أيام النظام السابق أي قبل عام 2003 وتحديدا في تسعينيات القرن الماضي كان الموظف بحاجة إلى المال لكي يعيش بطريقة تسعده وتسعد عائلته , وراتبه حينها غير كاف لهذا الغرض بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على العراق آنذاك , بحيث أصبحت سرقة المال العام مودة يمارسها الكثير من المسئولين في الدولة وأغلب الموظفين العاديين ألا ما نادر منهم ممن يخاف الله وعقابه الصارم أو الخوف من سطوة القانون الذي لا يميز بين سرقة الدينار والمليون آنذاك.
لكن بعد سقوط النظام السابق تسلق إلى بعض مفاصل الدولة القيادية مجموعة من الفاسدين السابقين ممن تربوا على السحت الحرام وفقدوا الضمير المهني , البعض من تلك المفاصل رقابي سواء كان في مجال التدقيق الداخلي أو التفتيش ومكاتبه التي أسست بعد عام 2003م من قبل الإدارة الأمريكية التي حكمت العراق بعد الغزو.
واليوم الكثير من هؤلاء الفاسدين يعيشون حالة من التضخيم والتعظيم لذاتهم لكي يمرروا فسادهم المالي والأخلاقي وينتظرون من الآخرين التمجيد والنفاق والرياء لكي يشعروا بالسعادة والاطمئنان بأنهم أقوياء وذوو مكانة مرموقة شانهم شان الشخصية النرجسية , وكأن العمل ليس له أصوله وقواعده وواجباته وحقوقه ومسؤولياته, فأصبح الفاسد لا يؤمن بالجهد الصادق والعمل الجيد والأداء المتقن.
والسؤال الذي يطرح نفسه ما الأقنعة التي يستخدمها الفاسدون والمحتالون على المال العام ؟ وخاصة أصحاب القرار في الشركات الحكومية ممن يكون عملهم استشاري أو رقابي من الذين ولدوا بطريقة غير شرعية من رحم النظام السابق وتربوا على أفكاره الشيطانية ومارسوها فعلا وقولا بعد إحساسهم بالحرية والأمن وضعف العقاب في عصر الديمقراطية العراقية الجديدة وحكومات التوافق العرقي والطائفي الحالية.
وأولى تلك الأقنعة التي يأتي بها الفاسد هو انه صاحب خبرة ومشورة في الاختصاص الذي يمارسه وانه سهل في تنفيذ القانون ومرن في تطبيق تعليمات الدولة مما يجعل المسئول الأعلى أو المدير العام معجب بشخصيته المرنة ظاهريا المزيفة داخليا لأنه أساسا متأهب لاستلاب العقول قبل الأموال .
وهناك مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية التي تجعل من الفاسد محل ترحيب من البعض كأن يكون من المندسين في بعض الأحزاب الدينية الحالية أو يكون ظل الله في الأرض بانتسابه
للدوحة الهاشمية والكل تمجده مولانا وسيدنا الغالي وهو منها براء .. هذا السلوك الديموغرافي يجعل منه مقبولا من قبل بعض الشباب من جيل الانترنت وال فيسبوك ممن يبحثون عن المال والايفادات خارج البلد فينغمسوا معه في سلوك النصب والاحتيال الداخلي وهو سلوك يقدم عليه الموظفون في الشركة للحصول مباشرة على فوائد مالية لهم أو لتسهيل فوائد مالية للآخرين يؤدون فيها دور الوسيط نظير رشوة ما . لكنهم يفتقرون إلى الصدق والأمانة ويشعرون بالإحباط والعجز والضعف عندما تواجههم بالحقائق والأدلة و لا يبالون عندما يتعرضوا للاهانات المتكررة من قبل البعض لأنهم يشعرون بلذة المنصب والصلاحيات الممنوحة لهم من قبل الدولة والخدمات المقدمة لهم من مخصصات ورواتب مرتفعة و سكن وسيارات نقل وايفادات مفتوحة داخل العراق وخارجه.
وكما قال الشاعر الألماني برشت ( ( 1956 – 1898- (( يقولون لي تناول طعامك واشرب وكن سعيدا .. ولكن كيف افعل ذلك وإنا قد خطفت طعامي من أفواه الجائعين وشرابي من شفاه الظامئين)).
إن مكافحة الفساد والفاسدين هو : رمز لتثبيت وترسيخ الأوامر الإلهية ودليل على نشاط وحيوية الجهاز الرقابي في الشركة من اجل المحافظة على المال العام وبعث القيم الفاضلة والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف الذي هو كل عمل جيد ولائق يرضاه العقل ويرضى عنه الله وقد أمر بهي الدين والعقل إما – الفساد – فهو العمل السيئ والقبيح الذي ينهى عنه العقل ويدعوا إليه الشيطان سواء على المستوى الشخصي والجزئي أو في الشؤون الاجتماعية والحكومية .
وقد مضت سنين طوال على عملنا الوظيفي ونسى البعض منا انه مسلم ومحيت الخطوط القرآنية من ذاكرته أو حرفها وفق أهوائه الدنيوية عن عمد أو أن البعض فهموها لكنهم لم يتحلوا بالجرأة والشجاعة للعمل بها .
ونعود إلى واجبات المدقق والمفتش في الشركة التي هي واجبات جسيمة وكبيرة تقع على عاتقهم أولها : إن لا يسمحوا للفاسدين وأدواتهم من التجاوز على المال العام كما يجب إن يوجهوا الآخرين نحو الأهداف السامية التي تعد أمالا وأهدافا راقية في كل مكان ومحاربة الباطل الذي هو الشيء المعارض للسنن الإلهية …. ولكن من يرعى القطيع أذا كان المدقق والمفتش فاسَدين؟؟. تلك الطامة الكبرى عندما يجتمعان في مكان عمل واحد.