19 ديسمبر، 2024 9:20 ص

عالمنا يتفتت بفعل الصغار

عالمنا يتفتت بفعل الصغار

ثلاثة رؤساء من التحالف المشبوه الذي يهاجم اليمن اليوم اتفقوا وبشكل غريب على موقف واحد يدعي خطورة سيطرة الحوثيين على اليمن؛ في ظاهرة لا يمكن تكررها عن طريق المصادفة مطلقا، بمعنى أنه لابد وان تكون هناك توجهات دينية وأخرى عامة مشتركة تجمعهم وتوحد رؤاهم في هدف واحد، وهذا الهدف جاء نتيجة تخطيط واتفاق مسبق للقيام بعمل ما ذا غطاء عام وهدف خاص محوره الوقوف بوجه ما يعرف بـ(الهلال الشيعي).

وإلا ما تأثير حكم الحوثيين لليمن على المنطقة وعلى العالم؟ وما القدرات التي تملكها اليمن لتنجح في التأثير حتى في داخل اليمن؛ وهي بلد يعيش على المساعدات، ونسبة الفقر فيه غالبة على مجموع السكان؟ هذا بدوره يعني أن تلك الأطراف تخاف من عقيدة الحوثيين، لا من قدراتهم العسكرية والاقتصادية. وهي حالة عشناها بعد التغيير في العراق عام 2003 حينما فز الملك الأردني مذعورا فركب طائرته وتوجه إلى الرئيس الأمريكي بوش، يحذره من خطر ولادة الهلال الشيعي، هذا الهلال الذي يشكل عقدة للأنظمة الطائفية في الوطن العربي.

هؤلاء الرؤساء هم الملك السعودي، عرّاب الطائفية في العالم، الذي قال: “إن تحرك الحوثيين يهدد أمن المنطقة كلها”

والرئيس المصري، الذي قال: “الأوضاع في اليمن وصلت حد النيل من أمننا المشترك”

وأمير الكويت، الذي قال: “سيطرة الحوثيين على مفاصل اليمن تهدد أمننا”

الرابط المشترك بين هذه الأقوال هو اجترار فكرة واحدة تتحدث عن تهديد الحوثيين لأمن البلدان العربية، أو بلدانا عربية بعينها. فماذا يعني ذلك؟ لماذا تتخوف الأنظمة الرجعية العربية من سيطرة الحوثيين على اليمن، وهم أدرى من غيرهم بإمكانيات وقدرات هذا البلد؟ لو لم يكون الموضوع طائفيا بحتا.! وهذا يعني بدوره أن الخوف من التشيع الذي زرعه بعض الشيوخ العملاء الجهلة في النفوس، أو ما يمكن أن نطلق عليه بامتياز اسم (فوبيا التشيع) هو القاسم المشترك بين هذه البلدان التي رضخت شعوبها لهم دون معارضة تذكر، والتي كانت ولا زالت تشن هجمات منظمة في وسائل الإعلام والمساجد وفي المناسبات الدينية وخطب الجمعة والأعياد، وحتى في المدارس والجامعات على التشيع ورموزه، وتحذر من خطره الكبير، الذي يعتقدون انه يهدد أمنهم ووجودهم، وهذه النقطة بالذات أي تهديد الوجود هي التي كانت محور تصريحاتهم.!

وهنا قد نجد من يعترض على هذا الطرح باعتبار أن هناك دولا لا علاقة لها بما يدور بين الشيعة والسنة، أيدت الحرب على الحوثيين، وهذا لا يعتبر مقياسا علميا لأسباب كثيرة:

أولها: أن جميع البلدان التي أيدت الحرب تفيد من الصراع الديني داخل الإسلام وهي من المشجعين عليه والداعمين له، وبالتالي تأتي الحرب فرصة لتحقق لهم ما يحلمون به دون بذل أي عناء.

ثانيا: أن الموقف العام من حركة الحوثيين ومن تحرك التحالف الرجعي المتمثل بشن عدوان جوي موسع لم يكن بشكل واحد، وإنما كان بين: مؤيد، ومعارض، ومحايد، ومنتقد، وساكت! واختلاف الآراء بشأنه بهذا الشكل يعني أن هناك مؤثرات خاصة جعلت كل واحد من هذه الأطراف يختار موقفه المعلن، ولا نستبعد وجود مواقف رافضة لدي البعض تتعارض مع مواقفهم المعلنة، لا يعلنون عنها لأسباب خاصة.

أما الموقف المؤيد ففضلا عن أمريكا وبريطانيا وفرنسا وتركيا وإسرائيل وهي الدول المسؤولة عن الفوضى في المنطقة؛ تمثله الأطراف الرئيسية المشتركة في التحالف المشبوه وهي: السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين والأردن والمغرب ومصر والسودان.

وخمس من أصل سبع من هذه الدول هي أنظمة أسرية وراثية من مخلفات العصور المظلمة، فضلا عن توجهها الطائفي المعروف، وقد ثبت للعالم كله دعمها لكافة أنواع الإرهاب ضد الشيعة لا في الوطن العربي فحسب وإنما في العالم كله. فالسعودية كانت ولا زالت تشن الهجمات على التشيع وتكفر الشيعة. وبالنسبة للكويت لا زال العالم يتذكر خطبة الدكتور العجمي الذي كان يتلذذ برواية ذبح سيد شيعي مع عائلته في سوريا، ويتذكر أقوال النواب الطائفيين في البرلمان الكويتي. قطر والإمارات لهما اليد الطولى في دعم الإرهاب التكفيري الطائفي في العراق، وهناك مئات الأدلة على تورطهم في ذبح الشيعة. البحرين لا زال نظامها الملكي الوراثي يذبح الشيعة منذ سنين ويعمل اليوم على تغيير الخارطة السكانية (ديموغرافية البلاد) من خلال استيراد مواطنين سنة من بلدان عربية وأعجمية ليحول الشيعة إلى أقلية لا حق لهم. الأردن الذي يبنى فكرة الخوف من الهلال الشيعي، وكان ولا زال من اكبر الداعمين للإرهاب في العراق من خلال القيادات التي صدرها للعراق مثل الزرقاوي والمقدسي وعددا كبيرا من الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم في مناطق شيعية. المغرب بالرغم من بعده عنا إلا أن سطوة الملك دفعت الشباب للانتماء إلى التنظيمات الإسلامية المتطرفة كرد فعل على حالة القهر التي يعيشونها، فأصبح مفقسا للإرهاب، فضلا عن ارتباطات الحكومة والملك بالماسونية العالمية التي يهمها استعار الحرب بين الشيعة والسنة. أما مصر فهي صيادة فرص وعلى استعداد لأن تنادي من يتزوج أمها: (عمي) حتى لو كان الشيطان، وأما السودان الذي يهيمن عليه رئيس مطلوب دوليا فهو يبحث عن أي فرصة يراها تخفف الضغط الدولي عليه، والضغط الدولي كما هو معروف لم يكن في أي يوم موقفا استراتيجيا ثابتا إلا في نقطة واحدة وهي كل ما يخص أمن إسرائيل، بل إن تقييم مواقف الدول وتنزيه أو إدانة هذه المواقف يعتمد على درجة إفادتها أو تهديدها لإسرائيل، وكل موقف مفيد يحضى صاحبة برضا الكبار، أما خلاف ذلك فلا يحصل إلا على النكد والمؤامرات والتضييق، ومن هنا جاء موقف الرئيس السوداني، ومن المؤكد انه سيحضى بفرصة

جيدة إكراما لهذا الموقف فلا يعود مهددا للأمن الدولي أو مطلوبا بجرائم إبادة جماعية، بل يتحول إلى قديس مدافع عن حق الإنسان.

وللأسف كانت السلطة الفلسطينية؛ التي كانت قضيتها ولا زالت من أكبر اهتمامات دول الممانعة العربية وإيران؛ بعيدة عن كل التوقعات التي كان أضعفها أن تسكت ولا تتدخل، ولكننا نجدها تعرب عن دعمها اللامحدود لقرار الحرب والدول المشاركة فيها.

وكما هو متوقع كان ما يعرف باسم (الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة) هذا الائتلاف الذي تسبب بمقتل مئات الألوف من السوريين الأبرياء وتشريد الملايين وتخريب البلد وتدمير بناه التحتية واقتصاده وحضارته؛ من أشد المؤيدين والداعمين للحرب.

وكان ما يعرف باسم (اتحاد العشائر العربية العراقية)، وهي العشائر المتعاونة مع داعش والتي ينتمي أغلب شبابها إلى التنظيم من المؤيدين للعدوان خلافا لباقي المكونات العراقية، بل إن أحدهم وهو علي حاتم سليمان قد طالب السعودية بالتدخل الفوري لضرب العراق وإسقاط نظام الحكم فيه.

أما باكستان التي طلبت منها السعودية الإسهام في الحرب فإنها وإن لم تشترك فعلا بسلاحها الجوي إلى الآن، إلا أنها يمكن أن تتدخل في أي لحظة لأنها بحاجة إلى الدعم غير المحدود الذي تقدمه لها السعودية، وهذا ما تبين من قول رئيس وزرائها نواز شريف: “إن أي تهديد لسلامة السعودية سيثير ردا قويا من باكستان”، وهو تهديد مغلف مطاط قابل للتأويل ولا يمكن حصره في زاوية واحدة.

أما تأييد بعض المنظمات والأحزاب الدينية للحرب على اليمن فهو الآخر جاء ليثبت طائفية هذه الحرب بامتياز، فمن بين مئات الأحزاب والجماعات الدينية الموجودة، كانت (داعش) من المؤيدين بشدة لضرب الحوثيين (الرافضة) كما تسميهم.

ومثلها أيدت (جماعة الإخوان المسلمين) في الأردن ومصر وسوريا ضرب الحوثيين مدعية أنه لا يحق للحوثيين(الرافضة) فرض وصايتهم على (25) مليون يمني.

أما (منظمة التعاون الإسلامي) فقد أيدت ودعمت الحرب بكل وضوح لنفس السبب الذي دفع داعش والإخوان إلى تأييدها.!

أما ما تعرف باسم (هيئة كبار العلماء في السعودية) وهي الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن دعم الإرهاب في العالم وتمويل المنظمات التكفيرية، والحث على العنف والتطرف، فلم تكتفي بتأييد الحرب ضد (الرافضة)، وإنما تحاول جعلها حربا عالمية من خلال الدعوات المتكررة التي توجهها إلى الجماعات الإسلامية المؤيدة لها الموجودة في كافة دول العالم.

ومن خلال هذه الجولة السريعة نعرف نوعية المساهمين والمؤيدين للحرب، وكيف أنهم يجتمعون على هدف براغماتي من نوع جديد فرضته عليهم طائفيتهم وحساسيتهم.

أما بالنسبة للجماعات المنتقدة للحرب، فقبالة هؤلاء هناك بعض الجهات اكتفت بانتقاد شن التحالف المشبوه الحرب على اليمن. وكان لاتحاد الأوروبي أحد هؤلاء النتقدين. لكن هذا لم يمنع أكبر دولتين أوربيتين هما بريطانيا وفرنسا من دعم الحرب بشكل فعلي.

القسم الثالث هي الجبهة المعارضة، إذ جوبهت العمليات العسكرية بمعارضة شديدة من قبل مجموعة دول، كانت إيران على رأسها لدرجة أنها وصفتها بالعدوان السعودي على اليمن، وطالبت بوقف العمليات الحربية فورا.

كما كان العراق الذي عانى ويلات الحرب على مدى أكثر من خمسة عقود من المعارضين للعمليات العسكرية.

أما سوريا التي كانت ولا زالت تتعرض إلى عدوان دولي وعربي على مدى أكثر من أربع سنوات فهي الأخرى عارضت العملية، وأدانتها، ووصفتها بالعدوان السافر.

الجزائر بدورها؛ بعد الجرائم الكبرى التي ارتكبها تنظيم القاعدة والجماعات التكفيرية المتطرفة المدعومة بشكل مباشر من السعودية ودويلات الخليج على أرضها والتي أدت إلى استشهاد مجموعة كبيرة من المواطنين الأبرياء؛ عارضت وأدانت العملية، وأعلن وزير خارجيتها خلال الاجتماع الوزاري لجامعة الدول العربية بشرم الشيخ أنها لن تشارك في هذه العملية، معتبرة أن الحوثيين يشكلون طرفا أساسيا في المعادلة السياسية اليمنية، وبالتالي لا يمكن تجاهلهم أو تجاهل طلباتهم.

ومن خارج الوطن العربي كانت الصين قد أعربت عن معارضتها للعمليات العسكرية، وأدانتها، وطالبت بحل النزاع عن طريق الحوار.

فضلا عن ذلك هناك قسم آخر اكتفى بالتحفظ، فبالرغم من الموقف الروسي المعارض للحرب إلا أنه يبدوا متحفظا أكثر منه رافضا، ولذا طالبت بوقف العمليات العسكرية وأعلنت استعدادها للإسهام في تسوية الأزمة.

إن هذا التنوع يدل على أن السياسة العالمية والمواقف عامة، تخضع لاعتبارات لا يمكن للأدمغة المجبولة على التقليد والكارهة للابتكار أن تفهمها وتستوعبها، وبالتالي يبقى موضوع الحرب على اليمن مشروعا عبثيا فوضويا بكل ما للكلمة من معنى، تم اتخاذه تحت مؤثرات طائفية لا علاقة لها بمصالح شعوب البلدان المعنية به بما فيها اليمن. وسيتحول على المدى البعيد إلى كارثة تحيق بالدول المشاركة فيه، حيث ستتأجج روح المعارضة داخل الأسر الحاكمة في السعودية والبحرين والكويت وحتى الإمارات وقطر، وسيؤدي هذا الخلاف إلى حدوث انشقاقات داخل تلك النظم يؤدي إما إلى تفتتها وتقسيمها أو يؤدي إلى نشوب حروب بينية تنهك جميع الأطراف. ويعني هذا أن قرار الحرب على اليمن جاء ليحرق المنطقة وسيتسبب حريقه في تغيير سياسي كبير لا تحمد نتائجه.

أحدث المقالات

أحدث المقالات