المصائب لا تأتي فرادا، والأحلام معلقة على قارعة الطريق، وقد حكم عليها بالإعدام، لأنها تجاوزت حد المعقول في التأمل والتفكير بالمستقبل.
هنا العراق، بلد التراجع لا التقدم، هنا الجنوب، أنصاف البشر، وأنصاف الهوية، ومن يقدمون القرابين، والأرواح، بالجملة، ولا يملكون من هذا الوطن سوى المسمى ، والتشكيك بعراقيتهم، ومصائبهم المتراكمة.
هنا أبناءه وطاقاته الشبابية، التي يعول عليها بناء ما هدمته عنجهيات وسياسة الكهول، الا أن القدر لا يقبل مجدداً بأن يكون هناك حلًا لمسائل التعقيد المستمرة.
ذي قار، التي أعلن فيها عن نتائج الدراسة المتوسطة، وكانت لا تختلف ألماً، وحسرة، عن مجمل الأحداث العصيبة، التي تمر بها البلاد.
نسبة النجاح بلغت ٢٩٪ وهي نتيجة كارثية، ولحظة فارقة في تأريخ التعليم في المحافظة، وأعلنت عن دمار جيل كامل، ينتظر منه أن يكون أداة بناءً لا أداة هدم في المستقبل القريب.
٤٣٩ مدرسة من مدارس ذي قار ،البالغ عددها ٤٩٤، أخفقت في تجاوز نسبة النجاح ٥٠٪، وأن أكثر من ٢٥٠ مدرسة، كانت نسبة نجاحها أقل من ٢٥٪ .
المدارس الأهلية لم ينجح من مجموع طلبتها البالغ عددهم ١٠٠٠ طالب سوى ٦٠ طالباً فقط، فضلاً عن نتائج المدارس المسائية المخيبة للأمال أيضاً.
تراكمات وأسباب كانت ولا زالت مشخصة، وتواكب العملية التربوية منذ سنين، لكن دوامات الغنائم والتصادم من أجل المناصب، التي تعيشها الحكومة المحلية، جعلتها خارج أقواس الأهتمام.
قد يندهش من يطلع على هذه النسبة الكارثية، ويتسأل ماهي أسباب هذا التدهور التعليمي في ذي قار؟ وهل كانت متوقعة في ظل الأجواء التي تعيشها الدولة بشكل عام والمحافظة بشكل خاص؟
أنا شخصياً كنت أتوقع هذا الدمار للعملية التربوية لأسباب ؛
أولها ؛ أن المدارس الأهلية، قد تحولت الى مشاريع تجارية أكثر منها تعليمية، مما جعل أغلب المدرسين يعملون بنظام الـ( الشفتين)، وعدم أهتمامهم بالوضع الدراسي للطالب ، بقدر أهتمامهم بالأموال التي سوف يتقاضونها من هذه الدكاكين.
ثانيها عدم جدية وزارة التربية في تطوير كفاءة، المدرسين والمعلمين، وأشراكهم في الدورات التخصصية، والاستفادة من العطلة الصيفية، لتحسين مستوى ملاكاتها.
ثالثاً ؛ سيطرة العلاقات الحزبية، والمصلحية، على ملف المدارس الطينية التي يتجاوز عددها الـ ١٧٠ مدرسة، والتي أحيلت للأنشاء في عهد وزير التربية السابق خضير الخزاعي، وبقيت الى اليوم في أروقة النسيان وعدم الاهتمام.
رابعاً ؛ وضع الأبنية المدرسية المتهالكة، والاكتضاض داخل الصفوف والذي يصل أغلب طلابه الى ٧٠ طالب، بينما أن الصف المثالي يجب أن لا يتجاوز ٢٥ طالب، مما أثر سلباً على مستوى الطالب العلمي.
خامساً ؛ التشديد في عملية تصحيح دفاتر الطلبة، بدون الالتفات الى طبيعة الظروف، والأجواء التي يعيشها الطالب، ومستقبل العملية التربوية داخل المحافظة، وهو ما لمسناه بعد هذه النتائج الكارثية.
ناهيك عن الدور الأساسي، الذي يؤديه أولياء الأمور، في مراقبة الأبناء، بصورة مستمرة، وهو ما فقدناه في الفترات السابقة، وعدم أكتراثهم بالمستوى العلمي لأبناءهم.
لست هنا في باب مناشدة الحكومة المحلية، لأنها غارقة بمشاكلها، فكيف لها أن تقوم بحل مشاكل المؤسسات الاخرى، لكن على أصحاب الشأن في وزارة التربية، وممثلي المحافظة في مجلس النواب، أن يعملوا على أعادة هيكلة مديرية تربية ذي قار، ووضع خطة شاملة وعاجلة، لوضع حدً لهذه الانتكاسات المستمرة، وتفعيل القانون في ضبط المؤسسات الحكومية، والتعليمية، التي أصبحت كالمقاهي لا تقدم ولا تظيف اي شيئ للمسيرة التربوية.