(تيه قانوني فاحش)
[[ذكرت كبيرة المدعين (فاتو بينسودا) في المحكمة الجنائية الدولية في 8/4/2015 انها غير مستعدة بعد لفتح تحقيق في الجرائم التي يتهم تنظيم الدولة الاسلامية بارتكابها في العراق وسوريا ومن بينها جرائم الابادة، لأنها لا تملك الصلاحيات القضائية للقيام بذلك، وسوريا والعراق من الدول غير الموقعة على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية وهو ما يحرم المحكمة السلطة القضائية اللازمة، الا ان بإمكانها محاكمة عدد من الاف المقاتلين الاجانب في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية الذين هم مواطنون في دول موقعة على الميثاق، والأمم المتحدة دعت لإحالة جرائم “داعش” إلى الجنائية الدولية في 19 /3/ 2015، ودعا مكتب مجلس الأمن الدولي إلى “إحالة الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الجناة”، وكان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لحقوق الإنسان إيفان سيمونوفيتش أكد في (22 تشرين الاول 2014) أن حملة تنظيم “داعش” على الأقلية الايزيدية في العراق قد ترقى إبادة جماعية او ضد الإنسانية.
وأصدر البرلمان الأوربي في 12/3/2015 قرارا صوّت عليه الأعضاء بصدد جرائم داعش، وسلَّط التقرير الأخير لمجلس حقوق الإنسان الضوء على الانتهاكات المرتكبة في العراق،..ويوثق التقرير الذي أصدرته “مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان”، في 19/4، مجموعة واسعة من الانتهاكات التي ارتكبها تنظيم (داعش) ضد مجموعات إثنية ودينية في العراق، في الفترة الممتدة من حزيران 2014 حتى شباط 2015، يصل الكثير منها إلى مرتبة جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم إبادة جماعية، واشار التقرير إلى ارتكاب بعض منتسبي الجيش العراقي والأمن ومجموعات “الحشد الشعبي” انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان، أثناء الهجوم المضاد ضد (داعش)، غير أن التقرير سجل استنتاجاً مهما، وهي أن من يمارسون هذه الانتهاكات والتجاوزات غالباً ما يفلتون من العقاب، علماً أن التقرير جاء استجابة لطلب تقدمت به الحكومة العراقية، بيّْد أن التقرير لا يؤكد أن الحكومة العراقية قامت بمحاسبة أي منهم، رغم أن بعض تلك الانتهاكات من الجسامة بحيث قد تندرج في خانة ارتكاب جرائم حرب]]( منقول من عدة مواقع الكترونية)
استحوذت جرائم تنظيم (داعش) على تغطيات إعلامية واسعة خلال الأشهر الماضية، و(داعش) لم يستثن أي مكون من جرائمه، وكان مجلس النواب قد صوت في جلسته الثلاثين التي عقدت السبت 18 /4/2015، وبحضور 230 نائبا، على قرار بإحالة ملف تنظيم داعش الارهابي إلى المحكمة الجنائية العراقية بعد تعديل قانونها ليشمل جرائم داعش، باعتبار جرائمها جرائم ابادة جماعية، والقرار فيه عدة مطبات قانونية ندرجها في ادناه:
أولا/ ان جرائم تنظيم داعش الارهابي هي من الجرائم الواردة في قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم 10 لسنة 2005، ولا علاقة للمحكمة الجنائية العراقية بذلك، حيث ان الامر 13 لعام 2004 الخاص بتشكيل المحكمة الجنائية العراقية المركزية وفي باب الولاية القضائية للمحكمة الواردة في القسم 18، ما نصه((…2 – ينبغي على المحكمة الجنائية المركزية في العراق، وهي بصدد ممارستها لولايتها القضائية التقديرية، ان تركز مصادرها ومواردها على القضايا المتصلة بما يلي: أ)الارهاب؛ ب) الجريمة المنظمة؛ ج) الفساد الحكومي؛ د) اعمال الغرض منها زعزعة استقرار المؤسسات او العمليات الديمقراطية؛ هـ) اعمال العنف التي تقع بسبب الانتماء العرقي او القومي او الاثني او الديني؛ و) الحالات التي قد يتعذر على المتهم بارتكاب جريمة ما الحصول على محاكمة منصفة في محكمة محلية)).
عليه نلاحظ ان المحكمة الجنائية العراقية غير مختصة بتاتا بالنظر في جرائم الإبادة الجماعية لداعش.
ثانيا/ واذا كان قصد مجلس النواب (وهذه من المهازل البرلمانية) إحالة ملف داعش الى المحكمة الجنائية العراقية العليا، كون الجرائم التي ارتكبها داعش الإرهابي هي من الجرائم المحددة في قانون المحكمة المذكورة رقم 10 لسنة 2005 وهي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب الواردة في المادة (1 /ثانيا) من القانون وجميع المحاكم العراقية لا ينعقد لها الاختصاص والولاية في المحاكمة عن هذه الجرائم لكن لها الولاية والاختصاص اذا تم تكييف الجرائم بأنها من الجرائم التي نص عليها قانون العقوبات العراقي وقانون مكافحة الإرهاب المرقم 13 لسنة 2005 والقوانين العقابية الأخـــــــرى، وتأكيدا، ان المحكمة الجنائية العليا غير مختصة لعدة أسباب منها:
الف – أن المادة الأولى من قانون المحكمة المذكورة تنص على أن ولايتها واختصاصها تسري علـــــى الجرائم المرتكبة قبل 1/5/2003 أي الجرائم المرتكبة في عهد النــــظام السابق قبل سقوطه وبالتالي فإن جعل الاختصاص والولاية عن جرائم مرتكبة بعد هذا التاريخ أي بعد 1/5/2003، يتطلب تعديل قانون المحكمة؛ بحيث يتضمن إعطائها الولاية ومنحها الاختصاص في إجراء المحاكمة والمعاقبة على جرائم داعش الإرهابي بعد هذا التاريخ، وذلك يتطلب إعداد مشروع قانون من الحـــــــكومة وعرضه على مجلس النواب لتشريعه.
باء- ان القرار الذي اصـــــدره مجلس النواب ليس كافيا لتعديل القـــــانون وإجراء محاكمة عناصر داعش من المحكـــــمة الجنائية العراقية العليا، وليس له أي اثر قانوني كما عودنا مجلس النواب دائما وفي عدة قرارات منها، كما حدث في اقالة مفتش وزارة الصحة (عادل محسن) وحل لجنة النازحين والمهجرين والقرار المتعلق بعدم استبعاد اي مرشح من الانتخابات في 20/مارس/ 2014 ( وقد وصفته النائبة حنان الفتلاوي بانه “القرار لا قيمة قانونية له وغير ملزم للمفوضية وللهيئة القضائية وهو ضحك على الذقون”، وقرار منع مطالبة المواطن الانباري بالكفيل اثناء دخوله بغداد، أيضا أطاحت به نقاط التفتيش التابعة للسلطة التنفيذية وابقت على مطالبة أهالي الانبار بالكفيل للدخول للعاصمة، ولا بد من الإشارة الى ان اصدار مجلس النواب لأي قرار ومدى الزاميته، هناك عدة اتجاهات لسنا بصددها لكن أهمها، ان الدستور العراقي النافذ لم يتعرض لسلطة مجلس النواب في اصدار القوانين العادية والتفسيرية، لكن الفقه الدستوري اتفق بان للسلطة التشريعية ان تصدر نوعين من القوانين، قوانين اصلية تنظم شؤون المجتمع والدولة، وقوانين تفسيرية وهي تشريعات تصدر لتفسير نص في قانون اصلي صدر منها سابقا اذا ما شابه اللبس والغموض او كانت هناك مشكلة في تطبيقه او تفسيره، وانه يعد قانون شأنه شأن اي قانون اخر، فله القوة الالزامية ولا يمكن للجهات التنفيذية تجاوزه او الامتناع عن تنفيذه وملزم لجميع السلطات، وفي النظام البرلماني، تكون السلطة التشريعية اعلى السلطات في الدولة.
ويبقى السؤال هل ان قرار البرلمان بإحالة ملف داعش يندرج تحت أي نوع من أنواع القرارات البرلمانية التي ذكرناها؟ نعتقد ان ذلك القرار لا علاقة له باي نوع من القرارات التي ذكرناه.
جيم – ان المحكمة الجنائية العراقية العليا وردت في باب الاحكام الانتقالية وقد حل مجلس النواب المحكمة الجنائية العليا بموجب قانون تعديل قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005 في 10/08/2009 وتم نشره بالوقائع العراقية بالعدد:4132 والحقها بمجلس القضاء الأعلى، وتنويها وتذكيرا؛ ان الاحكام الانتقالية الواردة في دستور عام 2005 النافذ (من المادة 132 الى 142 من الدستور) والمادة (134) بضمنها قد نصت: ((تستمر المحكمة الجنائية العراقية العليا بأعمالها بوصفها هيئةً قضائية مستقلة، بالنظر في جرائم النظام الدكتاتوري البائد ورموزه، ولمجلس النواب الغاؤها بقانونٍ، بعد اكمال اعمالها)) والأحكام الانتقالية يعتبرها فقهاء الدستور أحكاما مسقطة تفرغ الدستور من محتواه وتعطل نفاذه وتثير الكثير من الإشكالات القانونية والسياسية ان استمر سريانها؛ بل تشكل عائقا أمام تفعيل القيم والمبادئ الدستورية باعتبارها الحلقة الأضعف في الأحكام الدستورية؛ ويعزى ذلك إلي طريقة إقحامها وأسلوب إعدادها ومحتواها والغاية من إدراجها بالدستور، فهي أحكام دستورية من صنف خاص وأحكام وقتية لها غاية محددة ولا يمكن بحال من الأحوال التعامل معها بنفس الطريقة مع الأحكام الدستورية الدائمة، فعلى خلاف القواعد الدستورية الدائمة، تعتبر الأحكام الانتقالية قواعد إجرائية بالأساس وهي رغم أهميتها لا ترتقي إلى مرتبة وقيمة القواعد الدستورية الأخرى في سلم القواعد الدستورية، ونعتقد ان الاحكام الانتقالية الواردة في الدستور العراقي النافذ؛ بالية ومهترئة في مستوى صياغتها وفاقدة للدقة والوضوح والواقعية، وتمثل عائقا أمام تحقيق القيم والمبادئ المضمنة بالدستور.
ثالثا/ اوضحت اشواق الجاف في 19/04/2015 أن “تصويت مجلس النواب على احالة ملف داعش، للمحكمة الجنائية، يأتي كخطوة اولى لتجريم اعمال داعش”، مبينةً “الافضل للعراق ان يعلن استعداده للانضمام الى معاهدة روما الدولية التي تلاحق مرتكبي الابادة الجماعية والاعمال ضد الانسانية”.
وقد اصابت كبد الحقيقة، فكان المفترض من البرلمان ان يطالب الحكومة العراقية بالانضمام إلى “نظام روما الأساسي” للمحكمة الجنائية الدولية، وقبل اصدار قرار برلماني بذلك؛ مع التأكيد على ضرورة التصدي وبقوة لاستمرار التجاوزات والانتهاكات التي تصدر من عدة جهات؛ لان ذلك سيؤدي الى قسمة الصف العراقي والمجتمع الدولي في مواجهة تنظيم (داعش).
رابعا/ ان القرار يعتبر قاصرا لعدم ذكره الجرائم الدولية الأخرى، حيث وصف جرائم داعش بانها جرائم إبادة جماعية في حين ان جرائم داعش تنطبق عليها أيضا، وصف جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وكما وردت في الاتفاقيات الدولية(روما لسنة 1998 التي شكلت النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية وجنيف)، فكان من المفترض ان يتضمن القرار تلك الاوصاف.
خامسا/ لم يرد في قرار مجلس النواب بأن إحالة ملف داعش الى المحكمة الجنائية العراقية؛ لا يخل بمحاكمة مجرمي داعش من القضاء العراقي، لان القرار لو اعتبر نافذا، سيكون عائق امام إحالة مجرمي داعش للقضاء العراقي وتلك مثلبة بحق مجلس النواب
بهذه الطريقة الفجة والمضحكة، قام مجلس النواب بإصدار قرارا كان الغرض منه اعلامي وتحقيق مكاسب سياسية أكثر مما هو عمل يندرج ضمن الحملة الحقيقية ضد داعش الارهابي؛ والاسئلة التي باتت ملحة:
+ كيف نفسر اصدار قرار يتطلب قبله اجراء تعديل ليصبح الموضوع منتج قانونا؟
+ ما هي الفائدة القانونية التي تتحقق لنا من إحالة ملف داعش الى محكمة غير مختصة أصلا؟
+ لماذا لم يتم حث الحكومة العراقية بداية للانضمام الى معاهدة روما الدولية التي تلاحق مرتكبي الابادة الجماعية والاعمال ضد الإنسانية؟
+ لماذا الخوض في موضوع نعرف ان المحكمة الجنائية الدولية غير مختصة فيه والمحاكم العراقية أيضا غير مختصة؟
+ كيف يطلب النائب عبدالهادي الحكيم ويوافقه مجلس النواب على إحالة ملف داعش الى المحكمة الجنائية العراقية، وتدرسه اللجنة القانونية ويتم التصويت عليه؟
هذا يدل على ان اللجنة القانونية غير مؤهلة لدراسة مشاريع القوانين وجهله بأمور قانونية بديهية.
+ هل هناك تفسير غير انها مطبات قانونية ودستورية يوقع نفسه فيها البرلمان؟
والمؤسف واصرارا على الخطأ؛ ان النائب الحكيم يصرح الخميس؛ ردا على منتقدي القرار، ويؤكد على عدم صوابية المنتقدين، وان قرار البرلمان صحيح، ونقول أي فوضى برلمانية نعيشها والبرلمان ولجنته القانونية لا تفرق بين (المحكمة الجنائية العراقية المركزية) و(المحكمة الجنائية العليا)؟
وأخيرا نقول؛ علينا ان نأخذ بعين الاعتبار؛ أن عدم أخذ منظومة العدالة المحلية لدورها، أو عدم كفاية القوانين والإجراءات الوطنية، تتيح لمجلس الأمن الدولي، بتوصية من مجلس حقوق الانسان، تحويل ملف الانتهاكات في العراق إلى المحكمة الجنائية الدولية، وبخصوص الجرائم التي ارتكبت من قبل تنظيم (داعش) على الأرجح ستفرض نفسها، في مرحلة ما، أمام المحكمة الجنائية لطبيعة تكوين التنظيم، من عناصر يحملون جنسيات متنوعة ويحظون بشبكات دعم وخلايا نائمة في العديد من البلدان، وإذا ما فتح ملف جرائم (داعش) لا شيء سيمنع فتح ملفات الانتهاكات والتجاوزات الأخرى الحاصلة في العراق، وهي مسؤولية تتحملها الحكومة العراقية أولاً وأخيراً، وعليها تصويب الأخطاء، ووقف الانتهاكات والتجاوزات، والمحاسبة عليها قبل فوات الأوان.
((رئيس غرفة المحامين السابق في المحكمة الجنائية العراقية المركزية من عام 2004 الى 2012))