كتبتها بعد أن قرات خبرا مقتضبا في موقع إلكتروني :
قدم تجر الخطوات جر وتستند على ارض المسير بعكازة من خشب البلوط الاسمر مثل سمرة شمس تغيب فوق شراع تائه .. تمشي ام منير على حصيات مستديرة كدوران ايامها القاحلة ,, ناعمة ومنزلقة لكنها جارحة ,, تتوكأ (ذات الغرة المشوبة بابيضاض كذلك اللون الذي يشوب عناقيد العنب اليافعة النضوج في مزرعة مركونة فوق تلال بعيدة ) على مساحات الاسفلت الخالية الرأفة وحفرها المتقزمة تجعل من خطواتها اثقل مع هذه العكازة المكسورة الجناح ..
بضع امتار وجدتها ام منير وكأنها اميال محروقة الاصوات ولا يوجد الا بوح واحد هو تلك النتيجة التي عاشت من اجل تحصيلها فظلت تمشي الهوينة إلى ان وصلت لذاك الشاب الموجود باخر الشارع .. كان الباب مشرعا وبضع اقدام مغادرة وقادمة عبره ، فدخلت الى المحل وسالت صاحبه بعد السلام ..
مرحبا يا بني ..
اهلا بك يا خالتي تفضلي.. بماذا اخدمك ..
اريد ان اسال عن نتيجة ولدي ونسبته .. في امتحانات الكبلوريا لهذه السنة ..
حاضر كم رقمه واسمه …
اعطته الام الاسم ورقمه بالمدرسه .. ادخل الشاب الاسم .. وبعد هنيهة ..
قال الشاب بوجه مبتسم : مبروك يا خاله ابنك ناجح ونسبته عاليه
كانت تعلم يقينا بان ولدها الحبيب سيحصل على مؤهل يدخله الهندسة وكيف لا وقلب الام ميزان حق يصنع بدقاته الرجال ..
قالت الام بلهفه : وهل يدخله المعدل كلية الهندسة ؟؟
قال الشاب نعم بالتاكيد ..
هنا بدأت بُرق الامطار تتساقط لكنه هطول من نوع اخر لا يعلمه الا قلب محب افنى العمر في سداد الوفاء والخير لمحبوبه انه قلب الام الذي لايعرف الا البكاء المفرح والفرح الباكي .. لقد اجهشت بالبكاء هذه الام مما اثار اندهاش الشاب وقال هل تبكين ياخالة من الفرح ؟
فاجابته بنفس تلك الدموع التي ثكلتها قبل مدة وقالت لا بل ابكي من شدة الحزن لقد كان حلم ابني ان يدرس الهندسة وقد حقق الله حلمه والحمد لله ..
قال الشاب : الاولى بك ان تفرحي لان ابنك سيدرس الهندسة ؟؟
كان ثقل الكلمات يخيم على شهقاتها وبين الفينة والاخرى تسترد صمتها المطبق على احرف الحنين وهي تمني نفسها بسلوى من فقد اثمن مامنحته الحياة الابدية ..
قالت : كان ابني يمني النفس ان يبني بيتنا هو بنفسه بعد ان يتخرج ..
ولم تملك ام منير الا بعض من سلوتها في ايام ضاعت حلاوتها واصبح العلقم رديف الارض والسماء وعادت بنشيج بلل اطباق الجفون بملح صخري قاس ..
عادت تبكي من جديد .. قال الشاب لقد قطعتي قلبي ببكاءك يا خاله ..
سيدرس ابنك الهندسه وسيبني لكم البيت ..
هنا توقف دوران الارض واصبح سراب الساعات مجرد وهم في عينيها كيف لا وكل ايام ابنها صارت ذرو في مقبرة المدينة فكيف سيبنيه وهو قد فارقها منذ ايام ؟؟
طافت بزاوية عينيها دمعة عصية النزول وكانها حالة اعلان مدفوعة الثمن .. لقد سقط منير شهيدا في تفجيرات حمص علي ايدي القتلة المجرمين .
ترك منير حلمه وراءه وترك امه تأن لبعده انين الطير الجريح فلا جناحه يعينه على الفرار من الالم ولا اللحاق بالابن الغالي ينقذها من اساها ,,
لكن هذا هي نتيجته في الامتحان تنادي امه من خلف اسوار الشهادة .. اصبري يا اماه فقد بنى لي الله قصرا هو اثمن من الدنيا وطوبها المعفر بالفناء ..