23 ديسمبر، 2024 7:25 م

نريــــد اجهــــزة شــــرطة بعــــيدة عن الولاءات الفرعية

نريــــد اجهــــزة شــــرطة بعــــيدة عن الولاءات الفرعية

يلقى اللوم والمسؤولية على الاجهزة الامنية والانتكاسات التي تحدث لوحدها، ما يدفع نحو اجراء تغييرات في قياداتها وضباطها وتطهيرها، لا يقتصر هذا الامر على العراق، وانما تأخذ بهذا الاسلوب وتلجأ اليه العديد من البلدان التي تواجه مشاكل مشابهة وان اختلف حجم وسعة الاجراءات العقابية غير انه في بلادنا لا يمر عام او ان هذه الحملات اصبحت ملازمة للاداء وتجري بصورة دائمة وتشمل اعدادا غفيرة وكأنها جزء من طبيعة وعمل جهاز الشرطة الاتحادية، ولكن لم تكن ذات شجاعة وقدرة على الارتقاء بمستوى الجهاز الامني الذي افتقد الكثير من مهنيته واحترافيته، وربما خسر بعض كفاءته في هذه التطهيرات.

في الايام الماضية اعلنت وزارة الداخلية عن احالة 35 ضابطاً الى التقاعد وعينت بدلهم مجموعة اخرى، وبحسب البيان فان هذه التغييرات جاءت لتحقيق التوازن في الوزارة، وهي مسألة نص عليها الاتفاق السياسي بين القوى المشاركة في الحكومة وشكلت لجنة لهذا الغرض، على ما يبدو انها قد خلصت الى بعض النتائج التي تشهدها الان، كما اشير الى ان ذلك ضخ دماء جديدة في مديريات وزارة الداخلية التي تعاني من الترهل والخمول وضعف الاداء، وفي النتيجة ان الاخفاق المشخص من الحكومة والفعاليات السياسية والاجتماعية بل ومن المواطنين ايضاً حمل الى هذه القيادات وعبر عنه بأنه يأتي في اطار تدوير المناصب العليا والقيادات التي مضى عليها زمن طويل.

ولابد ان نقول انه قبل هذه التغييرات على سبيل المثال وليس الحصر احيل الى التقاعد وفي عام 2007طرد اكثر من 7500 الى 9000 في بيان نسب الى وزارة الداخلية بتهم ومن بينهم ضباط منتسبين الى الشرطة بتهم مختلفة، بما فيها التزوير وسوء الاداء والرشوة وما الى ذلك من الجرائم التي يعاقب عليها القانون لاحقت بعضهم هيئة النزاهة، والفترة الماضية افرزت حصول البعض على شهادات جامعية من كليات غير معترف بها لغرض الترقية واشتغال المناصب، و رغم ان وزارة التعليم العالي امتنعت عن معادلة هذه الشهادات، مما اضطر قسم منهم لمعادلة غير قانونية، وفي تصريح آخر نسب مدير اعلام الوزارة عام 2010 قال فيه في حينها ان الكثير من الضباط زوروا شهاداتهم ورتبهم العسكرية، مؤكد ان اعداد هؤلاء بلغت حوالي 600 ضابط من مختلف الرتب العسكرية.

وهكذا هناك الكثير مما يكن جرده من الامثلة التي تدلل على ان حملات التطهير دائمية وتغييرات الاشخاص غير كافية لوحدها لتحسين اداء الشرطة والضرورة تقتضي ان تكون هناك ستراتيجية لاعادة بناء الاجهزة الامنية لا تقتصر اعادة الهيكلة على فورات الحملات على الفساد او الفشل في ضبط الامن في البلاد وتفاقم الارهاب.

ما بعد التغيير عام 2003 اصبحت للشرطة فضلا عن مهامتها المعروفة صارت جزءاً من الحرب على الارهاب والارهابيين وهذا عبء يتطلب بناء واستعداد وامكانيات اكبر واوسع الواضح من الاداء ان الجهاز لم يبلغها وبقي ضعيفاً واسيراً للصراعات السياسية والبنية الخاطئة للمؤسسة الامنية والمفارقة انه حتى المهمات الاخرى نتيجة ذلك لم تكن بالمستوى المطلوب.

فالجريمة المنظمة مفتشية ويندر ان نحصل على احصاءات عن انجازات مقبولة حتى لو تمت مقارنتها بالاسايش في الاقليم الذي لاحق الجرائم العادية وحقق نسب انجاز عالية والمختبرات الجنائية فيه حديثة التكوين ولا تملك الخبرة الشرطة الاتحادية وعمرها الزمني، غير ان السر يكمن في آليات بنائها واعتمادها على اسس مغايرة.

ان تكرار التغييرات وبقاء الحال على ما هو عليه من قلة التحسن والتطور، للاسف لم يدفع الحكومة الى البحث والتمعن بما يطرح باستمرار عن ضرورة اعادة البناء والهيكلة على معايير مختلفة ليس من بينها المحاصصة وتقاسم المناصب وفقها بكل انواعها ، هذه الالية التي نصت عليها الدستور لم تجلب لنا سوى الويلات والنكبات وتعميق جراحات شعبنا..

الامن لكل الناس ولا يمكن تجزئته على وفق المذاهب والاديان والاعراق، بل ان المؤسسات المتخصصة بهذا المجال هي بوتقة للصهر الوطني وزيادة الانسجام وتعزيز الوحدة الوطنية وتمتين عراها. هذه المؤسسة باتت تتدخل بالسياسة ويتظاهر منتسوبها نصرة لهذا السياسي او ذاك في الانتخابات والمؤسسات، وانتسبت اليها عناصر من خلال الدمج وليس على اسس المواطنة.. والاكثر خطورة وجدت جهات سياسية فيها تشكيل يمكن ان يوظف لمصالحها الخاصة واهدافها الضيقة ومآربها فكثيراً ما يقال ان الجريمة الفلانية ارتكبت بسيارات الاجهزة الامنية، بل ان الناس يتندرون على انه يمكن لأي جماعة ان تؤجر سياراتها تنجز فيها ما تريد وتفيدها وغير ذلك الكثير مما يقال في السر والعلن.

ان محاولات الاصلاح اجهزة الشرطة ستبقى قاصرة ما لم تعالج المشكلة من الاساس والجذور التي تكمن في العملية السياسية وعدم احترام الدستور والقانون واخضاع المؤسسات الى الولاءات الحزبية والفرعية، وعلى الحكومة مغادرة الكيل بمكيالين، فليس من الصحيح اعتبار هذا الضابط مع العملية الديمقراطية والنظام الجديد مجرد تأييده لهذا الحزب او ذاك، ومنحه الاعفاء عما يحاسب عليه قانون المساءلة والعدالة لمجرد اعلان ولائه لمسؤول نافذ في الحكومة او الدولة وحرمان آخرين من ذوي الكفاءات والمقدرة لانهم يرفضون التحزب او ليس لديهم من يحميهم.

من هنا ايضا لابد من ابعاد الاجهزة الامنية عن الشأن السياسي وممارسته سير العمل اليومي، وربما من المفيد دراسة الاطروحة التي تدعو الى حرمان العسكريين من الجيش والشرطة من الادلاء باصواتهم في الانتخابات وايجاد آلية مختلفة للتعيين في القيادات في المناصب العليا ومصادقة مجلس النواب عليها فوراً، بعد تقديم سيرة المعني بشفافية الى الراي العام ليكون على بينة منه.

طبعاً ما قدمته الشرطة ليس بالقليل وفيه من التضحيات الجسام، والاف منهم استشهدوا وهم يؤدون واجباتهم في الدفاع عن الوطن والمواطنين، وكان يمكن ان يكون المردود اكبر والثمن اقل لو كان هذا البناء تم على اساس المواطنة وكرست له الموارد من دون تطاول المفسدين عليها، فضلا عن اختيار القيادات الكفؤة والمهنية التي لا يشك في ولائها الى الوطن، واشغال المناصب على وفق الرجل المناسب في المكان المناسب، وابعادهم عن الولاءات الحزبية الضيقة والتمييز الذي يصيب المؤسسة بمقتل وترد لا حاجة للبلاد.