قامت مجموعة من زوار الامام الاعظم ابو حنيفة بالاعتداء على منازل المواطنين الامنين في مدينة الكاظمية، اثناء توجههم لزيارة الامام الاعظم احياء لذكرى وفاته، وقام تلك المجاميع باحراق عددا من الدور والسيارات وبناية الوقف الشيعي، مع ترديد شعارات طائفية تدعو الى الثأر والانتقام.
هكذا جال خيالي بعدما حدث ليلة الاربعاء في مدينة الاعظمية وتصورت ان يكون الخبر بهذه الطريقة المعكوسة، ولا بد حينئذ من تخيل ردات الفعل والاحداث التي قد تلي هذه الفعلة.
للوهلة الاولى فان تهم الارهاب ستكون جاهزة بانتظار الجميع، والله وحده يعلم كم مسجد سيحرق، وكم جثة مجهولة ستلقى على قارعة الطريق، وكم من عمليات الدهم والاعتقال ستنفذ ليس في مكان الحدث فحسب، وستظهر الاعترافات على شاشة التلفزة، ليقول “الارهابيون” كم تقاضوا من الاموال من السعودية وقطر وتركيا ليقوموا بفعلتهم.
اما على المستوى السياسي فسنسمع ادانات لها اول وليس لها اخر ومن كل الطوائف، وستكون هناك دعوات لتدويل القضية واقامة تمثال يجسد الاعتداء، وذكرى سنوية لتكون شاهد على عظم الجريمة.
لكن كل هذا الذي ذكرناه ليس خيالا محضا, لانه حدث سابقا في حوادث مماثلة وربما اقل, فتفجير قبة الامامين العسكرين ادخلت البلاد في اتون حرب طائفية لازلنا نعيشها بعضا من اثارها الى اليوم ولا احد يرغب باعادة تلك الايام السوداء, فقد حمل مكون بعينه جريرة لا يعرف على وجه التحديد من اقترفها, وجريمة سبايكر بكل ما تحمل من شناعة, استغلت لتحقيق اهداف اخرى على حساب دماء البرئية التي سقطت فيها, فكانت هناك دعوات لثأر عشائري, وعطل البرلمان من المتظاهرين قبل ان يخصص جلسات لبحث الجريمة, بينما مرت جرائم الحويجة وجامع سارية وجامع مصعب وغيرها دون ان نسمع نتائج لجان تحقيقة او يقدم الجناة الى العدالة, والادهى ان يؤتى باناس هم من اهل الضحايا لتلصق بهم التهم ويكونوا كبش فداء.
ان ما حدث في الاعظمية يضعنا امام تساؤلات كبيرة, فهذه المدينة التي تجاور شقيقتها الكاظمية تحملت ما يقع عليها من مشقة طوال سنوات ماضية, تمثل باغلاق الطرق ووضع الكونكريتية وحظر للتجوال, يتسبب غالبا في غلاء قوت الناس اليومي خاصة في ايام الزيارة التي تزيد في كل عام من حيث اعداد الزائرين, ومن حيث الايام المخصصة, ومع ذلك لم يشتكي اهالي الاعظمية من ذلك, بل من يمر بها زائرا يشهد بكرم اهلها الذين قدموا ما يستطيعون لاخوانهم, وهل ادل على ذلك من حادثة جسر الائمة عام 2005, ولايزال بطلها عثمان العبيدي خالدا في الضمير الوطني بعد ان قدم روحه وهو ينقذ ارواح الزوار الذي تساقطوا في نهر دجلة.
ان احدا لايقول ان زوار الامام الكاظم جميعا مسؤولون عن ذلك، لكن لا شك ان مجموعة ليست بالقليلة منهم فعلت تلك الفعلة، وقد تكون مدفوعة لغايات شريرة، وتصوير هؤلاء الشرذمة لتلك الاحداث وما رافقها من عمليات حرق وعدوان، وتفاخرهم بها ثم نشرها على الملأ يشير بوضوح الى وجود نية لاشعال فتنة قد تأتي على ما تبقى من هذا البلد الجريح، من خلال النبش في التاريخ لطلب الثار من الجهة الخطأ، ثم اليس الامام الاعظم الذي سميت الاعظمية تيمنا به، قد مات مظلوما هو الاخر في السجن؟! والاعظميون اليوم لا يطلبون ثارا من أحد، ولا يريدون سوى العيش بسلام.
ليس جديدا ان نذكر بان العراق يمر بفترة حرجة جدا، وان محاولة البعض صب الزيت على النار او النفخ في رماد الطائفية يجب ان يواجه بحزم، وان يضرب بيد من حديد، وإذا كانت الدولة العراقية قد فقدت الشوكة، وصارت عاجزة عن الحفاظ على امن مواطنيها وحفظ هيبتها، فعليها ان تكون عادلة في عجزها امام الجميع، ولاتكيل بمكيالين، وان تقطع السنة بعض وسائل الاعلام التي هونت من الجريمة وجعلت الضحايا هم الجناة في ان واحد، في تجاوز لكل حدود المهنية والخلق والعقل السوي.
ان ظروف المرحلة الراهنة تحتم اتخاذ التدابير اللازمة لايقاف نزيف الدماء, واطفاء الفتن, فهي اولى من اي شئ اخر مهما حظي بقدسية, واذا كانت الشعير الدينية قد تستغل من البعض لاهداف بعيدة عن حقيقتها, فعلى الحكومة ان يكون لها موقفها من ذلك, باعادة النظر في الكيفية التي تؤدى بها تلك الشعيرة, ولها من الدين سند, فحرمة دم المسلم اشد من حرمة الكعبة, والحفاظ على ارواح الناس سواء كانو زوار او غيرهم اولى واجل من فعل الامور الواجبة فضلا عن المستحبة, والفتنة نائمة ملعون من ايقظها, ورحم الله من قطع دابرها وسد الطريق على بغاتها.