(( القميص على حبل الغسيل يكركر ببياض النظافة ، وعلى سور المنزل ديك بنفسجي يلعق حلاوة الصباح بملعقة الشمس .وفي البعيد صافرة قطار ، ونخل يراوح في مكانه كما العسكر . امرأة تتأوه مثل وردة طالق ، فيما الرجل المشتهي يقشر البطاطس ببرود فيما جارته .تعلن عن عشقها لنشرات الأخبار ، يتجاهلها بقلمه النحيف ويفكر بحل لمعضلة جورنيكا. لحظة وقد وجد الحل ..جعل الثيران تطير إلى الجنة فيما حول بساطيل الجند إلى تهاني بنهاية الحرب ، تسمعها فننام مبكرين.
آه ما أجمل أن تنام مبكرا لتصحو نحيفا مثل برجيت باردو…))
مع مقطع من قصيدة كتبتها ذات ليلة ولا أدري أن كنت أنا أول من كتب هذه قصيدة في ليل الاهوار واهداها الى ( اندريه بريتون ) احد كهنة السريالية بعد أن سكنَ نصف رؤوس المعلمين الهوس بتلك البدعة الادبية والفنية التي اصبحت كما موضة الازياء تصبغُ الطباع والثقافة والنتاج عندما بدأت أحصيَّ معلمي مدرسة قريتنا ومدارس القرى البعيدة والقريبة في قضاء الجبايش ومن الذين تأثروا بالسريالية فكان لدي اربع معلمي رسم يتأثرون بسلفادور دالي وماكست ارنست وستة معلمين شعراء يتأثرون بأندريه بريتون وغيوم ابولينير واراغون وبير ريفردي. وهناك ثلاثة معلمين من كتاب القصة والرواية لا اعرف بمن تأثرا ولكنهما من هيئة ملابسهم كانوا من الذين تأثروا بالسريالية اضافة الى ثلاث معلمين من القراء المحترفين تأثروا ايضا بتلك الموجة التي استعادت بعض عافيتها في سبعينات القرن الماضي بالرغم من أن اخر معارضها الفنية كان عام 1947.
سجلت أسماء السرياليون من المعلمين في الاهوار بدفتر وقد سكنتني فكرة غريبة أن نجتمع سوية ونطلق على اجتماعنا هذا ( مؤتمر السرياليون في الاهوار ) في رغبة مني بجمع نتاجاتهم وقراءة تأثير المكان وقطعان الجواميس على حواسهم وجعلت شعار المؤتمر هو ( ماذا لو أهديت سلفادور دالي جاموسة )
بعضهم عد الدعوة جنونا ، وآخر اعتبرها تافهة ، والبعض لم يعلق ، ولكن اغلب الذين جَردتهم في دفتري من السرياليين قبلوا الفكرة ووافقوا على فكرة اقامة المؤتمر ، فعهدَ اليَّ اعداد مسودة التحضير للمؤتمر ومكانه حيث اخترنا كازينو على ضفاف شاطئ مدينة الجبايش ، ويتضمن الافتتاح معرضا للوحات رسمها المعلمين المتأثرين بالسريالية فيما سيقرأ المعلمون الشعراء قصائدهم السريالية ، ثم وضعنا تاريخا للمؤتمر وطبعت انا على الكاربون دعوات الى عدد من المعلمين المثقفين وقائمقام القضاء وامين المكتبة والمشرف التربوي وحتى مدير الشرطة.
وهكذا رتبنا كل شيء ، ولكن عندما وصلت الدعوة الى القائمقام ، اختلط عليه الأمر واعتقد أن المؤتمر سياسي ولم يكن يعرف عن السريالية شيئا ، فرفع التلفون على مدير أمن القضاء ، ولأن الدعوة بتوقيعي فأنه المدير كأجراء أولي ارسل مشحوفا ومفرزة أتت بي وبتوصية منه ان تكون لطيفة ولبقة في استدعائي وأخباري : أن مدير الامن يريد أن يشرب استكان شاي مع حضرتك.
وهناك حيث الدهليز المرعب والمظلم ، لم أر المدير ، بل حشروني في غرفة ضيقة مع شخصين بدشاديش ممزقة لأن المدير لم يكن موجودا اذ ذهب في مهمة مستعجلة الى الناصرية استغرقت يومين عوملت فيها بزدراء ولا أبالية واحيانا تصلني دفره حين يبدا شرطي لا نرى ملامحه واضحة بفصل ضرب لهذين المعتقلين الذين عرفت انهما رجل وزوج أبنته مُسكا بمشحوف وهم يحاولان تهريب عروسا من الاهواز الى القرنة ، ولا يعلمون لماذا اتوا بهم الى امن الجبايش.
تذكرني مدير الامن حين عاد : وقابلني بشوشا واعتذر لأنه نساني وقال من المعيب ان يبقى معلم في زنزانة بدون تهمة ، وانه سأل عن السريالية في امن المحافظة فأجابوه انه ليس حزبا سياسيا بل مجموعة مجانين مخربطين وعبثيين . وقال :ما دمتم هكذا وانا احزن واتعجب كيف يكون المعلم مخربط وعبثي ومجنون ، أذهبوا واعملوا مؤتمركم براحتكم.