نصت المادة 119 من الدستور على حق مواطني المحافظات بالمطالبة بان تكون ادارة محافظاتهم بمستوى اقليم اي حكم محلي ، وهذا الحق حصري اي لادور للحكومة ولاللبرلمان فيه ، واصحاب الحق هم اصحاب القرار فيه من حيث كيف او متى ، واي اجتهاد من قبل كتلة او كيان او شخصيات سياسية او دينية ، لابداء راي مخالف او سلبي تجاه هذا المطلب ، غير جائز لا دستوريا ولاشرعيا ولااخلاقيا … لانه في باطنه تجاوز على حقوق ممنوحة بموجب الدستور .
البصريون سحقتهم حكومة الدكتاتور وهمشتهم حكومات مابعد التغيير ، بلا اي اعتبار كون البصرة فم العراق وفينيسيا الشرق وتاج الخليج ،حرموا من ثروات محافظتهم الهائلة ” النفط جزء منها فقط ” ، وهي اغنى مدن العالم ، وكما قيل في كتاب عيون الاخبار ” البصرة بلد الجائع والفقير والمسكين ” ،صودرت ثقافتهم وحضارتهم فلا كلام عن المعتزلة الذين غيروا العالم ولا عن اي علم من تراثهم وهم اول من نقط الحروف العربية ، وغيب مجتمعهم المدني ففي البصرة وحدها ايام خمسينيات القرن الماضي كان يوجد فيها 13 دار عرض سينما ، والبصريون لازالوا يتذكرون ” البورت كلاب ” وبات الحل الوحيد امامهم لاستعادة ماسلب منهم ، هو المطالبة بالحكم المحلي اي الاقليم .
ظهرت حركات المطالبة بالاقليم ،من مجموعات شبيعة غالبيتهم من الشباب ، تحولت فيما بعد الى روابط وتنسيقيات ، واصبحت هناك ضرورة لتنسق هذه الروابط والتنسيقيات فيما بينها على الاقل على المستوى الشخصي ،تعمق هذا الاتجاه ، وبات قاب قوسين وادنى ، ولكن وآه من هذه اللكن ،دخل الملوك واقصد السياسيين ، لاتعرف دوافعهم ، هل هي شخصية ام هم جادين فيها ، ونحن على علم اليوم بان سياسينا ينطبق عليهم ما وصفهم مارك توين ” اي كالحفاظات ” … فاستمالوا بعض هذه الروابط والتنسيقيات بوسائل لاتخفى على المواطن البصري ، فيما القسم الاخر من هذه الروابط والتنسيقيات وهو الاكبر ، رفضوا ان تفرض عليهم هيمنة او وصاية ، فشكلوا جبهة اخرى ، فكان الشرخ الاول لمشروع اقليم البصرة ،عمق مسالة التوقيت لتقديم الطلب هذا الشرخ ليصبح فجوة ، من تداعياتها شن حملات اعلامية وتسقيطية على بعضهم البعض وصلت الى حد التهجم الشخصي بعبارات وبادعاءات مرفوضة .
الصدمة الاولى وكانت متوقعة رفض مفوضية الانتخابات ، الطلب المقدم ، بحجة عدم استيفائه الشرو ط المطلوبة ، مع التلويح ، بانه حتى لو قدم وفق الشروط المطلوبة فان الحكومة لن تستيطيع بعجز الميزانية من توفير المال اللازم لعملية الاستفتاء بمراحلها المتتالية ، اي 10% ثم 50% +1 ، ومن شان مثل هذه العقبات تثبيط همم الشباب الذين سعوا في الاشهر الماضية بنشاط مستمر لجمع تواقيع الراغبين بالاستفتاء على الاقليم .
من وجهة نظري ومن خلال معرفتي ، بكيفية وضع المشاريع والتخطيط لها لتكون مشاريع ناجحة ، خاصة اذا كان هدف المشروع او الغاية منه واضحة ، فان هناك ثلاث محددات رئيسية لنجاح اي مشروع ، المال ، الوقت ، المجال ، ثم يخطط على وفق الموارد المطلوبه ، الموارد البشرية ، الموارد المالية ، الموارد المعلوماتية ، الموارد المادية ، وبعد هذا كله تدرس المخاطر بعناية فائقة وتوضع البدائل ، ماذكر هي الف باء التخطيط للمشروع الناجح ، وهذا ليس اجتهادا شخصيا من بل هذا في علم ادارة المشاريع .
فمخاطر اقليم البصرة كبيرة ، فهناك الكتل السياسية المهيمنة على السلطة ستقف وحتما بالضد منه ، لانه وببساطة يشكل تهديدا لمصالحها الحزبية والفئوية والمحاصصاتية ،وهناك الحكومة التي ستنتزع منها حصة عدد السكان من الميزانية ،وهناك البرلمان ونوابه ، والخوف من نجاح تجربة الاقاليم ، لانها ستفرز وجوه سياسية وبرلمانية جديدة تمثل بالدرجة الاولى مصالح اقليمها وليس كتلها السياسية … وهناك جهات دينية قد يضعف امتداها اذا تحقق الاقليم ، بل وحتى جهات سياسية تدعي المدنية والديمقراطية … لكنها تقف موقفا متناقضا من الاقليم بسبب اتجاهها الشمولي …
وصلنا الى نقطة الحسم ، لن يكتب لمشروع اقليم البصرة النجاح ، مالم يخطط له بعلمية … وبداية التخطيط توحيد كل اصحاب المصلحه في الاقليم واقصد البصريين ، ثم تاسيس كيان سياسي ، يضم كافة الفرقاء مع احتفاظ كلا منهم
بخصوصيته ، واخيرا الحد من الوصاية والهيمنة على مشروع الاقليم ، بفرض زعامات او شخصيات ، تطمح لتكون زعامتها مدى الحياة ومن ثم توريثها لابناءها واحفادها مقتدية باقليم كردستان .