كلية طب الموصل صرح علمي عراقي شامخ , أسهم في رفد الوطن بالعقول الطبية الخبيرة المتخصصة , التي آست أمراض العراقيين والعرب وأبناء الإنسانية جمعاء , بعد أن أصبح المتخرجون منها أطباء بارزين وأساتذة مرموقين في دول العالم المختلفة وجامعاتها الكبيرة العريقة , وأثبتوا براعتهم في ميادين الطب المتنوعة , وصاروا أعلاما مؤثرين في مسيرة العلوم الطبية.
وبدأت الدراسة فيها في العشرين من تشرين الأول عام ألف وتسعمائة وتسعة وخمسين , وكان عدد الدفعة الأولى من الطلبة مائة وثلاثة وعشرين للسنة الدراسية 1959-1960 , وفي السنة التالية كانت الدفعة الثانية ثلاثة وخمسين.
وأول عميد للكلية هو الدكتور المرحوم عبد الوهاب حديد , وأصبح العديد من طلبتها أساتذة فيها فيما بعد , وأحد طلبتها عميدها قبل أعوام.
وكانت الكلية في بدايتها تابعة لوزارة الصحة ومن ثم ألحقت بجامعة بغداد , وإعتمدت معايير كلية طب بغداد في القبول والدراسة , لكنها كانت تتميز عنها بصعوبة الدراسة فيها , وصرامة الضوابط الدراسية والتعليمية , وحرصها على أن تكون دقيقة جدا في منح الدرجات , وقوة التدريب والتدريس والإمتحانات.
وبسبب هذه الأصول العلمية والمهنية الراسخة , أهّلت طلبتها للقيام بأدوار علمية , ذات قيمة مهنية مؤثرة في بناء معالم المسيرة الطبية في العراق وغيره من الدول.
ولا نعرف كم تخرج من الكلية خلال نصف قرن ونيف , لكن الواضح أن الخريجين قد رفدوا الحياة بأسباب السعادة والعافية والتطور النافع للبشرية , فمنهم الأساتذة والعلماء والباحثين والمؤلفين , والقادة المهنيين المؤثرين في تطوير الخدمات الطبية.
والكلية ذات موقع جميل قريب من نهر دجلة , وتبدو الغابات الموصلية في الجهة الأخرى , وبجوارها المستشفى التعليمي الذي يطل على معالم أم الربيعين الزاهية بالأشجار والآثار والجوامع وبمنارتها الحدباء.
وفي حكاية تأسيس الكلية معاني وطنية وإجتماعية ذات قيمة حضارية ومعرفية , فهي تأسست في السنة الثانية لثورة الرابع عشر من تموز , وتواصلت وتطورت كفكرة ثم تحولت إلى مشروع إنساني عالمي , وهذا يعني أن الثورات مهما كانت يمكنها أن تؤسس لإنطلاقات ذات قيمة وطنية وإنسانية ككلية طب الموصل.
وهي تشير إلى الإرادة الوطنية الصادقة لأهلها , لأنها فكرة بدأت في الموصل وترعرعت , وتفاعل أبناؤها لصياغتها وتحقيقها , وبتظافر الجهود تم الوصول إلى إنجاز الهدف النبيل , الذي أظهرإرادة أبناء الموصل في العطاء الإنساني الكبير.
كما أنها تعني بأن المجتمع الحي يمكنه أن يحقق طموحاته بتفاعل أفكار وجهود أبنائه , عندما تكون النيات صادقة والأهداف جلية , والمصلحة الجماعية للمدينة أو الوطن هي الغاية الأولى والكبرى.
فكلية طب الموصل , ثمرة عطاء أبناء الموصل , وسعيهم الجاد للإرتقاء بمدينتهم ومحبتها , والإعتزاز بقيمتها الحضارية ودورها الإنساني.
ويمكن لمسيرة كلية طب الموصل أن تكون مثلا يحتذى به في المحافظات العراقية , عندما يريد أبناء المحافظة القيام ببناء مشروع نافع لمحافظتهم أو مدينتهم , لأن فيها دروس عملية ناجحة تعبّر عن تكاتف أبناء المجتمع , وتفاعل أفكارهم وتوحد جهودهم وجدهم وإجتهادهم للوصول إلى غاية نبيلة سامية.
كلية طب الموصل التي درسنا فيها وتعلمنا آليات التفكير العلمي والإنساني , لا نعرف عنها شيئا منذ عام , ولا ندري ما حلّ بها , وهي أيقونة وعينا , وميدان شوقنا وشبابنا , ورائعة مسيرة علمية عراقية متوهجة.
أطيب التحايا لكلية طب الموصل مع باقات محبة وفخر وإعتزاز من خريجيها!!
وسؤال عن كيف الحال والأحوال؟!!