سمعت الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية يقول بالأمس:عاصمة العروبة الجريحة التي قاست الأمرين على أيدي زمرة من أبنائها مدفوعين من أطراف خارجية.
بهذا القول وبهذه الكلمات خاطب سمو الأمير سعود الفيصل أعضاء مجلس الشورى السعودي في 31 فبراير 2015,وهي كلمات تُكلم وتدمي القلب , على الخص حين ينطقها مسئول عربي كبير جار للعراق , وتدمع لها العيون إذ تصدر من أحد قامات السعودية, وأعرق وأقدم وزراء الخارجية العرب, عاش مراحل مختلفة من حياته العملية مطلعاً على ملفات كبيرة وكثيرة من بينها الملف العراقي ,الذي ظل يتداول ويتنقل بين مختلف العواصم العربية والإقليمية والدولية, طيلة 35 عاماً بين 1980 ولغاية كتابة هذه المقالة..
ماقاله وزير الخارجية السعودي بالأمس هو مراراة سنوات طويلة عاشها الوزير- بحكم عمله – في مراقبة ومتابعة السلوك الإيراني في العراق ومنطقة الخليج العربي منذ 2003 – عام إحتلال العراق- ولحد هذه اللحظة, ولم يشيء الوزير طيلة هذه الفترة أن يتحدث بهذه الصراحة وهذا الوضوح..والسؤال الذي نضعه هنا, هو لماذا تمسكت السعودية بدبلوماسيتها الهادئة المبنيّة على التعامل مع الملفات العربية والخليجية بالرويّة والحنّكة وعدم التّسرع في إتخاذ القرار , أو البناء المسبق للإحكام دون دراسة أو تمحيص, فيما اصبحت اليوم تجاهر فيما تريد قوله , بل وأصبحت تفعل ماتقول دون تردد ؟
(1)
المملكة العربية السعودية دولة كبيرة في المساحة , والتأريخ, والإلهام الديني المستند على وجود الحرمين الشريفين فيها, وفي باطن أرضها أكبر إحتياطي للنفط في العالم, منها خرجت الدعوة إلى الإسلام, وفيها ولد
عاش وبُعث ومات نبيّ الرحمة محمد صل الله عليه وسلم, وصحبه الكرام الذين علموا أكثر من مليار ونصف مسلم على سطح هذه الأرض الدين الحنيف , وسنّة النبي المرسل.
(2)
دولة بمثل هذه المعايير الربانيّة , لايمكن أن تكون دولة عادية , أو طرفية, أو تقبل العيش على الهامش, وترضى بأن تكون مجرد رقم في تعداد أمم العالم, لذلك أختارت لنفسها خطاً, سياسياً واقتصادياً يتناسق مع هذه المعطيات ويصبو إلى تجسيد مباديء وقيم الدين الإسلامي ولايمكن لها أن تبتعد عن الأطر التي صاغها مؤسس الدولة والأب لكل الملوك أصحاب الجلالة, المغفور له عبد العزيزبن عبد الرحمن آل سعود, ومن خلفه أبناءه الذين أضافوا إلى التأريخ السعودي ومن خلفه الخليجي والعربي نوراً يشع في كل أرجاء المعمورة.
(3)
لن أطيل وسأبدأ منذ عام 1980 حيث أشتعلت الحرب العراقية الإيرانية وتكفل العراق بالتصدي للمشروع الإيراني ,الذي أرسى أسسه الخميني والقاضي بتصدير الثورة الإسلامية إلى الدول الخليجية والعربية, حين طرح مقولة (أن طريق تحرير القدس يمر من كربلاء ومكة المكرمة),وقد وقفت المملكة العربية السعودية وشقيقاتها الدول الخليجية الأخرى إلى جانب العراق,ودعمته بالمال والسلاح والرجال ,فضلاً عن الإسناد المعنوي والسياسي والدبلوماسي, وكان جلالة الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله داعماً ومسانداً للعراق في حربه ضد نظام ملالي طهران, وبعد وفاته عام 1982, تولى الحكم من بعده الملك فهد بن عبد العزيز , حيث أتسع حجم التعاون العراقي- السعودي إلى مستويات كبيرة ومهمة, وكانت العلاقات العراقية – السعودية نموذجاً يصلح أن يقتدى به في العلاقات العربية .
(4)
خلال الأزمة التي سبقت إحتلال العراق للكويت لعبت السعودية دوراً بارزاً لحل الأزمة , وأحتضنت إجتماعاً عراقياً- كويتياً لم يثمر, ومن ثم ساهمت في تحرير الكويت من الإحتلال , ثم حاولت مساعدة الشعب العراقي في محنة الحصار, إلا أن الظرف الإقليمي والدولي لم يكن مهيئاً لتقبل إعادة العراق للعالم مجدداً,وفي ظل تصاعد أزمة المفتشين الدوليين عن السلاح العراقي, وقرع طبول الحرب الأمريكية بحجة مكافحة الإرهاب, حاولت المملكة إنقاذ العراق والمنطقة من الاحتلال وإسقاط نظامه , إلا أن التعنت الأمريكي لم يكن يرغب بالحل السلمي وفضل أستخدام القوة واحتلال العراق عام 2003.
(5)
وبإحتلال العراق بدأت مرحلة تماهي أمريكي مقصودة تجاه النشاط الإيراني , مع حل الجيش والأجهزة الأمنية العراقية, ومع أشتداد المقاومة السنيّة, , أصبحت الساحة خالية تماماً لإيران وحرسها الثوري وعملائها الذين تسيّدوا المشهد بعد أن أعطاهم الدستور الذي كتبته الأحزاب الشيعية- بغياب كامل للسنّة المقاطعين للعملية السياسية الجديدة – حق الحكم على أساس أنهم يمثلون الأغلبية,وحينها شعرت السعودية بالخطر, وتدخلت مرات ومرات لدى الولايات المتحدة مستغلةٍ حجم العلاقة بين البلدين, إلا أنها كانت تواجه كل مرة برفض أمريكي – عراقي- إيراني مركب , يرفض أي نشاط سعودي لصالح العراق, وكانت تكاّل لها التهم في كل مرة تعلن موقفاً لصالح الشعب العراقي, فقد أتهمت مراراً وتكراراً بدعم الإرهاب,ومرات بالتدخل بالشئون العراقية الداخلية,وبالإنحياز الطائفي لصالح السنة.
وكلنا نتذكر مبادرات الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله ,في جمع الأطراف العراقية لتوقيع إتفاقية شرف لعصمة الدم العراقي – إتفاقية مكة 2007-, ومن ثم محاولة المغفور له الملك عبدالله جمع الأطراف العراقية المتصارعة لحل عقدة تشكيل الحكومة العراقية بعد تعسر تشكيلها آثر إنتخابات 2010.
(6)
وحين أستشعر الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز خطورة إحتلال مدن العراق من قبل تنظيم داعش الإرهابي 2014, نجح في إقناع دول العالم بتشكيل تحالف دولي ضّم لحد الآن أكثر من 60 دولة لمواجهة مخاطر الإرهاب بكل أشكاله. ومن ثم تبرعت المملكة بمبلغ (500) مليون دولار أمريكي لمساعدة النازحين والمهجرين العراقيين, دون تمييز بين عربي وكردي, أوسني وشيعي ومسيحي ويزيدي,وسلم المبلغ للأمم المتحدة لضمان وصوله للمحتاجين بكل شفافية.
(7)
ومنذ إستلام جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز– حفظه الله مقاليد الحكم في 3 ربيع الثاني 1436 هـ الموافق 23 يناير 2015م لوفاة المغفور له الملك عبدالله, حصل تغيير دراماتيكي كبير ومؤثر في السياسية الخارجية السعودية في إطارها الإقليمي والدولي,تمثل بالتعامل بحزم مع مشاكل العرب والإقليم .. فالملك سلمان كما أتضح من سياسته في المجال الخارجي ؛ يملك رؤيا جسورة في كيفية التعامل مع الملفات المعقدة, بما فيها الملف العراقي, والسوري واللبناني واليمني, فخلال ساعات معدودة من تسلمه القيادة أعاد تركيب السكة الجديدة للطاقم الحكومي الذي سيسهر لاحقاً على تنفيذ الرؤيا والقرارات السعودية التي سيكون لها صدى في أرجاء الكون, كما حرص على إعادة تشكيل الوضع الإقليمي والدولي بما يتوافق مع طموحات الجماهير العربية والإسلامية وبمايحقق الوحدة والأمن والسلام للشعوب المقهورة والمظلومة والتي تعاني من الإحتلال الأيراني في لبنان وسوريا والعراق واليمن, بعد أن وجد أن الكبار في العالم منشغلون بمشاكلهم وهمومهم , وأن الجرح لايؤلم إلا من به ألم.
(8)
لم ينتظر جلالة خادم الحرمين الشريفين وأخوانه في الحكومة السعودية وزعماء الدول الشقيقة كثيراً على التجاوزات الإيرانية في المنطقة, وكانت
البداية في اليمن, حيث فاجأت السعودية وأشقائها في الخليج بقيادة تحالف ضمّ مصر والأردن والمغرب, لوقف التطاول الإيراني عند حدوده – ولمرات عديدة كانت السعودية عبر ملكها ووزرائه تقول لإيران أن للصبر حدوداً, وأن حدود الإحتمال فاقت قدرة وصبر أيوب- وكان الطرف الأخر يظن جهلاً , أنه ضعف ووهن , وأن العربية السعودية ليست قادرة على التدخل , ولكنها هذه المرة تدخلت وأفشلت مشروع إيران وعملائهم الحوثيون وأبطلت سحر علي عبدالله صالح, ثم قالت أن هذا الحلف لن يتوقف عند حدود اليمن.
(9)
لقد كانت ساعات الفجر الأولى ليوم 5جمادي 2 الموافق 26 مارس 2015, فتح جديد من الفتوحات العربية والإسلامية التي نشر فيها العرب المسلمون , الصين شرقاً و فرنسا غرباً, لقد أعادت عاصفة الحزم المباركة للعرب معاني الإباء والنخوة التي غابت عنهم منذ سنوات طوال تحت ذّل الخضوع للإحتلالات والإعتداءات المستمرة من قبل أطراف إقليمية ودولية, وأعادت صياغة حلف عربي جديد قادر على كسر روح الخنوع الذي لازم العرب منذ أعوام مديدة , وهللّت لفتح جديد يقلب الطاولة على من أراد بالعرب والمسلمين سوءاً, وجعلتنا نرفع رؤوسنا عالياً إلى قمم الجبال لنقول للكل , ها نحن نعيد أمجاد نبيّ الأمة الأمين محمد صل الله عليه وسلم , ومجد صحبه الكرام أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص, وخالد أبن الوليد (رضوان الله عليهم أجمعين), وكل من قاتل فارس وحطم كبريائها وأذل كسراها وهدم مجدها وأطفأ نارها.
نعم أعاد الملك سلمان وأشقائه الخليجين والعرب كتابة التقويم الجديد للعرب والمسلمين في 26 مارس 2015,والذي سيكون له حتماً تداعيات كبرى,وستكون له إستحقاقات أكبر لصالح الشعوب المظلومة والمستضعفة( على حد قول الطغمة الحاكمة في بلاد فارس ) في العراق وسوريا ولبنان, وباقي شعوب المنطقة.
اللهم أنصر جيوش العرب التي توحدت لنصرة أهل اليمن , أللهم أحفظ ملوكها وزعمائها الذين أجتمعوا على كلمة سواء لقول الحق ونصرة الحق.