لا شك ان الحرب على داعش هي حرب مقدّسة وضرورة قصوى ،لذلك ينبغي أن تتوحد الجهود والإرادات لمواجهتها،وليس بخاف على احد مدى خطورتها ودموية ممارساتها، التي تعكس ملمحاً بربرياً سيئاً، لا يمت للقيم الإسلامية الحقيقية بصلة. سوف تنتهى داعش ولا احد يعلم من أنشأ هذا التنظيم ومن قدم له السلاح ومن فتح له الأبواب فى اكثر من بلد عربي!!, ولكن صورة الإرهاب التى قدّمها للعالم سوف تبقى فى ذاكرة الأجيال .إلاّ ان القرار الاممي (في تشكيل ما يسمى التحالف الدولي بمحاربة داعش)اغفل الكثير من التنظيمات الإرهابية القائمة في المنطقة، واعتمد على محاربة تنظيمات محدّدة بعينها، بما يخدم مشاريع سياسية لصالح دول في المنطقة وخارجها. الحكومة العراقية إستجارت بالولايات المتحدة الامريكية لمواجهة خطر داعش, فاشترط الرئيس الامريكي باراك اوباما قيام حكومة جامعة في بغداد , وبدا واضحاً ان ادارة اوباما ليست في وارد اقتلاع داعش بل تريد تفتيت دول المنطقة الى دويلات , لذلك أصبحت القناعة لدينا بأنّ داعش لن تزول وخلافتها لن تأفل إلاّ عندما ترتسم ملامح ما بعد داعش. من البديهيّ أنّ تنظيمات متطرّفة من نمط داعش لا تبرز وتتمدّد بهذا الشكل، إلاّ لأنّها تملأ فراغاً وتؤدّي دوراً على الأصعدة الإيديولوجيّة والمحليّة .
إرهاب اليوم الذي يتعرض له العراق والمنطقة قضية مستقلة؛ خلايا ذكية ومعقدة ولديها قدرة هائلة على التأثير والتكتيك الحربي على الأرض، حرب شوارع بأدوات إعلامية متفوقة تقود شبابا مستلبا فكريا ومحفّزا نفسيا على الموت في سبيل الحوريات وليس في سبيل فكر معين ، حيث تحول المشروع الإرهابي إلى مشروع مستقل، وليس مجرد استخدام السلاح ضد الأنظمة متى ما ساءت الأحوال مع الإسلام المعتدل كما يصور محللو الإسلام السياسي ، الذين تركوا كارثة داعش ليتمسكوا باستغلال هذا الخراب لإعادة الاعتبار لإنفسهم باعتبارهم بديلا عن الإرهاب الداعشي لا مسؤولين عنه بشكل من الأشكال. ليس القوى البريّة التي تحرّر الأرض والمواطنين من داعش من يمسك الارض فحسب، بل أيضاً الفكر الذي تحمله وتنضوي تحت رايته هذه القوى, لما لهذا الفكر من تأثير مباشر على هذه القوات , بالاضافة الى مسك الاراضي المحررة وفرض القانون والنظام فيها , حيث ستظهر الحاجة الى قوات أمنية لمسك المساحات الشاسعة من الاراضي والقرى والقصبات والمدن المحررة وحمايتها من عودة انشطة التنظيمات الارهابية وخلاياها النائمة . كما يتوجب حماية الاهداف الحيوية في المناطق المحررة مثل محطات الكهرباء والسدود المائية وانابيب النفط وطرق المواصلات والمصانع والمعامل وغيرها من الاهداف الحيوية الاخرى . وهذا الامر يتطلب اعادة النظر بطريقة واسلوب الانفتاح والتوزيع والانتشار والاستخدام القتالي لقطعات الجيش في عموم العراق ،واعفاء الجيش من واجبات الأمن داخل المدن والقصبات ،واسناد هذه المهمة لقوى الامن الداخلي والحرس الوطني . ما نحاول طرحه هنا, هو توجيه عناية الراى العام المحلي الى ما سيغزوا ساحاتنا العراقية من تجارب إرهابية مستقبلية بعد داعش.
ان مسؤولية حل و معالجة المحور العسكري والامني لمرحلة ما بعد داعش وتحديد اهدافها ومتطلبات بنائها هي مسؤولية القيادة العسكرية العراقية ،بالإضافة الى مراكز البحوث والدراسات المنبثقة وذات الصلة بتلك الوزارات اي المختصة بالشؤون الامنية والعسكرية والعراق يزخر بالإمكانيات المتخصصة في هذا المجال شرط فسح المجال لها دون احكام او تصورات مسبقة وان يكون الفيصل هو خدمة الوطن والدولة بعيدا عن أي انتماء اخر سواء عرقي او طائفي. وينبغي أيجاد منافذ اقتصادية لتغطية النفقات المكلفة للحرب على داعش وإعادة أعمار المناطق المتضررة ولعل ذلك يتم بجذب راس المال العراقي المتواجد خارج البلد بمنحه امتيازات خاصة لجذبه للعمل في الداخل وإيجاد تطمينات للمستثمرين العراقيين بالخصوص بالتعويض والأفضلية مستقبلا حتى في مجال الأسعار والشروط . ان الدولة العراقية لم تتمكن من الخلاص من مافيات الفساد,وهنا لابد لوضع أولويات في التدقيق في أي المفاصل اخطر ولعلها وبلمحة سريعة نجدها في السلك الأمني والاستخباري والاقتصادي للتحرك عليها وتطويقها .
ربما تشكل مرحلة ما بعد داعش همّا اخر للكثير لكن الامر ليس بصعوبة وجود داعش فاي اشكال اخر يمكن حله لو وضع للحوار الوطني واسس الحوار البناء الرامي لصناعة دولة مدنية متحضرة قوية شعبا وحكومة وجيشاً. أي تنشيط كل المجالات وخاصة المجال الاقتصادي الذي يشكل الحلقة الاولى في مرحلة ما بعد داعش مع اهمية الحوار والتواصل ألإجتماعي , أي قبل أي حوار سواء الحوار السياسي او الديني ,فاي خطوة باتجاه التقدم في المجال السياسي أو الديني ربما يصطدم بعقبات وخلافات سابقة تعيد الامر الى ماكان عليه. الحوار الاجتماعي والتواصل بين فئات وطبقات وشرائح المجمتع المختلفة حلقة مهمة ومفصلية ربما تسهم في جعل القوى السياسية والدينية تقبل بالرضوخ الى ما ينتج عن ذلك التواصل. مع اهمية اعادة تنشيط الصناعة الوطنية والعمل على احياء المصانع والمعامل المتوقفة عن الانتاج. مدى ذكاء القيادات الوطنية الحاكمة ونفوذ المؤسسات العسكرية في تكييف منظومات الحكم وإخضاعها لعملية بناء ربما تكون معقّدة. الصعوبات الاقتصادية وتحديات التنمية، المؤثرة في حالة الاستقرار والاجتماع السياسي، والنجاح الاقتصادي مرتبط بالأمن القومي لأي بلد. مواجهة التقشف المالي وتراجع أسعار النفط حيث اعتمد البلد في ميزانيته السنوية لعام 2015 على سعر النفط ب(56) دولارًا في حين انخفض سعر بيعه إلى ما دون (40) دولارًا مع توقف شبه تام لقطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة. مافيات الدولة العميقة وسيطرتها على مفاصل الدولة المهمة, فقد انفق العراق منذ عام 2003 إلى يومنا هذا مئات المليارات من الدولارات ،دون أن نرى اي تأثير ملموس على بنية البلد الاقتصادية او التحتية ، بسبب استفحال ظاهرة الفساد المالي والإداري التي جعلت البلد يتصدر قائمة أكثر الدول فسادًا في العالم.
إن كيفية التعامل مع التحديات المذكورة أعلاه تعطي معالم مستقبل العراق ، إما في اتجاه إصلاحي ، أو إعادة إنتاج الأزمات، وانتظار زلزال إرهابي أخر قد يكون أشد وأكثر فظاعة، فأي زمن يختاره العراق بعد زمن داعش.