يعتبر العام 1916 هو بداية التاريخ المعاصر للعالم الحديث حيث الحرب العالمية الأولى على أوجها إستعارا” في كافة جبهاتها والتحالفات العالمية حينها تجري على قدم وساق للإطاحة بالإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الألمانية المتحالفة معها فتعاظمت القوى الاوربية فيما بينها بتحالفات داخلية، على مستوى الشعوب وعلى مستوى تحالفات بين تجار الحروب وأصحاب روؤس الأموال والمرابين الذين يسعون لتحقيق أعلى منافع ومردودات مادية من جراء الحرب وذلك بتمويل أطراف الحرب مهما إزدادو عددا” ، وتحالفات خارجية بين القوى الأوربية العظمى في تلك الفترة لتقاسم غنائم الامبراطورية العثمانية التي تمتد أراضيها شمالا وجنوبا شرقا وغربا وكذلك الحال بالنسبة لألمانيا التي كانت تسيطر على أراضي دول أوربية أخرى كثيرة.
في العام (1917) خرجت القوى اليهودية العالمية التي كانت تعمل بالخفاء لعقود طوال من الظلام إلى النور وبدأت تضغط على الدول العظمى لقطف ثمرة عملها المضني وذلك بمساعدتها بالحصول على وعد لأقامة دولتهم الموعوده وتجميع شعبهم المختار ،فقد كانت تدرك بأن الحرب العالمية الأولى لم تكن لتضع أوزارها حتى تكون الإمبراطورية العثمانية من الماضي وتصبح الأراضي التي كانت تحت رعايتها غنائم من نصيب الدول المنتصرة وجل ماكان يهمها من هذا الامر هو فلسطين(آه يافلسطين كم قدم العراق لاجل عينيك من تضحيات) .
في تلك الحقبة من التاريخ كان العالم يغلي فوق بركان من المصالح سينفجر ويقسم العالم برمته حسب المصالح الدولية ولم نكن نحن الدول العربية أو العالم العربي نفقه شيئا” مما كان يحدث أو يدور حولنا على مستوى العمل السياسي الإستراتيجي بعيد المدى بل كنا مستضعفين همنا وشغلنا الشاغل الخلاص من الدولة العثمانية رغم أنها كانت تحكم بأسم الاسلام لكنها أي الدولة العثمانية وانطلاقا”من مبدء المصالح السياسية المشتركة والتوجهات السياسية العالمية وضعت يدها بيد المانيا المسيحية في مواجهة القوى الأوربية وهذه هي لعبة السياسة لمن أراد أن يدخل معترك السياسة ويمتهنها باحتراف (والإ لما أستمر حكم العثمانيين لفترة 600 عام) ففي السياسة لايوجد صديق دائم ولا يوجد عدو دائم بل هناك مصالح مشتركة فأينما توجد المصلحة تكمن سياسة الدولة دونما إعتبار لاي مبادئ أو مثاليات فلا مثاليات في السياسة لان المبادئ تتغير تبعا للمصالح إذ لاتوجد ثوابت في عالم السياسة فعدو اليوم قد يكون صديق الغد وصديق اليوم قد يكون عدو الغد وهكذا هو حال السياسة لأن الدول لاتعيش لوحدها بمنعزل عن العالم بل لابد من التداخل والتقارب مع دول العالم والمصالح قد تتقارب وقد تتقاطع مع مصالح الدول الاخرى ومن هنا لابد من إتقان العمل السياسي وإدارة الدولة باحترافية ومهنية عاليه.
وبالعودة إلى صلب موضوعنا إلى العام 1916 حيث تم عقد إتفاقية سايكس بيكو في شهر مايو والتي بموجبها تم تبادل الوثائق الدبلوماسية بين ممثل فرنسا فرانسوا جورج-پيكو وممثل بريطانيا السير مارك سايكس بأشراف مندوب روسيا القيصرية حينها وأسفرت عن تقسيم مناطق نفوذها وبسط سيطرتها على كل دولة من الدول العربية على النحو الذي عرفناه ودرسناه في كتب التاريخ وتم ذلك على حين غفلة من الشريف حسين بن علي الذي كان قد دخل بتحالف سابق مع بريطانيا للقيام بثورة عربية مسلحة ضد الحكم العثماني مقابل الحصول على إستقلال تام وتأسيس الدولة العربية الكبرى التي تضم العراق والشام الحجاز .
في تلك السنوات المشحونة بالمصالح المتصارعة واكتشاف الذهب الأسود في مناطق شبه الجزيرة العربية والعراق حيث تم عقد المؤتمرات وإبرام المعاهدات الدولية لترتيب الساحة الدولية حسب التفاهمات والتقاربات السياسية ففي الفترة مابين العام 1916 ولغاية العام 1920 كان هناك اتفاقية سايكس بيكو 1916 ،وعد بلفور 1917 ،معاهدة فرساي التي أسدلت الستار بصورة رسمية على وقائع الحرب العالمية الأولى. وتم التوقيع على المعاهدة بعد مفاوضات إستمرت 6 أشهر عام 1919، ووقّع الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الأولى من جانب، والجانب الآخر كان الجانب الألماني المهزوم في الحرب في 28 يونيو 1919 ومعاهدة سان ريمو في 25 أبريل 1920 وهو مؤتمر دولي عقده المجلس الأعلى للحلفاء فيما بعد الحرب العالمية الأولى أكد بموجبه مناطق النفوذ البريطانية والفرنسية في المشرق العربي وأكد المؤتمر على وعد بلفور بتأسيس دولة يهودية في فلسطين.
بمجمل هذه المعاهدات والمؤتمرات الدولية ما ان وضعت الحرب العالمية أوزارها حتى فرض المنتصر في الحرب شروطه على الخاسر الذي أذعن مرغما لا بطلا لبنود تلك المعاهدات وتم تقسيم الوطن العربي إلى دويلات صغيرة وتفتيتته بحيث لايبقى له حول ولا قوة في لم شمله والنهوض ومما يلاحظ على طبيعة التقسيم في تلك المرحلة إنه تقسيم إعتمد توزيع الثروات بين الدول المنتصره باعتبارها غنيمة حرب دونما إعتبار لمبدأ إنساني أو إحترام لكيان عربي قائم بذاته وله تاريخ وحضارة إمتدت لقرون في جذور الماضي بل على العكس كانت الغاية تفتيت المناطق العربية بين دول وثقافات مختلفه لتتربى وتنشأ في ظل أنظمة مختلفة على المدى البعيد ولا يضحى لها أي متنفس أو أمل في التقارب وتنشأ الأجيال العربية القادمة في ظل ثقافات وعقائد فكرية مختلفة تبعا” للدولة التي تسيطر عليهم وتحكمهم تحت مسمى سلطة الانتداب (وهذا ماحصل فعلا فترة المائة عام اللاحقة ) وفي خضم هذا التجاذبات والمصالح العالمية حصلت القوى اليهودية العالمية على وعد وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وتم العمل على هذا المخطط لحين أن أصبح ممكن التطبيق عمليا عام 1948 عند جلاء القوات البريطانية عن فلسطين .
إستمر الحال العربي الشرق أوسطي على هذا المنوال منذ العام 1948 ولغاية يومنا هذا ينادي ويتكلم ويطالب ويجتمع دونما حل أو نتيجة أو وحدة كلمة أو موقف بل العكس تحولنا الى أدوات بأيدي القوى العالمية يقتل بعضنا بعضا ونستنزف مواردنا وقدراتنا المادية والبشرية مبعثرين مهمشين على هامش التاريخ دونما تخطيط أو إدراك لما نحن مقدمون عليه وعدنا إلى عصر الجاهلية الأولى حيث يأكل القوي منا الضعيف تحت أوهام وأفكار ماأنزل الله بها من سلطان.
إنتهت مائة عام على التاريخ الذي ذكرناه آنفا” وكانت هذه الفترة الزمنية إختبار وتمحيص للدول العربية الشرق أوسطية وكأن القوى العظمى قد وضعت وخططت لتكون فترة صلاحية سريان المؤتمرات والمعاهدات التي أبرمتها لمدة مائة عام حتى تنتقل لفترة زمنية أخرى وتدخل في تحالفات ومعاهدات أخرى تمتد لفترة مائة عام جديدة ونحن نشهد في هذه السنوات الأخيرة من عمر الإتفاقيات الاولى كتابة تاريخ جديد للمنطقة برمتها لاتخطه أيدينا ولكن كما هو الحال قبل مائة عام تخطه وتخطط له المصالح السياسية الدولية وأضحى السياسيون سواء على المستوى العراقي أم العربي أدوات لتنفيذه وكأنما هم مغيبون عن المشهد السياسي الحقيقي .
إن المنطقة العربية مقبلة على سايكس بيكو جديدة ستظهر واضحة للعيان العام المقبل 2016 تفكك ماهو مفكك أصلا منذ مائة عام وهذه المرة سيكون التقسيم قد وصل الى أدنى مستوى له من الخسة والدناءة السياسية العالمية حيث التقسيم هذه المرة على المستوى الطائفي واﻹثني بمعنى سينحدر التقسيم الى أدنى مستوياته الجزئية الدقيقة للمجتمع فمن الممكن ان افراد العشيرة الواحدة سيصبحون مقسمين بين دولتين وليس هذا فقط بل سيعيش افراد العائلة الواحدة في ظل حكم دولتين مختلفتين فهناك الشيعي المتزوج من سنية وهناك السني المتزوج من شيعية وهناك العربي المتزوج من كردية والكردي المتزوج من عربية وغيرها الكثير من التداخلات الاجتماعية في مجتمعنا وهذا ماتقرع طبوله أميركا وكذلك بعض السياسيبن العراقيين وهم على شاكلتين أما أنهم ماجورين قد قبضوا الثمن مقدما وإما أنهم مغيبون ينطقون كالببغاوات ما تلحنه المصالح السياسية العالمية فمنهم من يطالب بتقسيم الحدود الجديدة بالدم وكأنه يأجج للحرب الطائفية والعرقية سلفا” ويذهب لاستجداء دول العالم الاعتراف بحقه في تقرير المصير للإستقلال ومنهم من يدعو الى التقسيم في ظل تطورات الموقف الجديد على الارض كأمر واقع مفروض وهكذا كلا يغني على ليلاه وحال العراق يأن تحت أوجاع الجهل والقهر والظلام بسبب سياسيون لايعرفون كيف يديرون ويقودون أنفسهم واعمالهم فكيف بهم يقودون العراق وكذا الحال بالنسبة للدول العربية الاخرى .
لاتتشائموا قولي هذا ولكنه حال العراق والمنطقة بأسرها تسير الى قدرها المحتوم شئنا أم أبينا بسبب جهل السياسيين الذين تسلطوا على رقاب وموارد وطموحات العراقيين او كون سياسيينا هم ادوات لتنفيذ المشروع .
إن توجه الدول الكبرى الذي ذكرناه أصبح واضحا للعيان فهل سيقف سياسيي العراق كالنعام ويطمرون روؤسهم بالرمال خوفا من الخطر أم نجدهم سيقفون على قلب رجل واحد بوجه المخططات التي تسعى لتفتيت العراق الى 3 دويلات كردية وشيعية وسنية وكذلك السؤال موجه لبقية الدول الداخلة ضمن المخطط سوريا واليمن وليبيا وحتى مصر.
أيها السياسيون إستفيقوا من نومكم وتيقضوا مما أنتم مقبلون على تحقيقه لمن رسم وخطط وترككم في طغيانكم تعمهون بجهل وفساد وسرقة وتبديد أموال العراق ،سيذكركم التاريخ وسيلعنكم اللاعنون سواء كنتم أحياء أو أموات أنتم ومن يأتي من نسلكم ولاتغرنكم أموالكم وأولادكم بل هي فتنة .
اللهم أحفظ العراق وشعبه .