كثير من القوانين العراقية التي شرعت في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لم تعد صالحة .. وقسم منها نفدت صلاحيته وأصبح غير ملائم للتغييرات الكبيرة التي حدثت في العراق ، ففي مجال الاعلام والنشر ما زالت القوانين التي شرعت أواخر الستينيات سارية المفعول ، ونافذة الأثر ، مثل قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 الخاص بحرية الرأي ، وقانون المطبوعات رقم (206) لسنة 1968 ، وغيرها من القوانين .. ربما بعضها يعود إلى بداية تأسيس الجمهورية الأولى .. وبعضها ينتمي إلى العهد الملكي .. إن حيوية القوانين يكمن في تجديدها ، وتحديثها ، وتعديلها .. لتصبح ملائمة للمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، ولعل مبادرة معهد صحافة الحرب والسلام الذي أخذ على عاتقه تنفيذ مشروع لإصلاح البيئة القانونية لتشريعات الإعلام .. تُشكل ظاهرة صحية في نشاطات المجتمع المدني ، حيث أقام مجموعة من الندوات وورش العمل ، دعا إليها مختصين في القانون والإعلام .. ومنها الندوة التي أقامها المعهد في فندق بغداد للحوار بشأن محكمة قضايا النشر والإعلام ، وقانون المطبوعات والنشر .. وقد استضيف حينها القاضي مازن بدر رئيس محكمة قضايا النشر لإلقاء المحاضرة فيها ، بحضور مدير المعهد عمار الشابندر ، وعدد كبير من الإعلاميين والقانونيين . وأدار الندوة الإعلامي البارز عماد الخفاجي .
الذين شاركوا في الندوة شعروا بمهنية القائمين على المعهد ، وذلك من خلال الحيادية الواضحة ، والتوجه لوضع رؤى للمشرع العراقي ، يمكن أن تؤدي إلى إصلاح وتعديل القوانين الخاصة بالنشر وحرية التعبير .. ففي واقع الحال أن ، أي إعلامي يتمنى أن تلغى القوانين المقيدة لحرية التعبير وتداول المعلومة والنشر .. حتى يصبح بعيدا عن المساءلة القانونية .. ولكن من يحمي الآخر ؟ من يحمي السياسي والشخصيات العامة من ألسن وأقلام الصحفيين , والعاملين في وسائل الإعلام .. أو اولئك المحللين وأصحاب الرأي . إذن لابد من غطاء قانوني ، ينظم العلاقة بين الإعلامي والعاملين في مجال الصحافة ، والشخصيلت العامة في المجتمع ، ينسجم مع المتغيرات الديمقراطية التي حصلت في البلاد بعد سقوط النظام الدكتاتوري .. ولابد من ملاحظة أن التوجه إلى إلغاء القوانين السابقة يضعنا في حالة اجتثاث للقوانين ، وبهذا نكون محونا الجذور التأريخية لقاعدة التشريعات العراقية .. والبديل عن ذلك هو التعديل فمعظم القوانين الملغاة في الحقيقة تعود إلينا مستنسخة ، مع بعض التعديلات وتأخذ أرقاماً جديدة وتواريخ حديثة لتصبح بديلة عن القوانين السابقة.. ويمكن في هذه الحالة أن يعدل القانون بأكمله لا أن يلغى .. هذا أولاً ، وثانياً إن الحريات المطلقة ، وغير المقننة ، سواء كانت في الإعلام وغيره من شأنها أن تسبب الضرر للمجتمع ، لأنها تمثل حالة من الانفلات ، وعدم الانضباط بشكل لا يمكن السيطرة عليه ، لعدم وجود ما يساعد على ذلك . فمحكمة النشر مثلا تسلمت (160) قضية خلال عام 2013 ، وراعت معايير حقوق الانسان ، وحرية التعبير ، وأنها حسمت ما نسبته 95% منها ، وردت كثيرا من الأدلة لعدم قناعة المحكمة .. وفي كل الأحوال فأن وجود القوانين بصيغتها الحالية ، يمكن أن يعتبر فخاً ، يقع فيه كثير من العاملين في مجال الصحافة ، لذلك لابد من إصلاح هكذا قوانين وتخفيض العقوبات .. بل إلغاء العقوبات السالبة للحرية .. والاكتفاء بالغرامات المالية التي لا تثقل كاهل من يقع تحت طائلة القانون .. وهنا لابد من التأكيد بأني كإعلامي ، حين أطلب الحماية لي عند الانزلاق إلى المخالفة القانونية .. فمن يحمي الآخرين من شطحات قلمي ولساني ..؟؟