لأنه تخصص في البحث في فنون التعذيب ووسائل الاغتيالات المعاصرة ، فكرالدكتور المصري محمد عبد الوهاب في اقامة متحف لأدوات التعذيب لغرض تذكير العالم بما يمكن ان يمارسه الانسان ضد اخيه الانسان ومايمكن ان يتعرض له بشر ابرياء لاذنب لهم سوى الاختلاف في الرأي مع الانظمة الحاكمة او بسبب اختلاف القوميات والاديان والطوائف ..
ويبدو الدكتورعبد الوهاب سعيدا بتفرده في افتتاح هذا المتحف وسعيه الجاد والمثابر لجمع اكبر عدد من ادوات التعذيب ووسائله في العالم لدرجة ان دخول (بوابة الجحيم ) وهو الاسم الذي اطلق على المتحف تجعل المرء بأشد الحاجة الى علاج نفسي بعد ان يشاهد هذا الكم الهائل من قسوة البشر وظلمهم ووحشيتهم ..فهل نحن بحاجة الى من يذكرنا بذلك ؟..
اذكر انني كنت في بداية المرحلة المتوسطة حين قرأت رواية ( اهوال الاستبداد ) للكاتب الروسي الكسي تولستوي رغبة مني في التمرد على الروايات العاطفية والاجتماعية التي بدأت بها رحلة المطالعة لكني كنت اجهل انني انما اضع قدمي على عتبة بوابة جحيم ايضا ..كانت الرواية تعج باساليب التعذيب الرهيبة في عصر القياصرة الروس وكنت احبس انفاسي وانا اتخيل صراخ السجناء المعذبين وتدحرج الرؤوس المقطوعة وتقطيع اوصال الابرياء وهم احياء ..يومها ، ادركت ان هناك مشاعرا كامنة في اعماق الانسان كالحقد والكراهية يمكن ان تحوله الى وحش كاسر..
في مرحلة لاحقة ، بدانا نتعرف على ماكان يحصل في السجون الاسرائيلية للفلسطينيين فتقودنا المشاعر القومية المتاججة آنذاك الى الخروج في تظاهرات استنكار ولم نكن نعلم ان سجوننا كانت ملطخة ايضا بدماء الشيوعيين ومعارضي النظام السابق ..
في اوائل التسعينات ، وبعد الانتفاضة الشعبانية ، ادركنا ان حجم السادية الموجودة في معتقلات النظام السابق يمكن ان تضع البشر في مفرمة لحوم او (حوض تيزاب ) او تدفنه حيا في مقابرجماعية..
وكبرنا ، واعتدنا على قصص التعذيب ولم تعد ترعبنا .. ربما تدهشنا قليلا أو تشعرنا بالاهانة كما حدث حين سربت الينا مشاهد تعذيب الامريكان للمعتقلين العراقيين في سجن ابي غريب، لكن تلك المشاعر ايضا تنتفي حين ندرك ان من يقوم بهذه الافعال يتحدى مشاعر الانسان فيه بالتوحش مدفوعا بكراهية للآخر او ربما لذاته ..
وعلى مر العصور ، يواصل الانسان ممارسة التعذيب كوسيلة للارهاب او التركيع ، ويتطور التفنن فيه مع تطور التكنولوجيا فهناك من استخدم ( الدريل ) في تثقيب البشر والتيزاب في اذابة اعضاءه ، بينما ابدع تنظيم القاعدة وربيبه (داعش ) في اساليب الذبح وادواته ثم طالهم التطور ايضا فاستخدموا الصعقات الكهربائية واصابع الديناميت في اعدام ابناء الموصل ….
منظمة الامم المتحدة قررت بدورها ان تحتفل سنويا باليوم العالمي لمناهضة التعذيب حيث تم توقيع اتفاقية من قبل 147 دولة تقضي بمنع التعذيب داخل حدود بلدانهم ، لكن التعذيب مستمر واضطهاد البشروامتهانهم في الدول الديمقراطية لاينتهي .وطالما تتناسل المنظمات الارهابية يوميا ، يصبح الحديث عن حرية الانسان وكرامته ضربا من العبث ، ولايعود متحف الدكتور المصري لوسائل التعذيب يثير الفضول او الدهشة لأن هناك قاعدة يدركها ( المعذبون في الأرض ) تقول بان التعود على التعذيب وبلوغ اعلى مستوياته يجعل كل شيء آخرممكن احتماله ..حتى الموت البطيء الذي نعانيه حاليا ..