نصفُ دمي
يندّسُ في ابريق خزفٍ. اُريقُه وضوءاً لصَلاتي، ولصِلاتي بأيقونات العمر. يتدفقنَ على بالي حالَ خروجي وعَودي. وخلية ُخليلاتي شبهُ عاتمة عائمة بلا هامشٍ يبينُ هاجسَ أمري. فيأخذني الكتابُ من صبابة رُوعي الى معترك الفهم أفصحُ عن خبيئات ِ حبيباتي يحجزنَ وقتي. فأمرُّ بين خواطرهن ومضة َوجيب ٍ مُرٍّ. الحكاياتُ تسيلُ وتمضي وتُنسى في تجاعيد دهري. فلماذا تُلازمني تلك الصبيّة ُفي فلوات الحلم، فتُلبسني ثوبي وتنزع ُعني همّي، فتُطعمني زلالَ وفاءٍ وتأخذني في تَجوال مُضن ٍ. وتعبرُ بي جسوراً صخوراً دهوراً، وتُلقمني فرحاً ما لامسَ شفتي. وصيّرتْني ديدَباناً أحرُسُ بوابة َ مآرب ٍعصيٍّ، كنتُ مُمسكاً بأيديهم اُعْلي بهم الى مقام رفيع. لا شأنَ لأحد ٍ بشأوي يتراوحُ بين غموض ووضوح باهت. مرةً أراني عنصراً فاعلاً، وأخرى فاشلاً. هكذا الحالُ فأنا في مفترَق ِالتناقض. لكنّ الألى توارَوا عادوا يُداوون جُرحي.
……………………….
هي مَنْ بقيتْ لدُنّي لا تخضعُ لأمري . فما نفعُها، طيفاً شبحيّاً طارئاً يَعصى على اللمس ِ. منحتُها محضَ نظري. وأعطتني ظهرها ومضت وراءَ طيف ٍآخرَ مثلي .
كصدق طويّتك
أفهمُك كما يتفهّمُني الماء.
لم يفطرْ به فمي، بل شدا به مزماري.
بين منعطفٍ وآخر أسمعُ ولولة اعتذارك، تشتبكُ مع الصبح، مع الضياء يتسربل بفيء الجدار. وتنسلُّ من مدار عيني الى سدرة الفناء. غضباً يحتقنُ صلصالُ أوجِك ، ما بكَ يا دمَ آدميتك تغرسُ شتائمك في ضحى المارّين بين وريد وجدانك وسجا وحدتك القاحلة. أ تُراني وقد تقيأتني فسحاتُ المصير، أكلت صبر خافقي وقمّطتني بمجاري المجهول ، وغَدٌ وَغْدٌ شبحي يفتحُ لظلي ذراعيه؛؛ يَجري بخُطا خطابي في حقل خطيئاتٍ لم تلامسْ اهابي. وأزهارُ أصباحي تجيءُ بالأرج النبوي يغتسلُ به خزينُ سحري مخترقاً عقابيل أسواري. عَذِباً يتهالك ضميري على مائدة الحلم فيزدردُ ضباباً وملحاً له مذاقُ لهب الجحيم. جُلتُ في القراءات والتحفتُ بالورق يكتظُ بوجع القلم وأهات الأنامل وأعذبة العشق المستعصية. تمرُّ بي وسماتُ الحيرة المُحتقنة بِحُمّى الإخفاق ثمّ… يطيشُ عن الهدف بقاءُ فيضي. والمدائنُ، زمناً وناساً وذاكرةً وصبابة وأحباباً وأمنيةً وقراءةً ، رسبت حدثانُها ووجدانها على خطوط العمر.
ولي مركبٌ يرحلُ بي من لُغز الى جوابات تخضرُّ في مديات المنظور. تُرى :عمّ كان يبحثُ جدالي ليخوض سديمَ تلك اللطخة الجاثية لصقَ أنفاس كأسي. الليلُ وطنٌ يُقمّطُ زمهريرَ حاجتي بضروراته التي لا يطولها حدسي وحسّي.
……
المدى فضاءُ ارجوان، وبلٌ رعدي ماجنٌ، صورٌ يتنزّلُ من قاع الى فوق. أملأ به كفيّ وأمنحه صدقة لخطيئاتي الماجنة.
سأجلو ساحتي
وتخضرُّعبثية ُ مسعاي، في شعاب الوهن. أجري مستقيم َ الخطو، على صراط الرحمة. أعبيءُ جيبي بالخطر يمحقُ أثيري.
على رمل فلاتي أزدردُ خيري. يعبقُ به مسارُ وجدي. لي جدولٌ فيه مواعيدي، وآخرُ يمضي في باحة ذاتي. أتأملُ حصاه وأسماكه الصغيرة، وأسمالَ وغف ٍ تتسربلُ بها حاشيةُ الماء. هنا ظلٌ رهيفٌ وارفٌ ونسوةٌ تتضمّخُ أناملهنَ بعبيرَ الشاي… وأطفالٌ تحتكُ كركراتُهم بلون الزمن يُغادرُ نهارَه الطويل المُحتشد بالقيظ والمُتخم بالضوء.
والليالي.. مقمرةٌ، والنُجيمات تتسكّعُ على رموش النعاس…
أنا من ضاحية الوجع يُكللُ أمري.
سرحاني، مجدي الذي ضيّعني
لهاثي المُتدحرجُ فوق الحصى والرمل.
تتفيءُ به ذاكرتي. ثمّ اُعيدُ ما خبا من أيامي الذاوية الى دائرة الفرح
تضيقُ وتتّسعُ .
ألوذُ بوغف خطيئتي، بعافية غنائي، تحزُّ وريدَ السكون.
مرةً أكون هنا.. ثمّ يتلقفني الصقعُ الأبعدُ. فتجري بي المماشي في فُسح الغربة.
والأناسي: انهمروا من سكون الخرائط، تكدّسوا لدن ساعة صحوي.
اُكرّرُ جريي فيها، صعوداً، نزولاً، رصانة ً ،خبالاً. سأقتربُ وأبتعدُ، أحتسي بكاء مُزني، أغتسلُ بزئير ضعفي
والمدياتُ صديقاتُ العمر، أقطعُ سُرَرها واسرارها فهل أنا صانعُ سعدي ؟
……………………………………
لكلّ ِقنطرةُ ٍ حبلها السرّيُّ منه تنسجُ درباً وتُمرّرُ خلقاً وتختصرُ زمناً ، وعبرها يمضي نفَسُ العاشق الى منفاه .
ثمة يخضرُّ أوانُ الاحتضار ..
أرضُ الرُّضوض
افتحْ قميصك للريح، للغربة، بل للغرَق تغرفُ من معينه عقوقاً، خلوداً. كتاباً ذا ابجدية مُغلقة، وساماً يلمعُ على زهوك… فأمضِ بين تضاريس الكمَد فقد غشيَ نياشينك الصدأ ُ.
خُذْ ما يخذلُ أرومتك للسيل يجرفه طمياً وكُدس عطب. لك مآلُ النوال يستجدي رفقته من ظلّ ٍ الى ستر ٍ يضمُّ رفات خُذلانك. تُرى لمَ تُواري هديلَ غنائك مقموعاً طيَ زهو ٍ جارف يمضي بسكينتك الى سدم الصمت؟ بعيداً عن الصخب العذب تُلقي صُرّةَ عذابك وتُريحُ ريحَ أهوائك. دغِ غضبتك تثورُ فيك، تُضرمُ لُغزَكَ البربري، سائلْ جريانك الى أين يمضي.
أراك مُتكئاً على غضارتك تعصرُ منديلَ خيبتك وأنتَ في غيبوبة الغياب تتسربلُ بالعناد. أخرجٍ من أديم أدميتك، كن زهرةً، فراشة ً، رحيقَ مخمل ٍ عبثيّ عابر، انهلْ من تجاعيد الغد لونَ خلودك، وجداً ناريّاً، جسدَ رحيق. ايقونة َ تماه ٍ يثقبُ المدى. فلا تَزرْ أثرَ خيمتي في كنف ِغيابي.
أتذكرُ حين مرّ / أباطرةٌ وقياصرةٌ وجرذانٌ ورِعاعٌ ومجانين ثقافة ومتصعلكون وسماسرة ومعلمون ما تبلورَ علمُهم / أمامَ باصرتك فلم تحفلْ بوجودهم كما لو كانوا شظايا قشٍّ في مهب العاصفة.
……………………………….
أنتَ النجمةُ والومضةُ والعَتمة ُوالغيمة واللقمة النائية والعظْمَةُ والعَظَمةُ المحشوةُ بزُعاف اليأس، والرميمُ المتساقط ُ من أعالي اليباس. فلا تسَلْ عن كينونتي المُكدّسة في أفضية الرؤية، وأنا اللامرئي يؤطّرني عنادُ لا مُبالاتي.
في المدينة
نختبرُ ذائقة الغربة،
غرباءُ في فتحة الباب،
وفي المحلة وفي المقهى.
نحتسي قهوتنا على مهل،
وعلى نغمات الحديث
نزدَردهُا مُبتدءاً
لصُبحنا الجديد
لديّ كُدْسٌ من أضغاث أحلام ٍتمرأتْ لي واختفتْ فجأةً:
اربعُ مناشف بلون الخردل، وجهازُ راديو صغيرٌ يتخفّى طيّ
أحداها. فاسمعُ صدحَ ناظم الغزالي.
تمر المرأةُ الثرثارةُ
مُردّدةً فقرة من حوارها في احدى المسرحيات.
أخطأتْ في القراءة،
نبّهنُها الى أغلاطها، ومضتْ طيفاً عابراً،
غبّئذ ٍرأيتُني في مكان مجهول:
صبيانٌ يتسلقون السياج ويلجون في بيوت فارغة.
جرّني فتى من ردني وأدخلني بيتاً: هذا بيتنا، همَسَ.
كان اناءُ الشاي فوق الموقد الواطيء، فصبّ لي استكانة:
اشربْ سيُريحك.
سالُ صوته في رُوعِي أماناً.
كان نهاري ابانئذ ٍ مختلفاً،
خفيفاً كالنسمة اتحرّك، استغربتُ أمري.
ثمّ وضعَ في حقيبتي أربعةَ أرغفة خبز،
ودِدُتُ لو أسألْه: لمَ أربعة وليس أقل أو أكثر.
لكني بلعتُ سؤالي.
ثمّ… ركلني المكانُ الى حنية اخرى.
ذبتُ في ساقية الزمن مثل فصّ
ملحٍ
بعضُ مشِوارنا نسيج مصادفات صادمة،
تجرفنا مُرغمين الى ما نهوى وما لا نهوى،
ونمضي مع الريح،
نتسلحُ بصبر ِلامبالاتنا.
