انها لوحة رسمت بأروع الريش واجمل الالوان الطبيعية , وظهرت بأبهى الصور وكيف لا تكون ذلك فهي من ابداع الخالق الذي رسم صورة مدينة اعتنقت دين التوحيد منذ تاريخ نشوئها على الكرة الارضية و اتخذته طريقا للوصول الى الكمال والجمال فهي تغفو على ضفاف نهر دجلة الخالد وعلى نسماته و روجات هذا النهر العظيم ومن ترابة بنيت اعظم الحضارات انها مملكة ميسان” الموغلة بالقدم و التي لم ينصفها التاريخ ولا الباحثون على حد سواء ليضعوها في المكان الذي يستحق ان تضع فيه .تلك المدينة الصغيرة في مساحتها الكبيرة بقلوب اهلها والبعيدة عن الانظار قليلا بجغرافيتها عن المركز, لكنها منجم يزخر فنا وادبا. انجبت العديد من الاسماء الكبيرة في الطب والهندسة والادب والفن ولاتزال فتية تنجب مروءة وشجاعة وكبرياء هي فعلا بعيدة عن صخب العاصمة والمناكفات والسجالات والمهاترات السياسية وهذه حسنة ” هي انموذج لعراق مصغر يعشق الحياة فتذوب فيه المسميات ولا يعلو الا صوت الوطن وتنصهر فيه الاديان وتكون مصداقا للتعايش السلمي بين الاديان بعدما غابت هذه الصورة وتلاشت في معظم المدن وذهب حياء البعض واصبحت الناس شتاتا ممزقة وعز فيها الصديق, وتقطعت اوصال النسيج العراقي الذي تجاوز عمره قياسات الزمن وبدأت اوهن من بيتش العنكبوت وبات الجيران عدوانا وكل اتخذ له مدينة وانفرط عقد الاخوة وفسخ عقد الزواج وتيتم الاطفال وابعدوا عن ذويهم انها حرب طائفية وعرقية لا هوادة فيها انها أكذوبة صدقها السذج وسار معها البعض، فاضطرت معظم الاديان الى مغادرة بلدها حفاظا على ابنائها اولا ومن ثم امولها وحريته تعبدها الا ان في ميسان صورة اخرى ومشهدا مغايرا فلا غرابة عندما يصدح صوت الاذان العلوي لصلاة الجمعة وعلى بعد ( 10 ) امتارا ان لم اقل- اقل ” فقط ” يصدح صوت الاذان السني ويعلو صوت خطيب الجمعة السني ويجهر بخطبته و بصلاته دونما خوفا يعتريه او شكوكا بخطر ما عليه، لان ابواب الجامع بدون حراسة ولماذا تكون الحراسة؟. وفي الجهة الاخرى يتعالى صوت الجمعة للخطيب الشيعي يدعو الى الوحدة ونبذة الطائفية فتعانق هذه الاصوات وتمتزج لتكون صوتا ولحنا واحدا تعرج الى السماء ينتظرها الملائكة فيسرعون بها حيث الحاكم العادل. فتلك صورة المسلمين وقد لا يبدو فيها شيئا غريبا ولكن عندما تقرع اجراس كنيسة ام الاحزان في وسط العمارة وترى المسلمات قبل الراهبات يتجمهرن على ابواب الكنيسة ويحملن عضن الزيتون ويقومن بوضع الحنا لتزين الباب والتبرك بالعذراء مريم :ع: ويشاركن الراهبات في صلاتهن ويبارك الرجال المسلمون اخوتهم المسيحيون بعضهم البعض في اعياد الميلاد , فتلك صورة لا تضاهيها صورة وعندما تجد المسيحي ينصب مئتماً ويقيم موكبا لعزاء الامام الحسين “ع” فاعلم انك في ميسان وتلك من صور التعايش السلمي, وما اقول في مرقد نبي الله العزير “ع” نبي اليهود الذي لايزال مزاره شامخا يعانق السماء وافئدة المسلمين “الشيعة” من جيرانه تنجذب نحوه. والى ضفاف دجلة حيث الصورة ادق وصفا واصدق قولا انها صورة حضارية واقعية وليست من خيال الكاتب لا سامح الله انها صورة التعايش السلمي الذي لا يستطيع هذا القلم العاجز ان يصفها فعلا عند ما تصل ضفاف النهر ترى ما ترى من جموع غفيرة وثياب بيضاء وسط النهر تتطهر وتتبرك بماء دجلة الخالد المبارك في يوم عيد الخليقة “البنجة” لشركائنا في الوطن انهم الصابئة المندائيون هم اساس المحافظة وهم من سكانها الاصلاء انهم عبق التاريخ وهم يتعبدون على الشواطئ الدافئة وينزعون الغل وبهذا الماء الجاري الذي هو عنوان الحياة وسر بقائها فترى (الاديان) شيعة كانوا ام سنة مسيحيون وصابئة فئات ومؤسسات افراد رجالا ونساء واطفال يتسابقون يلتقطون الصور لتعج وسائل التواصل الاجتماعي وتنقل بالمباشر هذه المراسيم وهي اكبر من ان تكون مجرد ذكرى لالتقاط الصور انها فعلا واقع الحال فهذا المنظر الملائكي الابيض التعبدي صورة يرسلها اصحاب هذا الدين من هذه المدينة الصغيرة الجامعة للأديان. الى من اراد ان يزرع التفرقة للذين في قلوبهم مرض بان العراق لن يعود لسابق عهده فتلك صورة تجيبه بانك مخطئ وانك ترى بعين واحدة واذا كانت هذه الصورة غائبة في منطقة ما فان غيابها لن يدوم طويلا.