لتحقيق هدف ما، عليك إن تستخدم وسائل وخطط إستراتيجية متعددة تجبر الطرف الأخر على تنفيذ أهدافك باعتبارها أهدافا له، فثمة ضرورة في البداية إلى أن نتذكر “ماهية الخطة الإستراتيجية”، والخطة الإستراتيجية ليست مجرد خطة مكتوبة على الأوراق للاسترشاد بها، بل هي تشمل استخدام كل الأساليب والإمكانيات لتحقيق أهدافها، بل ولإضعاف كل أوراق وإمكانيات الخصم الذي يمثل تحديا لإنجازها، وفى كثير من الأحوال، هي عند نجاحها الأقصى تكون قادرة على دفع الخصم إلى تنفيذ أهدافها التي وضعت من قبل، وبيديه، والأصل في نجاح الإستراتيجية للطرف الأقوى هو أنها ترسم أسس الصراع وتجبر الخصم على أن يخوض الصراع من داخل الأهداف الإستراتيجية وكمدافع في مواجهتها، لا كمهاجم وصاحب خطة إستراتيجية أخرى مقابلة، وفى ذلك تأتى فكرة “جعل الخصم منفذا للخطة”، وبقدر ما تنجح الخطة الإستراتيجية للمهاجم في دفع الخصم لخوض الصراع على الأسس التي وضعها المهاجم وفى إجباره على خوض حالة دفاعية ضد الأهداف التي تقدم بها، بقدر ما هي تجعل الخصم في بعض المراحل منفذا لبعض أهدافها.
ولذلك تفرض الخطة الإستراتيجية ستارا من التعتيم على بعض أهدافها، كما تكشف بعض الستر عن أهداف أخرى، لجعل الخصم يتوجه لها بكل طاقاته فيفقد جانبا رئيسيا منها كما هو الحال في الطعن في الهواء لاصطياد طائر، أو كإطلاق الرصاص في الماء لاصطياد سمكة، بينما هي تعمل باليات أخرى على أهدافها المخفية، لذلك من اجل تحقيق هدف إقامة الإقليم السني في العراق، فقد وضعت أمريكا عدة وسائل لتحقيق هدف تقسيم العراق منذ احتلاله عام 2003، حتى إن معارضة السياسيين السنة للفدرالية وإقامة الأقاليم في الدستور العراقي عام 2005، كانت مقصودة ومدعومة من قبل أمريكا حتى تجعل الطرف الأخر وهم الشيعة والكرد يتمسكون بها بقوة، خوفا من عودة الدكتاتورية حسب قولهم، ومن ثم أصبحت مادة الأقاليم طعما وفخا للشيعة فيما بعد، وأصبحوا هم من يرفضون تطبيق ما دعوا إليه وتمسكوا به بقوة، وكتابته في الدستور، وأصبح الطرف الرافض وهم السنة يطالبون به بقوة، ويتمردون عسكريا من اجل تحقيقه، وما ساحات الاعتصام في الرمادي والموصل، واحتلال داعش للموصل وأجزاء من صلاح الدين وكركوك والانبار الا مثالا على قولنا هذا.
لقد توقفت بصورة مفاجئة العمليات العسكرية في مناطق تكريت والسبب المعلن هو انتظار قوات مساندة، وتجهيزات عسكرية واكتمال الاستعدادات الأخرى، وهو ليس بصحيح على الإطلاق لان القوات العسكرية والحشد الشعبي ومتطوعي العشائر مكتملة وكافية للهجوم، والتجهيزات العسكرية من العتاد والآليات متوفرة أيضا، وقد صرح قادة الجيش والحشد الشعبي في أكثر من مناسبة بان قواتهم على أهبة الاستعداد وبكامل قوتها وبانتظار الأوامر لاقتحام تكريت، ولكن السبب الحقيقي يختلف عن السبب المعلن، هو تدخل أمريكي بطلب تركي وخليجي وعربي بناءا على طلب بعض الأطراف السنية في الحكومة العراقية لإيقاف العمليات العسكرية وعدم التقدم أكثر في تكريت أو إي منطقة أخرى.
فقد تعالت الأصوات المنادية بإيقاف الهجوم على تكريت، إضافة إلى اتهام قوات الحشد الشعبي بشتى التهم، من تفجير المنازل لبعض العشائر في صلاح الدين، والإعدامات الميدانية التي اعتبرت إبادة للسنة، والمطالبة بإيقاف المساعدات الإيرانية للعراق وطرد المستشارين العسكريين، واعتبار هذا الأمر بداية للتوسع الإيراني في العراق، وقيام الأزهر بإصدار بيان يعتبر فيه تحرير تكريت من قبل قوات الحشد الشعبي والجيش بمثابة استهداف وإبادة لأهل السنة وهذا يعني إن داعش سنية الانتماء والمذهب وان أهالي تكريت كانوا راضين بوجودهم، إعلان السعودية بان تكريت تمثل رمزا لأهل السنة ومن غير المسموح لقوات الحشد الشعبي الشيعية (حسب قولها) بالدخول إليها أو إلى إي مدينة سنية، وتعرض قوات الحشد الشعبي والجيش لنيران صديقة بصورة غير مقصودة (ولكنها مقصودة) واستشهاد عدد منهم وجرح آخرين وبنفس الوقت ارتكاب خطأ للتحالف بإنزال مساعدات عسكرية لقوات داعش واعتباره غير مقصود كذلك.
هجمة سياسية من بعض النواب العراقيين السنة على قوات الحشد الشعبي وقيام بعضهم باعتبارها قوات احتلال ومخاطبة أمريكا لتزويد العشائر بالسلاح الثقيل، ففي الوقت الذي يدعون فيه الحكومة الاتحادية إلى دعم أبناء الأنبار والموصل وتعزيز القوات العسكرية لتحرير المناطق من داعش، ثم تظهر نفس الأصوات وتطالب بسحب قوات الحشد الشعبي، وإنها قوات طائفية تستهدف المكون السني، حتى إن تصريح مسرور برزاني احد ضباط الاستخبارات في الإقليم بان قوات الحشد الشعبي تثير الطائفية في العراق تصب في هذا الاتجاه، لذلك إن الساسة السنة والأكراد يدفعون الحكومة العراقية لتحقيق أهدافهم، ومنها إظهار ضعفها إمام الرأي العام العراقي وإنها غير قادرة على تحرير الأراضي وان طلبهم لجلب قوات عسكرية أجنبية له ما يبرره، كذلك إثارة النفور والعزوف عن المواجه في نفوس الجيش وقوات الحشد الشعبي، على اعتبار إن تضحياتهم تذهب سودا، وان ما يقومون به يفسر على انه استهداف لباقي مكونات العراق، وليس دعما لهم، لذلك من خلال هذه المعادلة تحقق أمريكا ومن ورائها تركيا ودول الخليج العربية أهدافهم بإقامة الإقليم السني في العراق، ولكل دولة من هذه الدول عدة أهداف تريد تحققها من خلال هذا الإقليم.
من هنا تبدأ حقيقة أهمية إقامة الإقليم السني في غرب العراق، فكل دولة من الدول التي اشرنا إليها أعلاه لها مصلحة في إقامة الإقليم السني في العراق، الولايات المتحدة ومنذ احتلال العراق عام 2003، كان هدفها هو تقسيم العراق إلى ثلاث أقاليم، أو دويلات متناحرة، وهذه رغبة إسرائيلية في المقام الأول، لما يمثله العراق الموحد الديمقراطي من خطر على وجود الكيان الغاصب، كذلك هدف أمريكا الأخر هو قطع سلسلة التحالف الشيعي والمدعوم إيرانيا، الممتدة من أفغانستان مرورا بإيران والعراق وسوريا ولبنان، وذلك لإسقاط محور المقاومة ضد النفوذ الأمريكي الصهيوني، وحماية لكيان الاحتلال الإسرائيلي، لان إقامة إقليم غرب العراق سوف يقطع الإمداد البري من إيران إلى سوريا عبر العراق – لان الإمدادات الجوية والبحرية يمكن كشفها والتحكم بها بسهولة-، وهو ما يسهل من إضعاف النظام السوري الذي سوف يصبح مطوقا من ثلاث جهات وهي تركيا من الشمال والإقليم السني شرقا والأردن وإسرائيل جنوبا، ومن ثم إسقاطه وتفتيت سوريا إلى كانتونات طائفية، أو صوملة سوريا، لتحقيق الأهداف المرسومة لها، لان الاحتلال المباشر هو عمل مرفوض عالميا ومستهجن، وهو مكلف اقتصاديا أيضا، لذلك يلجأ إلى إثارة النزاعات القومية والطائفية وتمزيق الدول إلى دويلات وكانتونات طائفية، ومن ثم السيطرة عليها، واستغلالها لتحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية، بدون إن تكون هناك تكلفة مباشرة عليهم.
ذلك إن تكوين الإقليم السني سيكون ممرا سهلا وأمنا لتصدير النفط والغاز الخليجي عبر تركيا إلى أوربا ودول العالم الأخرى، لسهولة أرضه الصحراوية في مد الأنابيب النفط والغاز، وقربها من مصادر التسويق العالمية عبر تركيا، وبهذا تحقق الولايات المتحدة أهدافها الرامية إلى ضرب الاقتصاد الروسي والإيراني، من خلال إمداد أوربا بالغاز القطري بالأنابيب عبر العراق إلى تركيا، لان تصدير الغاز القطري عبر الناقلات إلى أوربا والعالم مكلف اقتصاديا من جهة، وبطء وصوله إلى المستهلكين من جهة أخرى، إضافة إلى مخاطر توفقه عند حدوث أي أزمة في الخليج العربي، لذلك إن تصدير الغاز القطري والخليجي عبر الأنابيب سوف يعوض الاعتماد على الغاز الروسي، وبالتالي يوجه ضربة قاضية للاقتصاد الروسي، الذي يعتمد بشكل أساسي على النفط والغاز وخاصة المصدر إلى أوربا، كذلك يسهل وصول النفط والغاز إلى أمريكا وأوربا بعيدا عن الأزمات في الخليج العربي، وبدون شروط سياسية قد تفرض على هذه الدول التي تعتمد بشكل أساسي على النفط والغاز الروسي.
أما الإقليم الكردي فان سياسته مضمونة للغرب وأمريكا على حد سواء، وهو يسير في ركب هذه الدول، إذ إن وجود الشركات النفطية العاملة في الإقليم، والشركات الأخرى، كذلك تقديم الحماية المستمرة وتقديم السلاح للإقليم بعيدا عن بغداد، وأخرها وقوف أمريكا والغرب مع الإقليم ضد داعش في هجومه على اربيل وبكل قوة، في الوقت الذي تخلت فيه أمريكا عن دعم حكومة بغداد وتنصلها عن الاتفاقية الإستراتيجية معها، كذلك هناك تعهدات مقدمة إلى تركيا في هذا الشأن بان لا يتعرض الإقليم ولا يتدخل في الشأن التركي، وما دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني (عبدالله اوجلان) إلى أنصاره بترك السلاح والتفاوض مع الحكومة، كذلك اعتبار جبال قنديل العراقية مقرا لقوات حزب العمال الكردستاني العسكرية، لهو خير دليل على هذا التعاون بين أكراد العراق وتركيا.
حتى إن الإقليم الشيعي في الوسط والجنوب، لن يكون وضعه أفضل من سابقاته – الإقليم السني والكردي- فهو سوف يقع في دوامة النفوذ، فعلى الرغم من الغنى الذي يتمتع به وخاصة موارد النفط والغاز، الا إن عمليات التصدير سوف تكون محدودة لان الخط الناقل للنفط من البصرة إلى تركيا قد يتوقف، وذلك لمروره بأراضي الإقليم السني والكردي، فقد تكون هناك معارضة لمرور النفط عبر الإقليمين إلى تركيا، لمنع المنافسة من جهة، كذلك لارتفاع رسوم التصدير من جهة أخرى، على اعتبار انه يمر بثلاث أقاليم مختلفة وهي الإقليم السني والكردي وتركيا، وان الاعتماد على الخليج العربي للتصدير خيار غير متاح في بعض الأحيان خاصة في حالة حدوث اضطرابات سياسية في المنطقة، أو في حالة حدوث مواجهة بين الغرب وإيران، علما إن الساحل العراقي على الخليج أصبح ضيقا جدا خاصة بعد التعديل الحدودي مع الكويت، وهو ما يعد محاولة لخنق الاقتصاد في المحافظات الجنوبية بالأساس، وهذا ما تطمح لتحقيقه أمريكا والغرب وتركيا ودول الخليج العربية، وأخر التدخلات الأمريكية في سعيها لتقسيم العراق وإقامة الأقاليم هو ان لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأمريكي أعلنت عن مشروع قانون للدفاع يخول بصرف 715 مليون دولار كمساعدات للقوات العراقية التي تقاتل تنظيم “داعش”، فيما أوضحت أن المشروع يتضمن حجب 75 بالمائة من المساعدات عن بغداد ومنح أغلبها للكرد والسنة مباشرة، في حال عدم تطبيق الشمولية السياسية وإقرار الحرس الوطني ووقف الدعم للمليشيات الشيعية.
ولتركيا أيضا مصلحة في إقامة الإقليم السني في غرب العراق، فطموح تركيا بضم ولاية الموصل لم ولن يتوقف، فكثير من تصريحات المسؤولين الأتراك كانت تنادي وتطالب بان الموصل وكركوك هي أراضي تركية – وهذا يعني عمليا كل شمال العراق- حتى إن زيارة وزير الخارجية التركي السابق (داوود اوغلو) إلى كركوك عام 2014، وتصريحه بان كركوك هي قلب تركيا، والتركمان هم مواطنون أتراك، وقد بلع الاكراد هذه الاهانة ولم يردوا عليها، وهم الذين يدعون بان كركوك قدس الاكراد؛ لأنهم هم من جاء به إلى كركوك وبدون علم بغداد لكسب دعم إقليمي، وبما إن الاحتلال المباشر لأجزاء دولة من دولة أخرى أصبح مستهجن ومرفوض عالميا، ومكلف في بعض الأحيان، خاصة وان تركيا كتلميذ تعلمت من أستاذها أمريكا بان الاحتلال المباشر لا جدوى منه، وعليهم إن يلجؤوا إلى إثارة النزاعات القومية والطائفية وتمزيق الدول إلى دويلات وكانتونات طائفية، ومن ثم السيطرة عليها، وتحقيق أحلامهم بأقل الخسائر.
فتركيا تهدف أولا إلى إن يكون الإقليم السني منطقة دفاع متقدمة عن الأراضي التركية في حالة حدوث أي أزمة بين تركيا وأي دولة إقليمية أو دولية؛ لأن تركيا سوف تنشر وحدات عسكرية لغرض تدريب قوات الإقليم – إذ توجد قوات تركية في نينوى حاليا لتدريب ما يسمى بأبناء العشائر بقيادة (أسامة النجيفي) لتحرير الموصل-ومن ثم بناء قواعد عسكرية دائمة في الإقليم، وبهذا تصبح السيطرة العسكرية المباشرة قد تحققت.
كذلك تصبح تركيا على اتصال بري مباشر بينها وبين دول الخليج العربية عبر الإقليم، ويعني ذلك اتصال أوربا بدول الخليج عبر تركيا، والتي تصبح اللاعب الأول في المنطقة، وذات النفوذ الواسع، وهو ما يعني بناء أنابيب نقل الطاقة (النفط والغاز) من الخليج العربي عبر تركيا إلى أوربا، كذلك بناء سكك الحديد الربطة بين أوربا والخليج العربي، ومن ثم تكون تركيا ممر رئيسي لعبور السلع والخدمات من والى أوربا والخليج العربي، وبذلك تصبح تركيا حاجة أوربية أمريكية، بعد إن رفضتها أوربا من الانضمام إليها لأكثر من مرة.
كذلك هناك مشروع قديم كان يساور الأتراك والخليجيين، الا إن وقوف العراق وسورية ضده قد أفشله، وهو مشروع مد أنابيب مياه من تركيا إلى دول الخليج العربية العطشى للمياه العذبة والتي تعتمد أغليها على تحلية مياه البحر لاستخدامات المختلفة، وهو (مشروع السلام)، الذي يقوم بمد الأنابيب لنقل المياه من تركيا – مشابه لنقل النفط- إلى دول الخليج العربية وإسرائيل، ويمر عبر العراق أو سورية ثم الأردن إلى دول خليج، وإسرائيل، هذا المشروع الذي قوبل بمعارضة العراق وسورية، لأنه سوف يقلل حصص هذين الدولتين من مياه دجلة والفرات، لذلك فان قيام إقليم سني في غرب العراق هو الحل الأمثل لهذا المشروع خاصة وان كل الدول الداعمة لهذا الإقليم هي مستفادة من هذا المشروع، إذ نرى إن اغلب الإرهابيين المشاركين مع داعش هم من دول الخليج العربية وتركيا، كذلك إن اغلب الأسلحة تصل إليهم عن طريق تركيا والأردن، كما إننا لا ننسى إن النفط المهرب من الموصل وكركوك يمر عبر تركيا إلى إسرائيل والعالم، رغم القرارات الدولية المطالبة بتجفيف منابع الإرهاب، وبهذا تحق تركيا ما كان حلما يوما ما من خلال السيطرة على المنطقة، الغربية للعراق، وادخلها تحت نفوذها المباشر، حتى إننا يمكن إن نضع تدمير اثار النمرود وتهريبها ما هو الا خطة تركية في محو كل اثر لتاريخ المنطقة التي تربطها بالعراق، ومحاولة ضمها تحت نفوذها.
ودول الخليج العربية لم تكن بعيدة عن تشجيع ومساعدة إقامة الإقليم السني في العراق، ولأسباب هي: أولا، سعي خليجي لإبعاد النفوذ الإيراني من العراق خاصة، والمنطقة بشكل عام، وذلك باستخدام كل الوسائل الممكنة، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير العراق وتحويله إلى ثلاث دويلات، وما نراه ونسمعه يوميا من تصريحات تصب في هذا الاتجاه، وان اغلب الذين يتم القاء القبض عليه من الإرهابيين هم من السعوديين والقطريين، إضافة إلى الدعم الإعلامي من قبل قناة الجزيرة والعربية، والقنوات الدينية المحرضة على الفتنة الطائفية في المنطقة، وفي العراق بشكل خاص، والدعم المالي المقدم إلى بعض السياسيين من المنطقة الغربية، واستضافتهم في هذه الدول وتقديم كل العون لهم من خلال عقد المؤتمرات التحريضية ضد العملية السياسية في العراق، وكما رأينا خلال الاعتصام في الأنبار والموصل، كانت الأموال الخليجية هي المحرك الأول لها، من خلال دفع الأموال للمعتصمين، وتجهيزهم بالخيم والأكل لاستمرار الاعتصام.
ولا يخفى علينا خشية هذه الدول من نجاح تجربة الديمقراطية في العراق، والخوف من محاولة تطبيقها في دول الخليج العربية، إذ إن ثورات الربيع العربي، الممتدة من تونس إلى اليمن قد شجعت شعوب هذه الدول للمطالبة بالإصلاحات السياسية والديمقراطية، كما حصل في البحرين وشرق السعودية، ولكي يتم التخلص من هذا النموذج المزعج لدول الخليج، عملت على نشر الفوضى في العراق ومحاولة تقسيمه، لكي توهم شعوبها إن مصيرهم إن هم طالبوا بالإصلاحات سيكون مصير العراق، وبهذا التقى هدفهم مع الأهداف الأمريكية والتركية في هذا المجال.
وكما أسلفنا فان الإقليم السني سيكون ممرا مهما لتصدير النفط والغاز الخليجي إلى أوربا عبر تركيا، إذ إن كثرة المشاكل في منطقة الخليج العربي قد حفز دول المستفيدة من النفط والغاز الخليجي إلى البحث عن بدائل لتصدير منتجات الطاقة من دول الخليج، وذلك للخلاص من هموم التصدير عبر مضيق هرمز الذي تهدد إيران في كل مرة بأنها سوف تقوم بإغلاقه، لذلك إن ربط أوربا بالخليج بريا عبر تركيا سيكون الحل لهذه المشكلة، حتى إن تصدير النفط والغاز الخليجي عبر السعودية عن طريق البحر الأحمر، ثم قناة السويس إلى أوربا أيضا محفوف بالمخاطر خاصة بعد الأحداث في سيناء المصرية، وخوفا من تحولها إلى تهديد محتمل للملاحة عبر قناة السويس، خاصة إذا عرفنا إن القوة العسكرية التي سوف تحمي إمدادات الطاقة من الخليج عبر الإقليم السني إلى تركيا وأوربا، هي قوات موجودة وكافية وقريبة من المكان وهي القوات التركية، فهي اقرب إلى الإقليم وكافية لحمايته، إضافة إلى أنها قوات مرحب بها في الإقليم، وان تكلفتها اقل، على عكس القوات التي يجب توفرها لحماية مضيق هرمز أو قناة السويس، فهي تحتاج إلى قوات ضخمة وقوى عظمى وتكاليف باهظة لحماية هذه الممرات المائية.
كذلك إن مشروع المياه من تركيا إلى دول الخليج، أيضا مشروع مهم ومفيد لهذه الدول للخلاص من عطشها الدائم، ولكي تجعل من أرضها الجرداء أراضي مخضرة، على حساب سيادة واستقلال العراق، فكل المشاريع لنقل المياه من تركيا بالناقلات أو بالأنابيب عبر البحر المتوسط إلى إسرائيل والخليج فشلت لتكلفتها العالية، حتى إن المشروع الإيراني لمد أنابيب مياه من نهر الكارون إلى الكويت، كذلك تزويد قطر بالمياه قد باء بالفشل ولم ينفذ، بسبب تكاليفه الكبيرة التي تقدر بمليارات الدولارات، ومعارضة اغلب الإيرانيين للمشروع لوجود أراضي صحراوية في إيران بحاجة إلى المياه، كذلك إلى معوقات إقليمية أخرى.
ومشروع نقل المياه من كردستان العراق إلى دول الخليج العربية، تتلخص هذا المشروع على نقل المياه عن طريق انشاء أنبوب نقل المياه من إحدى أهم روافد نهر جلة، حيث تشكل مياه روافد دجلة بحوالي 49% من المصادر الداخلية لعراق (كردستان العراق)، يتواجد حوالي عشرة رافد لنهر دجلة تنبع أغلبها من المنطقة الجبلية في كردستان العراق، وان الإمطار والثلوج هي التي تغذي تلك الروافد بالمياه، تلتقي منابع العشرات وبل والمئات من العيون المائية الطبيعية النقية والصالحة للشرب في كردستان العراق مؤدية إلى تكوين تلك الأنهار (الروافد) التي تصب بنهر دجلة، ونقلها بالأنابيب إلى دول الخليج العربية، لذلك ولأجل إنهاء هذا المشروع قد يقوم الإقليم السني عوضا عن ذلك بنقل المياه مباشرة من دجلة والفرات إلى هذه الدول، من خلال حرمان إقليم الجنوب من حصته من المياه، ونقلها إلى صحراء الخليج، إذ لا ننسى كيف قام الدواعش بقطع المياه عن الوسط والجنوب من خلال غلق سدة الفلوجة قبل إن تقوم القوات العراقية من السيطرة على السد وفتحه مرة أخرى.
خلاصة الكلام، نرى التقاء مصالح كلا من أمريكا وتركيا ودول الخليج العربية مع سنة العراق على إنشاء الإقليم السني في العراق، لتحقيق أهداف كثيرة ومتطابقة في اغلب الأحيان، وبهذا نرى إننا يجب إن نكون حذرين من هذا المخطط الذي يستهدف الكل، ولا يستثني إحدى وسيكون على حساب العراقيين، وثرواتهم التي ستكون تحت رحمة دول الجوار.