي، وبدون لواء أبي الفضل العباس، وسرايا طلائع الخراساني ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب شهيد المحراب، لما كان داعش ولا النصرة، ولا كل ما ظهر وما بطن من الفصائل السنية الطائفية الهمجية المتخلفة، ولكان بشار غير ما نعرفه اليوم، ولكان الشعب السوري أهنأ وأسعد وأكثر أمنا وسلامة.
والشيء نفسه يقال عن العراق، ولبنان، واليمن، والبحرين، وغيرها من بلاد الله التي كانت آمنة.
ومن الحرائق المشتعلة اليوم في سوريا، واليمن، وحتى في العراق، يمكن قراءة الغد، ومعرفة حجم الهزائم التي تنتظر النظام المعتدي.
وإذا كان الحكام الإيرانيون يعتقدون بقدرة النظام السوري على البقاء، أو بإمكان الجيب الطائفي الذي يحلمون بإقامته في مناطق الساحل السوري المحاذية للمناطق اللبنانيىة ذات الأغلبية الشيعية الموالية لحزب الله أن يقاوم الرياح العاتية الآتية فهم واهمون.
إن سقوط النظام الأسدي آت لا ريب فيه. لأنه خارج منطق الزمن والتاريخ. وعليه فإن سقوطه يعني، بالضرورة، نكسة للنظام الإيراني قبل غيره. فأي نظام جديد في سوريا الجديدة لابد أن يكون كارها لما فعله النظام الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ولا بد أيضا أن يتحالف مع القوى العراقية والسورية واللبنانية واليمنية والبحرينية والفلسطينية المكتوية بنار الولي الفقيه ومواليه ومحازبيه.
ويومها سيكون الذي حشرتهم قيادة النظام الإيراني في خانة حاملي أوزار عداواتها وتعدياتها على دول المنطقة وشعوبها، مطاردين مطالبين، أكثر من قادة النظامين الإيراني والسوري، بثارات الألوف، وربما المئات من الألوف التي ظلموها واعتدوا على حرماتها. ويومها لن نجد عاقلا واحدا في العالم كله يعترض على معاقبة القاتل وإنصاف القتيل.
بعبارة أوضح. لكأن ولاية الفقيه تقول لأتباعها الذين تأمرهم اليوم باحتلال منازل غيرهم في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وتهجير نسائها وأطفالها وشيوخها، تهيأوا ليوم الحساب القادم العسير. فهل يدرك هذه الحقيقة أحدٌ في طهران؟