18 ديسمبر، 2024 11:56 م

من سرق تاريخ مبنى البهو في مدينة الناصرية

من سرق تاريخ مبنى البهو في مدينة الناصرية

ان مبنى البهو الذي كان يسمى قاعة الشعب عند انشاءه في مدينة الناصرية ابان مرحلة حكم الزعيم قاسم في مطلع الستينات …  ينفرد بملامح جعلته يتميز عن باقي الابنية المتداولة و التقليدية فقد طغى عليه عنصر القوس تماشيا مع فكرة المضيف المنتشر في مناطق الجنوب و قد برع المصمم المعماري حينما جعل هذا المبنى يحاكي الريازة التراثية للمضيف في جميع تفاصيله و قد نجح أيما نجاح حيث انطلق في التصميم جاعلا المضيف حاضرا في كل دقيقة و قد تفنن في خلق واجهة تتسق مع ملامح المضيف لهذا فقد أسبغ على الواجهة كل ما من شأنه ان يجعل فكرة المضيف حاضرة و حية علاوة
 على صقلها و تهذيبها دون السماح للحداثة من الطغيان المطلق و منع الفكرة الحديثة للتصميم من إلغاء مفردات المضيف العربي بل جعلها تسير بموازاته مما أضفى عليها طابعا سحريا و اذا لم نكن لنتحسسه تلك الفترة لاننا ولدنا ووجدنا البهو قائما و زاخرا و حاضرا بين ظهرانينا … و لكن بعد ان افتقدنا تلك اللمسات المؤثرة أحسسنا بضياعه و هذا يعني ضياع جزء من تاريخنا … حيث اشتملت الواجهة على عنصر هندسي و هو ما يسمى (القطع المكافيء) و هو يحتضن نصف دائرة غائرة الى الارض تمد جزءا من نسبتها و تلتقي مع اطراف القطع المكافيء و تضم بين طياتها قوائما شاخصة
 تمثلت بعدد من الـ (اللوفرز) و هي تماثل (الشبات) في المضيف علاوة على الجزء النافذ و الشفاف الذي اشتمل على عدد من الفتحات الدائرية و التي تركزت فلسفتها على حالة الترحاب الدائمة للمضيف و اهله في استقبال القادمين اليه اي ان عنصر القوس و الدائرة تكرر في جميع مشاهد التصميم علما ان فكرة القطع المكافيء لم تتكرر في العراق إلاّ في تحفتين معماريتين هما مبنى البهو في الناصرية و نصب الجندي المجهول السابق في بغداد الذي كان قائما و شامخا في ساحة الفردوس في شارع السعدون مجاورا لمجمع فنادق الشيراتون و الميريديان قبل تحطيمه و الانقضاض عليه من قبل
 اعداء النور و الرُقي و الانسانية في عهود الظلم و الاستبداد و لهذا اقول و بعد ان اطلعت على التصاميم الاخيرة بعد احداث 2003 و ما قام به المهندسون الحاذقون من محاولة اعادته الى سابق عهده ووجدتها رائعة و غنية … و لكن للاسف فان الايادي الاثيمة التي آثرت ان لاتترك موبقة إلاّ و اجترأتها و لم تكن فعلتهم أقل ظلاما و سوادا و عتمة مما قامت به عصابات داعش في محاولة سلخ قِدم التاريخ من وجود العراق بالقضاء على البقية المتبقية من الاثار النفيسة … لهذا ركن المقاول الذي عُهدت اليه الامانة بالتحالف مع الايادي السيئة للمهندسين و المسؤولين غير
 النظيفين بالتحايل على اصل التصاميم و الغاءها و التعويض عنها بواجهة صماء ليس فيها إلاّ عنصر التزجيج و مادة الالمنيوم اللماع و اختزال تلك الواجهة العملاقة بهذا الشيء الرتيب الفاقد لابسط معاني و قواعد و احاسيس العمارة  من اجل ارضاء نزواتهم في الجشع اللامشروع في اكتناز الاموال الطائلة بدون وجه حق … و لهذا فان على الشرفاء و الايادي الخيرة متابعة هذا الموضوع و كشف ملفاته الغامضة و من كان يقف وراءه …