23 نوفمبر، 2024 5:48 ص
Search
Close this search box.

إلى مدير عام الكوميديا العراقية المحترم

إلى مدير عام الكوميديا العراقية المحترم

تحياتي الحارة لكم ،ولبعض الممثلين  الكوميديين العراقيين،  ممن يملكون قدراً كبيراً من مواهب التفاعل الفني ،لكنهم لا يملكون وعياً متجانساً في اتجاهاتهم الفكرية  فانحازوا إلى (فن التهريج)  واعتماد نماذج الكوميديا السطحية.

لا شك أنكم يا سيادة المدير العام،  تلاحظون كل يوم ، تزايد   برامج الاسفاف والرثاثة في بعض القنوات الفضائية  تحت عنوان (الكوميديا العراقية) بحجةٍ واهيةٍ تقوم على فكرة أن هذه الكوميديا يمكن ان تنقذ الشعب العراقي من الاوضاع النفسية الصعبة ، التي يعاني منها بسبب اوضاع غريبة  انتجتها ظروف استثنائية منذ عام 2003 حتى اليوم .

يتصور بعض (الفنانين التلفزيونيين) أن البرامج  والتمثيليات والمسلسلات (الكوميدية) يمكنها، تخفيض مستوى الآثار السلبية لمشاهدي الشاشات الفضائية ومتابعي اخبار جرائم العصابات والجماعات الارهابية ،و تخليصهم  من أذى وانعكاس آثار انهار الدماء والمفخخات وما صدرته  منظمة داعش واخواتها من انواع الجرائم الوحشية .

حاول بعض الممثلين والمخرجين التلفزيونيين القيام بـ(حِراك كوميدي) من اجل إدانة  جنس الجرائم الارهابية  وفق نظرية تلفزيونية جديدة قائلة ان (الكوميديا التلفزيونية) بإمكانها طرد (تراجيديا الشارع) ونتائجها السلبية. لكن هؤلاء لم يدركوا أصل هذه النظرية التي كان الزعيم البريطاني ونستون تشرشل قد دعا اليها خلال ايام القصف الهتلري على لندن  بآلاف القنابل في الحرب العالمية الثانية. لا شك ان ونستون تشرشل انطلق من فهم عميق ووعي سيكولوجي  قدمها له مستشاروه لتأكيد حقيقة من حقائق علم النفس الاجتماعي اعتماداً على المنافسة الاجتماعية بين قوة السلوك الاجتماعي الطبيعي للـ(الفرد والجماعة) أثناء الحروب والظروف الاستثنائية .

اعتمد بعض الفنانين العراقيين  على الكوميديا الهابطة و على اسفاف الممثلين و على تطبيقات تمثيلية لا تعتني بفنونها، بل تبني نفسها على الرثاثة في النصوص والحوار والتمثيل والاخراج.  هذا النوع من الاسفاف  وقعتْ فيه بعض برامج السومرية والعراقية والشرقية وأخيراً البغدادية وغيرها من القنوات وقد  وفرت لنفسها ومشاهديها ،مع الأسف، اشكالية في القياس والتطبيق تحتاج الى مزيد من الدراسات الجادة لتخليص الملايين من مشاهدي مثل هذه البرامج التي لا تشير الى تطور الفنون التلفزيونية العراقية، بل قد تشير الى انحطاط الثقافات الفنية في هذه المرحلة.

العملية التي استندتْ اليها نظرية الاسفاف التلفزيوني لا تقوم على رثاثة النصوص الكوميدية فحسب ، بل تقوم اساساً على تشجيع الممثل الفرد  على الاسفاف ، وتقوم على تصنيف نفسه وحراكه الى نوعٍ من سياقٍ ، غايته ووسيلته اضحاك المشاهدين  بالحركة التمثيلية اعتماداً  على (سلوك تمثيلي) أو على شعور (حوار مفتعل) يصل مستواه الى ادنى اشكال (التعاكس)  في الأدوار  بتحويل ممثل معروف بوجوده  (التراجيدي) الى دورٍ كوميدي مسف، خلافاً حتى لنظرية سيجموند فرويد في اكتشافه (حالة اللاشعور)..!

ان الالتقاء بين الكوميديا والتراجيديا هو أمر حتمي يجب ان يكون واضحا في اعين المخرجين والممثلين العراقيين ،مهما كان (الشعور)  بـ(تراجيديا الشارع العراقي) الملطخ بدماء الضحايا فأن محاولة تحويلها إلى حالة (اللاشعور) من خلال برامج كوميدي تهريجي لا تتصل لا بالكوميديا (العانية) – نسبة الى يوسف العاني – ولا إلى الكوميديا الشابلنية – نسبة الى شارلي شابلن – ولا الى الكوميديا الإمامية – نسبة الى عادل امام – حتى ليست متصلة بالكوميديا الإسماعيلية – نسبة الى اسماعيل ياسين – فكل هذه الكوميديا موصولة الجذور بالأصول الكلاسيكية في الكوميديا اليونانية وبالأصول الشكسبيرية القائلة بحتمية التقاء الكوميديا والتراجيديا.

أملي منكم يا سعادة مدير الكوميديا التلفزيونية في القنوات الفضائية العراقية  أن لا تحيّروا ممثلينا العراقيين المبدعين ولا تعطلوا انتاجية قدراتهم الابداعية ولا تجوّعوا جيوبهم  لتفرضوا عليهم مهمة النزول الى مستويات كوميدية هابطة الى أدنى الدرجات.

شارلي شابلن كان يسخر من النظام الرأسمالي بمواهبه التمثيلية من دون استخدام هتافات سخيفة او حركات بهلوانية ، بل استطاع بفنه أن يجعل الناس المشاهدين يهللون له ويهتفون ويصفقون، لأنه كان قد وضع إلهامه  الكوميدي كله بعيداً عن الملهاة والتلهية المجردة، بعيداً عن  اطلاق كلام السخف وفضول الكلام او مسخ الحقيقة أو نطق الكلام بالهراء  ،بل جعل فنه  من عظائم الامور الإنسانية، المناسبة لتخليص المشاهدين من التوتر الجسدي والفكري عن طريق فنون الإض

حاك.

المطلوب منكم يا سيادة مدير الكوميديا العراقية ومن  فناني الكوميديا  الرفض التام لنصوص الاسفاف والعبث بالكلام وتشويه المعاني.  كما ينبغي تجنب التكلف بوسائل الاضحاك بضروب من التزييف الفني فهو أمر يجب ان تبتعد عنه الكوميديا الهادفة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات