تشهد الولايات المتحدة اﻷمريكية في العام القادم 2016 إنتخابات رئاسية جديدة على منصب الرئاسة وحيث إعتزم جب بوش ترشيح نفسه للرئاسة كمرشح عن الحزب الجمهوري بمواجهة هيلاري كلينتون أو من يختاره الحزب الديمقراطي مرشحا عنه وهذا هو حال الرئاسة الامريكية فهي حكرا” على أحد هذين الحزبين ديمقراطي أو جمهوري وبالتالي لايمكن الوصول إلى الرئاسة اﻷمريكية من خارج هذين الحزبين .
وبما أن سباق الترشح بدء منذ اﻷن فعلى كل مرشح أن يدلي بدلوه ويبين خط سيره وبرنامجه وسياسته فيما لو وصل إلى سدة الحكم ونال بطاقة الفوز بالرئاسة ،ومنذ هذه اللحظة سيخضع كل مرشح للفحص والتدقيق والتمحيص من قبل الناخب الأمريكي بشكل عام وبشكل خاص من قبل الهيئة الإنتخابية التي ستتشكل من 538 عضو من جميع الولايات اﻷمريكية حيث أن المرشح الذي سيحصد 270 صوت من أصوات الهيئة أي النصف + 1 هو الذي يفوز بمقعد الرئاسة بمعنى أن الرئيس الامريكي هو من يفوز بأغلبية أصوات الهيئة الإنتخابية العليا أو مايسمى بالمجمع الإنتخابي وليس من يفوز بأغلبية أصوات الشعب الامريكي وهذا ماحصل فعلا عام 2000 حيث فاز آل جور بأغلبية أصوات الشعب الأمريكي بمواجهة جورج دبليو بوش(سفاح بغداد) ولكن ورغم ذلك تم إختيار جورج دبليو بوش من قبل المجمع الانتخابي وإعتلى سدة الحكم في الولايات المتحده الامريكية .
إذا تتبعنا السيرة الرئاسية لآل بوش نجد إرتباط سياستهم الوثيق وتوجههم نحو المنطقة العربية والشرق الاوسط إبتدأت بجورج بوش الأب الذي كان رجل أعمال يمتلك شركة بترول عملاقة في تكساس وعمل في هذا المجال منذ العام 1948 ولغاية 1966 بعد أن كان ضابطا” في البحرية الامريكية خلال فترة الحرب العالمية الثانية من بعدها قرر خوض العمل السياسي (أترك للقارئ الوقوف عند هذه الجزئية المهنية للتحليل والبحث) وتدرج في عمله السياسي حتى عمل مديرا” لوكالة الإستخبارات الامريكية CIA للفترة من عام 1976 لغاية 1977 ثم نائبا” للرئيس الامريكي رونالد ريغان للفترة من 1981 لغاية 1988 ثم تولى الرئاسة الامريكية لفترة واحدة 1993-1989 وعند تسلمه الحكم كانت المنطقة العربية والشرق الأوسط تقريبا يعج بسلام وأمآن ولو نسبيا” حيث إنتهت الحرب العراقية الايرانية في آب 1988 وإنتهت الازمة اللبنانية باتفاق الطائف في آيلول 1989 منهيا” الحرب الطائفية اللبنانية التي استمرت 15 عاما”واستقرت المنطقة العربية سياسيا” الإ أنه وبعد تسلمه مهام عمله رسميا في 1989 بدأت الازمات العالمية تطفو على السطح حيث تم غزو بنما في ديسمبر 1989 والقبض على رئيسها نوريغا ونقله الى ولاية فلوريدا والحكم عليه بالسجن مدة 40 عاما ، إنهيار المعسكر الشيوعي عام 1991 المتمثل بالاتحاد السوفيتي وحلفائها وقيام الوﻻيات المتحدة الامريكية بدعم الدول المنفصلة عنها ، وتجميع مايقارب 33 دولة في تحالف دولي لاخراج القوات العراقية من الكويت عام 1991 حيث كان التخطيط والتوجه واضحا” في تلك الفترة نحو الشرق الاوسط والسيطرة على منابع النفط من قبل امريكا بشكل مباشر بنظام عالمي جديد الا وهو العولمة إذ ارتبطت العولمة بالمشروع السياسي الأمريكي في مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة إذ يؤرخ المفكرون لميلاد العولمة مع سقوط جدار برلين 1989م ومع ولادتها هذه بدأت الإنسانية مرحلة تاريخية فريدة يهيمن فيها الاقتصاد الليبرالي الحر في ظل نهاية مرحلة المواجهات الباردة بين قطبي الوجود السياسي في العالم ( أمريكا والاتحاد السوفياتي سابقا).
وكذا التوجه كان متواجدا” في فكرة وعقيدة جورج دبليو بوش(سفاح بغداد) الذي عاش حياة فاشلة وماجنة خلال سنوات عمره لغاية بلوغه منتصف الثلاثين من عمره حيث رشح نفسه لعضوية الكونغرس مقابل الديمقراطي كينت هانس إﻻ أن دبليو بوش خسر الانتخابات بسبب اخلاقياته بعدما نشر إعلانا”انتخابيا” يصوره وهو يوزع بيرة(الجعه) مجانا ، بعد هذه الحادثة تعلم الدرس وتوجه نحو فهم ودراسة الانجيل وأبدى ميولا” نحو التدين، وفي نفس الفترة تخصص في مجال النفط وحفر الابار وعمل في شركة هاركين إنرجي النفطية إذ كانت له نسبة من أسهم الشركة بمقدار نصف مليون دوﻻر وراتب 120 ألف دوﻻر سنويا وبعد استلام جورج دبليو للعمل بفترة قليلة فازت شركة هاركين إنرجي بعقد كبير في دولة البحرين عام 1986، وأرسلت جورج دبليو للعمل هناك نظرا لعلاقاته السياسية الواسعة، وفي عام 1990 قام ببيع أسهمه والتي وصل ثمنها لحوالي 850 ألف دولار قبل شهرين فقط من خسارة هاركين انرجي لعشرين مليون دولار(وهنا ايضا نترك حرية تحليل هذه الجزئية المهنية من حياته).
هذا كان على المستوى المهني التجاري فكلاهما الأب والإبن بوش كانا من رجال الأعمال في مجال البترول أما على المستوى العقائدي الديني فكلاهما ينتميان إلى الكنيسة البروتستانتية التي تميل الى التطرف الديني حيث أن بوش الأب صديق للداعية الأمريكي المعروف جيري فالويل والذي يعد أحد أشهر قادة اليمين الأمريكي المتدين.
كما حافظت باربرا بوش – أم الرئيس جورج دبليو بوش – على اصطحاب عائلتها للكنيسة بشكل منتظم، كما حافظت على دعوة بيلي جرام لبيتها بشكل دائم – والذي يعد أشهر قادة اليمين الأمريكي المتشدد.
اتصل جورج دبليو بوش بالقس جيمس روبيسون وقال له “لقد سمعت الدعوة. أعتقد أن الله يريدني أن أرشح نفسي للرئاسة”، وقام روبيسون بتنظيم لقاء جمع جورج دبليو في 15 ابريل 1999 مع عدد كبير من قادة اليمين المسيحي وبدأ في تقديمه لهم، والذين امتحنوه وتأكدوا أنه “ولد مرة أخرى”، وأنه ليس مجرد سياسي يتحدث إليهم بلغة يفهموها، وإنما هو واحد منهم، وسرعان ما بدأ جورج دبليو في قراءة الإنجيل والصلاة يوميا، وحرص على المشاركة في حلقة لدراسة الإنجيل مع بعض أصدقائه، وتوقف عن شرب الخمور، وبدأ الجميع يرون تحولا” في حياة بوش الإبن على نحو أكثر جدية. وبعد ذلك بدأ جورج دبليو يتلقى دعم قادة اليمين المتدين واحدا” تلو الأخر حتى حاز على مساندة بات روبرتسون ( رئيس منظمة التحالف المسيحي المعنية بتشجيع مشاركة المسيحيين المتدينين في الحياة السياسية الأميركية، ويقدر عدد أعضاء التحالف المسيحي حاليا بحوالي 1.2 مليون عضو ، كما أعلن أكثر من مرة تأييده للحرب الأمريكية في العراق، باعتبارها خطوة على طريق المعركة الكبرى التي تحقق حلم المحافظين الجدد بعودة السيد المسيح ومن ابرز مؤلفاته النظام الدولي الجديد )، ومنها بدأ جورج دبليو في حصد تأييد اليمين الأمريكي على أوسع نطاق ، وبعد فوزه في انتخابات عام 2000 تميزت سياسته بطابع ديني واضح سواء في مجال التعبير عن عقائده الدينية بشكل علني، أو فيما يتعلق بوضع قوانين تسمح للجماعات الخيرية الدينية بالتنافس على المنح الحكومية المقدمة في مجالات عملها ، كما أن التدين في إدارة جورج دبليو لم يقتصر عليه، فكونداليزا ريس – رئيسة مجلس الأمن القومي – على سبيل المثال – هي ابنة قس، وجون أشكروفت وزير العدل هو عضو نشط بجماعة دينية معروفة، وإندرو كارد كبير موظفي البيت الأبيض متزوج من سيدة دين، ووزير التجارة دون إيفانز كان زميل بوش في حلقة لدراسة الإنجيل بتكساس وهم حاشيته المقربه اثناء فترة حكمه .
مما نخلص اليه إن اليمين الديني المتطرف هو الذين دفع به الى سدة الحكم لفترتين متتاليتين من عام 2000 لغاية 2008 وهذا الطابع المتشدد كان واضحا” في أغلب خطاباته وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001 الذي كان يدعو لاشعال حرب صليبية ضد الاسلام والمسلمين وفعلا فقد أحرق المنطقة العربية والشرق الاوسط بتطرفه وغروره واستهتاره بكل القيم الدوليه ويكفي أن نفهم من واقعة واحدة ميول اليمين اﻻمريكي المتشدد وذلك خلال تصريح لجورج بوش الاب عند قرب نهاية فترته الاولى وإعلانه عن الترشح لفتره ثانيه حينما قال أن الدين موضوع شخصي ويجب الفصل بين الدين والسياسة مما أثار غضب اليمين المتشدد الذي دعمه في المرحلة الاولى وأدى الى الإطاحة به وعدم فوزه لفتره انتخابية ثانية، إﻻ أن اليمين الديني الامريكي عاد ووجد ضالته في إبنه جورج دبليو بوش وبعد اختباره وتمحصيه تأكدوا من بأنه سيكمل مسيرة جورج بوش الاب ويحقق ماكانو يصبون الى تحقيقه في المنطقة العربية والشرق الاوسط الغنية بالطاقة والبترول ﻻسيما وانه خبير وضليع بهما باﻻضافة الى علاقاته التي اكتسبها في المنطقة من خلال عمله وادارته لشركة بترول في البحرين حيث تم صقل عقليته وتوجهاته واحتضانه من قبلهم ليحقق ماعجز او تلكأ والده في تحقيقه ، فالسياسة الامريكية مزيج مابين المصالح الاقتصادية العالمية وجماعات الضغط الديني المتطرف التي تحكم سيطرتها على السياسة الخارجية الامريكية والتي تختار ادواتها لتنفيذ سياستها بعناية وبصيرة فائقة.
فهل يسير بوش الثالث وهو المرشح جب بوش لانتخابات الرئاسة 2016 على خطى شقيقه سفاح بغداد ووالدهما فيما يتعلق بتوجه سياسته نحو المنطقه العربية والشرق الاوسط واستهدافها بتخطيط سياسي مسبق ومحكم التخطيط بحيث يستكمل مابدأه والده عام 1990 وشقيقه عام2003 وتستحكم حلقات المخطط تجاه المنطقة العربية والشرق الاوسط فيما تبقى مما خطط له في دهاليز البيت الابيض واللوبي الصهيوني المتشدد تجاه المنطقة العربية ومحورها العراق قلب الامة العربية خاصة فيما إذا علمنا أن جب بوش يمتهن العمل المصرفي والعقاري ، ولديه شعبية بين الجالية الكوبيه في فلوريدا (فاز ب80% من أصواتهم في 2002) وله شعبية بين الطائفه الهيسپانيين غير الكوبيين (56% في 2002، تعادل 56% التي فاز بها على مستوى الولاية). كداعم منذ مدة طويلة لإسرائيل، كان لبوش كذلك تواصل ملحوظ مع الناخبين اليهود في فلوريدا عند خوضه انتخابات حاكم فلوريدا مرتين، كان يحظى بتأييد النشرة اليهودية الوطنية، وفاز ب44% من أصوات يهود الولاية في انتخابات 2002 أما توجهه الديني فإنه كان ينتمي للكنيسة البروتستانتية الاسقفية على خطى والده وشقيقه الإ أنه تحول للكنيسة الكاثوليكية عام 1995 وانضم الى جمعية فرسان كولومبس (وهي جمعية كاثوليكية تأسست عام 1882 في اميركا ) وتم منحه لقب فارس كولومبس من الدرجة الثالثة .
ومن خلال تتبع تصريحات وتوجهات جب بوش في الشأن السياسي لحملته الانتخابية نجد أنه إستعان بعدد كبير من العاملين في الإدارتين السابقتين في عهد شقيقه جورج ديليو ووالده بوش الأب، لاختيار فريقه من مستشاري السياسة الخارجية إذ إن القائمة التي تضم 21 مستشارا، 19 مستشارا من ضمن القائمة ممن خدموا في عهد الرئيس جورج دبليو بوش ووالده بوش الأب، مما يمثل خط سيره السياسي أنه إستمرارا” لتركة عائلته في السياسة الخارجية.
ومن بين مستشاري جب بوش، بول ولفويتز النائب السابق لوزير الدفاع الأميركي الذي قام بدور رئيسي في التخطيط لغزو العراق عام 2003، وجون هانا الذي كان من كبار مساعدي ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق وكذلك ستيفن هادلي نائب مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس بوش الابن ، كما وقع اختيار جب أيضا على جيمس بيكر وزير الخارجية في عهد والده، والذي شارك في رئاسة لجنة خاصة وصفت الوضع في العراق عام 2006 بأنه «خطير ومتدهور»، وأوصت بانسحاب القوات الأميركية من هناك على مراحل.
وفي هذا الصدد، وصف ديموقراطيون خطط جيب بوش في السياسة الخارجية بأنها تعكس سياسات الرئيس بوش الابن الذي بدأ حرب العراق .
باعتقادنا أن جب بوش سيسير نحو المصير المحتوم والمخطط المحكم للمنطقة العربية والشرق الاوسط وسيكمل مابدأه أسلافه والده وشقيقه السفاح لتنتهي المنطقة على يد آل بوش ، فأين نحن العرب حكاما” ومحكومين من هذا التدبير والتخطيط التي تضمره لنا القوى العالمية وكيف سنتصرف تجاهه .. أترك الاجابة لكل من نصب نفسه سياسيا في العراق وأنبرى للعملية السياسية وتصور أنه قادر عليها وأنزلق في أنفاق السياسة المظلمة.