العرب في عيونُ زرقاء !!!

العرب في عيونُ زرقاء !!!

سببت نشوة الانتصار الغربي على الامم الاخرى في عصر المستعمرات، انتهاج اليات استعلائية في تعاملها مع ثقافات الامم المهزومة، وغرست في اعماق العقل الغربي نظره دونيه لثقافاتهم، بحيث انعكست هذه الاليات على اغلب الدراسات التي تناولت تاريخ الشعوب غير الأوربية. لم يكتفي العقل الغربي في تسفيه تراث هذه الامم خاصة في اسيا وافريقيا بل أدعى انها لا تملك من قوة الثقافة ما يجعل الباحث يرسم لها هويه محدده في التاريخ. لينحاز بشكل كبير الى اعتبار اوربا هي فقط من تحتشد الثقافة في انساغ تاريخها لِيوِّلد هويه تاريخيه، وان الامم التي عاشت في افريقيا واسيا لم تصنع هويه ثقافيه محدده لها, كما فعلت اوربا على طول التاريخ. وعلى هذ الاساس تم تسويق ثقافة الدونية أكاديميا ليتم احلال ثقافه بديله متحضرة, ناضجه , وهي ثقافة الغرب…
يصف بعض الانفعاليين من الكتاب العرب ان الغزو الثقافي الذي يمارسه الغرب تجاهنا يشبه في مدياته القصدية بالحركة الشعوبية التي ظهرت في العصر الذهبي للثقافة الإسلامية على حد قول شريعتي , ويشبه التبشير الاول للمسيحية في اوربا كما يقول برنارد لويس, فتجلت نتائج الغزو الغربي بحجم الانكشاف الذي تعانيه الثقافة العربية امام التسويق الذكي لأنماط السلوك التي ترافق التكنلوجيا ووسائل الانتاج وبعجز المؤسسات التربوية عن ادارة جموح وانجذاب الشباب نحو سحر الحضارة الغربية , وعن تكوين نموذج مقبول للشخصية العربية المعاصرة يحتذى بها.
.
لازالت قضايا وشؤون المسلمين في اوربا كالمآذن, والحجاب و الثقافة الإسلامية, واندماج المسلمين في المجتمع تشغل الرأي العام الاوربي, حيث يتم معالجتها إعلاميا لا من خلال النظرة الواقعية, بل تستند على الحكم التاريخي للعقل الغربي على العرب والمسلمين, حيث تصف جوسلين سيزاري مديرة برنامج الاسلام في الغرب في جامعة هارفرد, الدين الاسلامي بأنه “دين يتسم بالغرابة “, ورددت بكتاباتها كثيرا” من مقولات سلمان رشدي, وارنست رينان المستشرق المعروف, رغم المفارقة الغريبة التي وقع فيها الغرب من حيث اعتمادهم على الرؤية السلفية للإسلام في تحليل العقل العربي, حيث بدت ثنائية الحجاب- البكيني, الديمقراطية- الشريعة الإسلامية وغيرها تحمل عقد حقيقيه في النظرة الأوربية للمسلمين حتى على المستويات العليا , حيث  كتب ألفريد تشريمان مستشار رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر في 1993 أن أوربا المسيحية تتعرض لتهديد إسلامي ويجب وضع حد لذلك. الاحزاب اليمينية في هولندا والمانيا وبريطانيا حذت نفس المنحى في تسويق الاسلام فوبيا…..
كان للنسخة المترجمة من كتاب الف ليلة وليله الى اللغات الأوربية الدور الاساس في رسم صورة العربي او المسلم في عيون الغرب, فاكاديميا” الثقافة العربية, ثقافه ضعيفة لا تعتمد الاسس التجريبية في أثبات حواريتها, والعقل العربي عقل  غيبي يعتمد التنجيم  و اللاعلميه, ويفتقر للمنطق الجدلي , وشعبيا فالعرب ليسوا سوى خرافات وشعوذه ولصوص ( علي بابا) ,وحفنه من الطغاة وعشاق الليل (الليالي العربية) !!.
يقول (غوته) ان ممتلكات العربي هي (الخيمة, العمامة والسيف لا غير) ,, ويضيف اليها( جيمس ميو) ملكيه اخرى وهي (الحكاية ), بينما يخالفهم المستشرق الامريكي الكبير ( إمرسون ) فيقول بان حضارة العرب ليست سوى ( الدين والشعر ), بل هناك من يتمادا كثيرا” ويصف الحضارة الإسلامية ب ( جنستان ) اي البلاد التي تسكنها الجن والعفاريت, وهو اختزال ظالم جدا” لحضارة مهما قيل بحقها من اوصاف الازدراء الا انها على الاقل كانت امينه في نقل اعظم تراث للبشرية. وظلت هذه النظرة الظالمة لقرون ترتسم في مؤلفات المستشرقين والرحالة ,وربما لازالت بنفس الاعتبار القديم الى الان. حتى الشعر والادب والذي اعترف الغرب بمهارتنا فيه, ظل يُنتقص منه ويظهروا عيوبا فيه , بعضها حقيقي وبعضها ملفق, حيث تقول المدارس الأدبية الغربية ان الشعر العربي يميل للمديح والهجاء المفرط, وتقليدي جامد لا يتطور, وأنه لازال في صراع بين الجديد والقديم, وغير قادر على معاجلة مشاكل العصر… الخ.
لم ينصف الحضارة العربية الإسلامية الكثير من الباحثين والمؤلفين في تاريخ الحضارات, وكان أرثر هاملتون ,وواشنطن ايفرنج, وستيفجيسكا التي درست الاسلام في الازهر,بارتلمي سانت هيلر , و جورج برنارد شو الذي يقول( ان الاسلام هو الدين اللذي نجد فيه كل حسنات الاديان), والشاعر الفرنسي لإمارتين الذي يقول ( ان الاسلام هو الدين الوحيد الذي يفي بمطالب البدن والروح ), غوستاف لوبون , وحتى انطوني كوين الممثل المشهور, وغيرهم ,ولكنهم لا يمثلون بمجموعهم تيارات منافسه للتيار الاخر الذي يرى في النتاج الحضاري الاسلامي والعربي مجرد تهديد وعقيده دمويه تهدد الاستقرار العالمي.
النظرة الواقعية المحايدة قد تجد مبررا” لكل ما يشعر به الغربي المتحضر المتنعم تجاه الاسلام , لان الاسلام سواء” فكرا” او عقيده او فلسفه لم يتم طرحه بشكل ينافس الدين السلفي الشائع لديهم والذي يهدد بقطع رؤوس المخالفين واقصاء فكر الاخر, ونفي وجوده كذات وحضارة, الفشل التسويقي للإسلام الحقيقي سواء في المنطقة العربية او الغرب يجبر حتى المتعاطفين على النأي بأنفسهم من الدفاع باستماته عن الطابع الروحي العظيم للإسلام, ليس حيادا” بين الاسلام وغيره, بل انتظارا” لانبعاث الامه الحقيقي, لان حروب العصابات الفكرية بتنشيط بؤر غير متصلة بجهد منظم لا تنتج الا ارباكا وخساره في الحياد العلمي  تضاف الى خسارات الدماء والشرف العربي الذي كل يوم نراه يداس بهمجية الغطرسة وفقد ان نبل الفرسان واخلاق الاسلام..

أحدث المقالات

أحدث المقالات