من منا لا يعلم ببطش البعثيين وظلمهم؟, وقد ذاق مأساتهم أغلب الشعب, وهم يستخدمون أقسى عذاباتهم, ليعبثوا في مقدرات الأمة, ويستبيحوا حرماتها, إلا إن مشيئته تعالى؛ قضت على كل براثنهم, وألحقت بهم الهزيمة والعار, إلى أن أصبحوا يلوذوا فرارا, بمجرد تداول الحديث عن البعث وأزلامه.
دعوني أقص لكم قصة, من مدينتنا, التي اضطهدت هي كأخواتها من هؤلاء الشرذمة المارقين, فلا ينسى أهالي الشطرة, الشهيد السعيد خضر فرج خفي الجابري, الذي عرفه الشطريون؛ بنخوته وعلمه وزهده, كان يستقر عنده أبناء المدينة ليحتكموا إليه, بكل صغيرة وكبيرة, عمل معلما في مدرسة الشطرة الابتدائية, ليكون عنوانا لرفاقه وأقرانه, في الوفاء والنصيحة والأخلاق.
بتاريخ 29/7/1979, وبليلها الدامس والملطخ بهيمنة البعث وتسلطه, تسلل أزلام الأمن الصدامي, إلى دار الشهيد, لما رأوه فيه من مصلح ومعلم للكبار قبل الصغار, ومعرفتهم بتدينه ورفضه لسياستهم الظالمة لأبناء المدينة لاسيما أبناء الوطن, فبعد مشادة كلامية لإرغامه على الاعتقال, توعدهم بالقصاص, فاستل سلاحه المعروف بالمنشار الحديدي, ونادي عاليا الله اكبر, ليشعل فتيل معركته بين الحق والباطل.
تبارز مع ضابط القوة الذي تخوف من قتله في داره, لألا تثار ضجة بعد القتل, فبعد صراع قصت أصابع الضابط بالمنشار, ليفروا من معه هاربين من بطل استلهم قوته من إيمانه وصبره وعزيمته, لتكون حادثة تتناقل بين الأوساط الشطرية آنذاك, فأخذ ينش عليهم في شارع المدينة المؤدي إلى الفرقة الحزبية هناك, فشاركه ابن عمه (الجد الثاني) ليطاردوا العفالقة المهزومين, ويلحقوا بهم العار, فكان ابن العم مرة يهاجم, ومرة ينصح الشهيد بترك أزلام السلطة, لأنهم سيلحقوا الأذى بعوائلهم وأهليهم.
رجعا إلى أهلهم للوداع, وهم يستعدوا للرحيل إلى أقاربنا في قرية نائية, فبتلك الليلة المشؤومة حاصر البعثيون وبعد إسنادهم بقوة أخرى, بيت الشهيد وذويه, متخوفين من انه يملك جيشا عرمرما معارضا للسلطة الجائرة.
اعتقلوا النساء والأطفال, وأخذوهم رهينة حتى يسلموا ابنهم المعارض إلى السلطة, فأبت عزيمته وغيرته, إلا إن يستسلم لإنقاذ أهله وعياله من أذى المجرمين, ليدخل سجون البعث ويكون مرشدا ومعلما, وهو في طمر السجون الحالكة, فعذب ما عذب حتى صدر بحقه حكم الإعدام, لينفذ في أواخر عام 1985, ويسلم إلى مدينته شهيدا سعيدا مجاهدا, معاديا لسلطة القتل والدمار والتشريد.
هؤلاء هم شهدائنا, وهؤلاء نحن أبناء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام), لا نكل ولا نمل من مقارعة الظلم والظالمين, ولنا في الحسين أسوة حسنة. فالسلام عليك يا جداه لأنك خلفت لنا إرثا نباهي به الأجيال.