كل ما يدخل محيط حياتنا تتلاشى قيمته المعنوية.. ولم يعد رمضان سوى إسقاط فرض.. ليس تقليدا جماليا.. كمن يأكل ليملأ معدته من دون تلذذ.. اللذة أروع صور المحبة بين الله وعباده فإنتهجوها سبيل تقرب من جلالته
(1)
يحل هذا اليوم.. الخميس 18 حزيران 2015، شهر رمضان المبارك؛ باعثا في العراق الف سؤال وإستفهام، يحثنا على إستطلاع طبيعة تلقينا لبركاته.. إيمانيا وإجرائيا، في ظل التداخلات العسكرية والاقتصادية، التي تسقط تعقيداتها على المجتمع، الذي تهرأ بسبب قسوة واقعه، وإستعداده الفطري للتعاطي مع الشؤم أكثر من التفاؤل!
صيام رمضان واحد من أهم أصول الدين الاسلامي، وفرائضه واجبة الإلتزام، الا ان حلوله هذا العام، محفوف بحرج عسكري واقتصادي وإجتماعي، يضع المؤسستين الدينية والمدنية، أمام مسؤوليتيهما التضامنية، في إنتشال المؤمنين من التكلف في أداء التكليف!
(2)
لن أفسر الماءَ بالماءِ، قائلا ان الشهر الفضيل فرصة لمراجعة الذات، وإعادة تقويم النهج الايماني للفرد والمجتمع؛ فهو كلام مفروغ منه؛ لكن ما لا ضير في تكراره، إذ ان لرمضان إستحضاراته الواجب إستيفاؤها، من أغذية تستلزم إنفاقا، لم يعد إقتصاد العراق قادرا على تحقيقه للشعب؛ بسبب نزيف النفط تحت أديم الارض،…
وله عبادات، على هامش الصيام، تكاد تنفذ الى جوهر المنسك، متحولة من هامش الى متن يجري في إطار الشهر وليس في فلكه (!؟) وتلك هي الاخرى بحاجة لإستقرار نفسي واجتماعي (سايكو سوسيولوجي).
العسكر على جبهة المواجهة ضد (داعش) والطلاب على جبهة الإمتحانات، ضد الجهل، هل يصومون ام يفطرون!؟ وتلك القضية بحاجة لجرأة من المؤسسة الدينية؛ كي ينتظم إيقاع العسكر والمدارس.
(3)
إستنفد الصيام طاقته على تهدئة الوجدان، ميلا به من العنف الى السلام؛ لأن مجتمعنا يعتبر العنف إثما والسلام حسنة، فهما سواء مثلما نشأ آباؤنا، في القرى، على التفاخر بـ (الحيافة – الغزو ليلا) التي تعد حلالا في شرعهم.
إذن شرع الله غير مفعل في مجتمع يشرعن نزواته، ويضفي على حرامها حلية، طالما العراق يعيش تعقيدات مستمرة “لابسا خوذته منذ فجر الارض”.
وهذه المرحلة بالذات، تضغط بقلقها السياسي والاقتصادي، على المجتمع؛ نتيجة الازمة العسكرية الخانقة التي يمر بها العراق.
ولطالما الطوارئ تتسلم العراقيين من سيء الى أسوأ؛ فلم يعد بإمكانهم عيش الشهر المبارك بعمق عطائه الثر، إيمانيا وسياسيا.
(4)
الخيط السري الواصل بين المؤسستين.. الدينية والمدنية، ينسج من التنسيق بينهما؛ لإحتواء التداخلات والتعقيدات، التي تهرأ المجتمع جراءها، معانيا قسوة واقع يصادر الاستعداد الفطري للفرح، ويعقد على المؤمنين أداء الفريضة، بما تستحق من ولاء!
لأن أولى مقومات التماهي بين المجتمع والعبادات الدينية الواجبة، هو تحويلها الى تقاليد جمالية، تحتفظ بعمق الشعور الايماني، وتسر.. سعيدة به.
لكننا فقدنا القدرة على الفرح، وكل ما يدخل محيط حياتنا تتلاشى قيمته المعنوية، بالنسبة لنا، ولم يعد رمضان سوى إسقاط فرض، ليس تقليدا جماليا، كمن يأكل ليملأ معدته من دون تلذذ.. اللذة أروع صور المحبة بين الله وعباده؛ فإنتهجوها سبيل تقرب من جلالته.