18 ديسمبر، 2024 7:20 م

المجتمع العراقي من النزعة القبلية الى النزعة الحزبية

المجتمع العراقي من النزعة القبلية الى النزعة الحزبية

الشعب العراقي اغلبه مجتمع قبلي عشائري منذ ولادته ولا يمكنه التنازل عن هذا الانتماء بأي حال من الاحوال ، وهذا الانتماء ان كان فيه تمسكا في القيم فهو انتماء صحي على اعتبار ان القيم العشائرية فيها النخوة والغيرة والكرم والجود ونصرة المظلوم ، وان كانت العشيرة تفتقر للقيم فهو انتماء سلبي يشكل خطر على سلامة المجتمع ، والاحداث المؤلمة حدث ولا حرج بسبب المعارك التي وقعت بين بعض العشائر راح ضحيتها ابرياء بسبب تعنت هذه العشيرة او تلك العشيرة التي ضربت القيم بعرض الحائط .
وبعد التحول السياسي في عام 2003 تشكلت احزاب وحركات كثيرة مستغلة الفوضى وعدم وجود قانون الاحزاب ومع تشظي الاحزاب الكبيرة فقد اصبحت الاحزاب باعداد كثيرة لا يمكن احصائها وعناصرها لايمتلكون الخلفية الثقافية ولا الوعي السياسي ، وهذا انعكس سلبا على العملية السياسية التي اصبحت في حال لا تحسد عليه ، وانعكست على حياة المواطن ورأيه بل على الاسرة والمدرسة والدائرة وفي كل مفاصل الحياة واصبح الجميع يتكلم بالسياسة بمعرفة وبدون معرفة .
المجتمع او اغلب المواطنين عندما يبدون رأيهم او يقولون كلمتهم في امور السياسة يعني ان المواطن مهتم لما يجري في بلده ، لكن وللاسف الكبير ان المجتمع لم يصل لدرجة تجعله يميز بين الصالح والطالح وبين الخطوة الايجابية والسلبية ، اكثر العراقيين لا ينظرون للامور نظرة عقلانية مسؤولة بل نظرتهم للامور نظرة عاطفية تجعلهم يناصرون هذا الحزب اوذاك حتى وان كان فاشل في ادارة الامور ولدرجة فشله في ادارة نفسه واضحا ، وهؤلاء تخدعهم تخدعهم الشعارات الرنانة بسبب الولاء الاعمى ولا ينظرون للسلبيات التي تصدر من الجهة السياسية التي يوالونها ، كما انهم لا يرون الايجابيات التي تصدر من جهة منافسة وان علموا بها يحاولون التعتيم عليها لانها تخالف ولائهم الحزبي وعواطفهم وهذا ينطبق على جماهير وانصار جميع الاحزاب سواء كانت علمانية او اسلامية او قومية الجميع سواء ، واصبح اغلب المجتمع لا ينظر لعمل هذا النائب او ذاك المسؤول حتى لو كان ناجحا بل ينظرون الى الجهة التي ينتمي اليها فقط ، وللاسف حتى المثقفين والمهتمين بالشأن السياسي تجدهم يعتمون على الحقائق لانها تصب في مصلحة الحزب الذي لاينتمون اليه وهذه طامة كبرى ، واذا كانت هناك منافسة بين الحزب الذي يواليه وحزب منافس يعمد للتعتيم بل يحاول ان يشوه ايجابيات ذلك الحزب ، بينما واجب المثقف كونه يمتلك معلومات لتوعية الناس وارشادهم الى جادة الصواب باعتباره قدوة لكن للاسف اغلب المثقفين زادوا الطين بلة ، وهذا مؤشر خطير ويدل على ان هؤلاء المثقفين لم يتحرروا من النزعة العصبية .
ان التحزب اخذ موقع الانتماء العشائري وفكك الانتماءات لدرجة أثرت على صلة الرحم والاقرباء فان كان هذا من جهته تزداد اللحمة بينهما وان كان من جهة سياسية منافسة تموت صلة الرحم والقرابة بينهما ، وحتى الاخوة والاشقاء فان كان اخوه ينصر حزب معين وهو يناصر حزب اخر تتأثر بينهما صلة الرحم وتصبح علاقتهما متشنجة وهذا ينعكس على الابناء وتجد كل منهما يتقرب لمن هو ابعد عن صلة الرحم لانه من الاتجاه السياسي الذي ينتمي له احدهما او يناصره والتكتلات داخل العشيرة واضح للعيان وهناك بعض الشيوخ او الوجهاء يتكلم باسم العشيرة ولا يعلم ان اقرب الناس اليه يخالفه الرأي ، ومنهم من رشح للانتخابات معتمدا على اصوات عشيرته ولم يحصل على عشرين صوتا والسبب لانه رشح ضمن حزب وافراد عشيرته انتخبوا احزاب وكتل اخرى وهذا دليل على ان التحزب ازاح الانتماء العشائري .
 لقد اصبح الحزب او الحركة او الكتلة هي العشيرة ، وصل الحال ان البعض يهدد ويفتخر بالحزب او الكتلة او الحركة بعدما كان المجتمع يفتخر بالقبيلة او العشيرة وهذه كارثة لانها تدل على الجهل والتخلف ، ان هؤلاء نقلوا النزعات القبائلية او العشائرية الى العمل الحزبي مما اثر سلبا على العملية السياسية وشوه الديمقراطية التي تتعثر بسبب عدم الوعي، ومشكلة الديمقراطية انها تجعل المتخلف والعالم بالامور سواء ، وهذا اكبر برهان على ان الديمقراطية سيف ذو حدين لكن نجاح الديمقراطية يتوقف على وعي المجتمع ومدى احساسه بالمسؤولية التي تقع على عاتقه فان كان واعي تكون النتيجة امن وتطور وازدهار البلد وان كان متخلف يكون البلد في حال لايحسد عليه .