يبدو ان وقوع ايران على اطراف جبال طوروس واختلال توازنها على هضبات جبال زاكروس القاسية جعل من علاقتها مع جارتها الغربية العراق مثل بندول الساعة، فما إن يغرب عهد فيه ايران خسرت العراق الا ويشرق عهد اخر تجدها متربصة تنتظر الظهيرة لتقضمه مرة ” اخرى، فتاريخ الحروب والعداء بينهما يتربع على قائمة اطول الصراعات الشرقية في التاريخ، رغم ذلك فطعم (اشولي فلامكر ) و( باذنجان قاسمي ) و(جوهي كباب) في فم من يمم الى ( الرضا ) من العراقيين يختزل تفاهة الحدود التي رسمتها اتفاقية ارض روم الاولى والثانية في عام 1928. وان الدماء التي سالت ما كان لها ان تسيل لولا ظهور مجانين مثل اسماعيل الصفوي و (قورش ) وصدام حسين وسليمان القانوني وغيرهم .
رغم تغير الوان العمامة الصفوية بالطربوش القاجاري ثم العمامة السوداء، لازال العقل الذي يسكنها يحلم بان يكون سيد الحرير وان تكون القناة الجافه بين البصرة وأروبا طريق الكاشان الجديد ربما يستشعر حلم العوده لكسرى انو شروان او محمود شاه, او حتى لوصيف في المُلك القديم. فحلم روما ان تبتلع الرافدين تحقق !! بأسكندرها الجديد( الاسمر), والقرون السبعة لم توقف عطش الساسانيين للعودة مرة” اخرى لبغداد حتى ولو كانو ا فرادا باسم المصير المشترك, فقاسم سليماني يرقص بالدشداش العراقي مترنحا في سكرة القضم والاقتدار, منتظرا” حجة ابليس.
تقع الهضبة الإيرانية بين القوقاز ونهر السند ويقال بأن( ایران بُزُرگ )ايران الكبرى تمتد حتى اطراف العراق من جهة الجزيرة, ولكن الدولة الإيرانية الحديثة ( الصفوية) لم يكن العراق ضمن امتداداتها الجغرافية, حيث خسرته في حربها مع الدولة العثمانية في سنة 1533م مثلما خسرت أفغانستان للبريطانيين 1857م.
ما كان ليكون لهذه الهضبة القاحلة في معظم مساحتها هذه الأهمية الا بعد ان ولد فيها زرادشت و( الابستاغ ) وعُبدت فيها النار والاهورا مزدا ,و بعد ان تضمخت بدماء( ماني ) وثنائية النور والظلمة, فكانت فارس والهة النور في مملكة النور وعقيدتها الغنوصية التي سبقت الاديان في الخلاص والرضى السماوي .
بعد ان حلت فيهم حيوية الإسلام خرج ابن سينا ليعلن وهو في عمر الرابعه والعشرين ,( ان ليس في الدنيا علم لا اعلمه ),والذي جعل هنري كوربان في عام 1964 ينزع رزانة اعرق تقاليد اوربا في انكار حضارة الشرق ,ويعترف ب ( حكمة الاشراق) بأن الشمس لن تشرق الا من ارض النور. حتى عقل افلاطون الأول ما هو الا فيض ( الكشف ) عند السهر وردي. وان الاستدلال المنطقي للمشائين لا جدوى من بلوغ اليقين فيه عند صدر المتألهين بل يجب ان تكون حكمة ارسطو المشرقية نابعة من القران.
لم يكن لإيران ان تحيا بفخر قدر حياتها مع صفاء جلال الدين الرومي وحضنه الكبير لليهود والمسيحيين وكل الديانات الأخرى، ولم تنطفأ سماء النور من نجوم ولدت ولازالت تتوالد وتبهر العالم بعظمه هذه الامه , فلا زالت حكمة علي شريعتي تناجي صلابة الولي الفقيه, وان برجوازية العمامة لا تزيد حدسية الانسان بعدالة الإسلام، وان تحويل الإسلام من ثقافه الى أيديولوجيا سيسطح العمق الروحي لأعظم عقيدة انسانيه.
مارست إيران النفاق وهي ترى غريمها اللدود يهرسه بسطال الشيطان الأكبر عام 1991، فعملت بكل مكر في احداث ثغرات امنيه في الجدار الحديدي للنظام البعثي بعد حرب الثمانية سنوات، بل الأكثر من ذلك استعدت الاكراد ومولت الانفصال في شمال العراق، وفي نفس الوقت قامت دون عابئة بمصير الالاف من الشيعة بتوريطهم في انتفاضه لم يكتب لها النجاح رغم صدقية الانتفاضة وموجباتها، حيث تركت العراقيين يُذبحون في النجف وكربلاء بعد ان سلحتهم بأدوات الحراثة ورحلات الصيد.
وما إن رجع الامريكان بخدعة السلاح في 2003 حتى اظهر الإيرانيون للأمريكان تجاوب استثنائي في ضرب الأهداف المدنية في العمق العراقي , بل الأكثر من ذلك قيامها بخطه جهنمية في تجميع حثالة الأرض وتدريبها في سوريا وزجها في العراق تعيث فسادا في تفجير رياض الأطفال والمقاهي بحجة توريط الأمريكان بفيتنام جديده فكان اغبياء صحراء الرمادي يلبسون العمامة الإيرانية ممهورة بشعار القاعدة, وأستمرت اللعبة الإيرانية حتى خرجت الأمور عن السيطرة فلم يعد الوحش الذي صنعته ايران وسوريا يتقيد بصفارة مدرب الكلاب الإيراني، بل هرب هذا الوحش الى كهف اكثر جزاله وثراء فجلس في حضن ابن سعود وقطر ليتحول الى كارثة كونيه عجزت الدول كبرى بكل قوتها وجبروتها عن ازالته.
العلاقة بين العراق وايران مثل أي علاقه بين دولتين في منطقه ساخنه يحكمها التعاون الاستراتيجي وتبادل المصالح والصراع، ولكن البعد الأيديولوجي للثورة الإيرانية يبقى عاملا” حاسما” يرسم طبيعة هذه العلاقة، فمرةً تمارس ايران لعبتها البرغماتية المفضلة وتحول العراق الى مجرد قاسم مشترك قابل للحرق في اية لحظه كما فعلت في 1991و كما تفعل الان مع اليمن, ومرة تستخدم العراق كممر امن لتصدير الثوره. لذلك يجب ان تعي ايران ان لغة المصالح لابد ان يشوبها بعض ما تحمل ثورتها المعلنة لنشر الإسلام المعتدل، فالسياسة الإيرانية يجب ان تجعل العراق يفخر ببناء علاقته معها , وان لا تمارس العاب الغدر والكيل بمكيالين. أن العراق مهما تبعثرت أوراق نهوضه, لابد ان يأتي اليوم الذي يشعر فيه العراقيين بان الاخر عندما يبتسم في وجوههم لا يعني ذلك حبا بهم دائما”, بل قد يكون شماته وعلى الأكثر تكون سخريه من حالة الانفصام عن الذات. فالعراقيين ملو الحروب بالوكالة، ويحلمون الان باستقرار سياسي و بنيه تحتيه سليمه ونوادي شبابيه وحياة فيها عافيه, وشعب يغني ويطرب وسَيَعِدكم بانه سيستقبل كوكوش في بغداد على بساط احمر..
Hakem Ajel Jabbar