22 أكتوبر، 2024 6:45 م
Search
Close this search box.

لماذا لم يعشق العرب عيسى وموسى !!

لماذا لم يعشق العرب عيسى وموسى !!

لا يملك المؤرخين الكثير حول الموطن الاصلي للعرب القدماء ولا عن طبيعة دياناتهم، الا انه في أحد النقوش الأشورية التي تم فك رموزها في بداية القرن العشرين، ورد ان المنطقة الممتدة بين الفرات والعقبة استوطنها اقوام  يدعون بالعرب وأنهم كانوا يعملون في التجارة بين المدن المنعزلة في نهاية القرن السابع قبل الميلاد، اما الدراسات  التاريخية حول انماط التدين فلم تكن متاحه الا في سنة 1649 حيث قام (ادوارد ابكوك) لأول محاوله في هذا المجال، ليتبعه بعد ذلك  بروكلمان في 1849, وفي عام 1899 وضع (اوسباندر) مؤلفه الشامل والذي الغى تقريبا” القيمة العلمية لجميع الدراسات السابقة حول الديانات العربية قبل وبعد المسيحية واليهودية, لأنه اعتمد على نسخه مترجمة لابن الكلبي تسمى (كتاب الاصنام). ورغم العيوب التاريخية في الكتاب في عدم التفريق بين ديانات الحضر والبدو الرحل ومسائل اخرى، الّا انه عزز حقيقة ان العرب كانوا يعبدون الأصنام و الاحجار , و يعبدون اسلافهم حالهم حال الاقوام البدائية الاخرى.
يقول (ولهاونزن) ان العرب لم يعبدوا رؤسائهم وشيوخهم , ولم يعبدوا بشرا” في بداة ظهورهم, بل تدور دياناتهم بأنواعها على ( الحجر المقدس) والذي سمح الاسلام باستمرار تقديسه الى الان, حيث يقول ( ريتشارد دوسو) ان العرب لم يعبدوا الحجر الّا لأنه مسكون بقوه خارقه تستطيع التأثير بحياتهم  شرا” او خيرا”, بالإضافة الى ذلك اظهر العرب الكثير من التدين للكواكب كالعزى ومنات والتي يعتقد ان اصل التسميه ارامي اكتسبه البدو من اختلاطهم التجاري مع الاراميين, لذلك كانت كل قبيلـة بدويه تصنع صنمها او رمزها الديني وتضعه حول الكعبة التي كانت تعتبر مفتاح السماء في الميثولوجيا البدويه , فكانوا يقدمون إليها الذبائح والقرابين, ويزورونها في مواسم الحج.
يقول كمال صليبي ان اليهودية انتقلت الى الجزيرة العربية بعد الحملات الشنيعة التي شنها الرومان ضدهم في القرن الثالث والرابع قبل الميلاد  بعد فرارهم الى شتى اصقاع الأرض ومنها الجزيره العربيه، حيث اعتنق اليهودية الكثير من القبائل العربية كما يقول ابن قتيبة ,فكانت  كل من بعض بطون  قريــش وبني عتبه وبني الحارث بن كعب وعيال وبعض قضاعة واورد ابن حزم اسماء هذه القبائل أيضا “بأنها كنت يهودية قبل دخولها الاسلام.
رغم الانتشار المتواضع لليهودية بين القبائل العربية الاّ انها لم تشكل مدا” جارفا” يتغلب على الديانات الوثنية الاخرى التي يعتنقها العرب، وربما الطبيعة الحضرية لليهود وميلهم للانكفاء , حيث كان يميلون للعيش حول الواحات والمدن التجارية وملتقى القوافل,  وكإنو يبنون القلاع الحصينة التي تمنع اختلاطهم الطويل مع القبائل البدوية, على خلاف العرب الذين كانت طبيعتهم المتنقلة  خلف الكلأ تجعلهم لا يعتنون كثيرا بعقائد الاقوام التي يمرون بها , بالإضافة الى توقف التبشير اليهودي  بعد الجرائم التي ارتكبت بحقهم جعلتهم يعزفون عن انضمام المزيد من العرب الى ديانتهم, وهذا ما ضهر واضحا” في بني قريضه وقينقاع الذين لم يتراجعوا عن دياناتهم الأصلية بينما القبائل العربية اليهودية اسلمت في اول محاولات التبشير  بالإسلام.
يقول المؤرخ اليهودي ولفنسون ان اليهود كانوا في صراع دائم مع محيطهم العربي ورغم حملهم لعقيده أكثر روحانيه من الوثنية العربية الا ان الاخلاق والقيم اليهودية كانت من اهم الاسباب التي تنفر الاقوام من اعتناق عقيدتهم، اذْ كانوا يبثون الفرقة والاقتتال ويحيكون الدسائس بين البدو، ويقرضون اموالهم بالربا، وكان اليهودي مغرورا” ماكرا” غير متسامح، فكررهم العرب الذين رغم بدواتهم كانوا يتحلون بصفات غاية في النبل والفروسية.
يقول عاصم بن قتاده ان من أعمق الاسباب التي دعتهم الى مولاة النبي محمد (ص) ونصرته هو استنكافهم من احتقار اليهود لهم ولأوثانهم سخريتهم من طقوسهم الغامضة مع الاصنام، حيث كان اليهود يتوعدون الاوس والخزرج في يثرب أنه إذا ما ظهر النبي الموعود سيقتلونهم قتل عاد وارم.
اما الديانة المسيحية فتشير اغلب كتب التاريخ انها تمددت الى الجزيرة العربية وبلاد ما بين النهري في اواسط القرن الاول الميلادي، حيث يقول (رو فينوس) من ان الرسول (متي) هو اول من كان يبشر للمسحية في اليمن والحبشة، ليتبعه بعد ذلك الفيلسوف المعروق (بينتانوس) بعد ان أعتنق المسيحية التي تشعبت في المناطق الساحلية العربية بين النسطوريه واليعقوبية.
  اعتنق المسيحية الكثير من القبائل العربية كما يقول المقريزي حيث بدأت المسيحية بالانتشار على أيدي الرهبان في الصحراء خلال القرن الخامس والسادس الميلادي حيث تنصر عرب الشمال من بنوا تتوخ في وحلب والغساسنة في صحراء الشام. اما في الجزيرة فكان بني تميم إحدى أكبر قبائل العرب اول من اعتنق المسيحية وكان منهم الشعراء المسيحيين كبشر بن عمرو وطرفة بن العبد، وقبيلة كنده التي انشأت مملكة في عمق الصحراء وكان منها إمريء القيس وهم غالبية سكان الساحل الشرقي للجزيرة العربية. وكان أيضا” بنو إياد وبني لخم واللذين أنشأوا ممالك معروفه في التاريخ. ويقول ابن خلكان ” أن جميع قبائل العراق اليمانية الأصل قد تنصرّت بما فيه تيم اللات وكلب والأشعريون وتنوخ ومنها انتقلوا نحو البحرين وذلك خلال القرن الرابع، إضافة الى ذلك كان للمسيحية وجود في مكة والمدينة حيث اعتنقها عبيد الله ابن جحش، وورقه ابن نوفل وزيد بن عمر واخرين كما ذكر ابن هشام.
رغم تعدد الدراسات التاريخية التي تؤكد لانتشار المسيحية الخجول في بلاد العرب الا انها لم تكون بالعمق والقوه في تعاليمها للدرجة التي تصهر جوهر المسيحي العربي وتستبطن قداسة الوحي الالهي بعنف وولاء حقيقي، فرغم كثرة اسماء القبائل العربية التي اعتنقت المسيحية الا انها لم تكون يوما” مسيحية السيد المسيح بل كانت طقوسيه اجتماعيه تحكمها الولاءات السياسية بين القبائل والفرس من جهة وبين والروم من جهة اخرى , كما انها لم تلفت انتباه غالبية القبائل العربية وبلورة موجه روحانيه كما حدث مع الاسلام  الذي رغم كل ما يقال عن عدم تجذره في الروح العربية الا ان التيار المعنوي الهائل للإسلام سحق التراث القبلي في بداية دولة الرسول بشكل مذهل.
 
ان الروح المسيحية وطبيعتها الوادعة ودعوتها لتجنب العنف وحقن الدم, كانت السبب الجوهري في عدم الاندماج الكامل بين القبيلة العربية والنصرانية, حيث كانت حياة العرب تقوم على السلب والنهب والغزو وسفك الدماء وانحطاط القيم الأخلاقية, على عكس الديانة المسيحية التي لا تقبل بهذا كله, بالإضافة الى عدم قدرة المبشرين على توفير بديل ثابت يعيل البدوي في رزقه و الذي تعود على  سيفه وقبيلته, فكانت دعوات المبشرين تلقى صدى رائعا” في البداية الا انها سرعان ما تنهار عند اول ضائقه او مجاعة تتعرض لها القبيلة, ولذلك لم تستطع النصرانية ان توجد روحا” رهبانيه بين العرب.

يعتقد الكثيرين بان السبب الجوهري لعدم تغلغل الديانات الشرقية والغربية كالزراد تسه والمانوية والمسيحية واليهودية وغيرها في الجزيرة العربية، هو انها لم تختلط بالعادات البدوية والوثنية العربية التي تميز العربي بالتمسك بها والاعتداد بتطبيقها. فالإسلام هو الديانة الوحيدة التي ظهرت في الصحراء متشكلة بعمق الوعي البدوي، حيث ابقت الكثير من وثنيات العرب كالحج والعمرة والصيام، واثنت على فضائلهم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق “. بالإضافة الى ذلك كانت العنصرية والولاء القبلي من أكثر العوامل التي لعبت في حياة العرب حيث كان من المستحيل الولاء لعقائد كان اغلبها منبوذا” من الفرس والروم القوتان العظيمتان في ذلك الوقت. تقول كارين ارمسترونغ في أحد مقالاتها بان العرب كانوا ينظرون بعين الريبة لليهودية والمسيحية كون المسيحية مدعومة في احد مذاهبها من قبل الروم, واليهودية يدعمها الفرس لا لانهم يهود بل  لعدائهم ديانة الروم المسيحية.

[email protected]

أحدث المقالات