يدرك العبادي جيداً أنه ليس الابن المدلل للمؤسسة الدينية، وأن المطرقة الحديدية، التي منحتها إياه، لتكسير عظام المالكي خصيصاً، تحمل في طياتها رسالة مرعبة عن موعد مشؤوم مماثل تُكسر فيه عظامه بالمطرقة نفسها، ويدرك كذلك أن الرياح التي حملته إلى كرسي الوزارة تقاوم بشدة أي طيران معاكس، وعليه بالنتيجة أن يقرأ الخطوط الحمراء قراءة جيدة، ويتحرى بدقة متناهية موضع خطوته التالية.
العبادي الذي تُظهره صورة المطرقة التي وضعتها المؤسسة الدينية في يده، حراً، وقوياً، هو في الحقيقة مكبلٌ بالقيود من كل ناحية، فالواقع ملغوم بالتابوات، والخطوط الحمراء المرئية، وغير المرئية تملأ المكان.
إذن، هو قدر لا محيص منه، أن يختار العبادي ستراتيجية الطيران، أو العوم فوق الواقع، كغيمة خلب تعد بالمطر، دون أن تملك في جوفها قطرة واحدة لتسقطها!
لم يكن بإمكان العبادي أن يلتقي بالمتظاهرين البصريين، لأن اللقاء سيكلفه المزيد من الكلام الفارغ، والوعود البنفسجية غير القابلة للتحقيق. ستضطره الصورة المزيفة، التي رسمها له الدهاء السياسي للمؤسسة، وإعلامها، بوصفه منقذ العراق، ومهديه المنتظر، ليبيع أوهاماً، سيُنسَج منها لاحقاً حبل مشنقته.
لاشك في أنه قدر مرهق، أن تختار الرسم على لوحة الأفق بألوان براقة، لتوهم الناس بأن مستقبلاً مزهراً يحث الخطى نحوهم، ولكن هذا هو القدر الذي يبدو أن العبادي قد اختاره؛ والعبادي ومن خلفه المؤسسة الدينية، والقوى الدولية ذات المصلحة في بقاء الحال على ما هو عليه، لا يسعهم سوى المراهنة على تعب الجماهير، والقدرة، التي يمتلكها مزمار المؤسسة السحري، على إرجاعهم إلى القفص مرة أخرى.
الكرة دائماً في ملعب الشعب، وهو وحده صاحب المصلحة، والقادر على تغيير قواعد اللعبة، ولكنه، في الوقت ذاته، يمكن أن يجد نفسه على كراسي المدرجات، خارج اللعبة، لا يسعه سوى الانفعال، ورفع العقيرة المتعبة بتحفيز هذا اللاعب، أو ذاك، وهذا، للأسف، ما يبدو أنه قد ارتضاه عندما سمح لغيره بلعب دوره. نعم، ما زال الشعب، للأسف الشديد، يعلق آماله على مشجب المؤسسة الدينية، وسياسييها، وكأن تجربة كل هذه السنوات لم تكن تكفي لإقناعه بأن الحائطَ منخور، والمؤتمنَ خؤون.