إستثمار النساء بأساليب أقرب الى التوحش، في أسطورة الماضي الموؤد، وسخونة الدموع، وصراخ الأيتام، كانت مشاهد مؤلمة، أوجعت القلوب، وأحزنت النفوس، أيام الجاهلية الحمقاء، فأكثر الأشياء ألماً، حينما تريد أن تشكو لميت، بما يفعله الأحياء في عالم اليوم، من قساوة وإنحطاط، وإبتذال وإستهانة، بمكانة المرأة وقداستها.
سأل أحد الرجال الإنكليز شيخاً مسلماً: لماذا لا تسلم المرأة المسلمة على الرجال كلهم؟ فرد الشيخ قائلاً: هل يستطيع أحدكم، أن يسلم على الملكة، التي تحكمكم في بريطانيا؟ فقال الإنكليزي: هناك قانون يحدد سبعة أصناف من الناس، يجيز لهم ذلك، فرد الشيخ قائلاً: ونحن كذلك عندنا أحد عشر صنفاً يجوز لهم ذلك، وهم (الأب والأخ والجد والزوج ووالد الزوج ووالد الزوجة وأبن الأخ وأبن الأخت وأبن الأبن وأبن البنت) فهي ملكة، ولها حاشية تسلم عليها، أما ما تبقى منهم فهم عامة الشعب.
لقد كانت المرأة وما زالت، بحيرة تفيض بالخير، والعفاف ومكارم الأخلاق، تحاول ربط الخيوط، التي قطعها الفساد والإنحلال الأموي، لتفرز جيلاً مؤمناً، لم يترك بلا أسماء أو بلا تواريخ، فتربعت على قمم الجبال، وحفرت الخلود في صفحات الصبر، والإيثار والإصلاح والتحدي، وأولهم سيدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين، الصابرة الممتحنة، الراضية المرضية، الطاهرة الصديقة، المظلوم بعلها، والمقتول ولدها، إنها فاطمة الزهراء (عليها السلام).
التراث الفاطمي المفقود، المنسي عمداً وتعمداً، من قبل زمرة أصحاب السقيفة، بات واضحاً، لأنها الحقيقة التي ترفض النوم، في توابيت وقبور التافهين، والطارئين على الخلافة الإسلامية، وأحاديثهم لا تعدو كونها هذياناً، لمختلين فقدوا التوازن، لا لشيء إلا بغضاً وحقداً، على مدينة العلم وبابها، فأختبئوا في جحورهم، يحيكون المؤامرات، فجعلناهم أسفل سافلين.
أمام محكمة الإسلام العظمى، والضمير الإنساني العالمي، تنهض بضعة الرسول (عليه الصلاة والسلام وعلى آله الأطهار) لتخلد مظلوميتها، بين دفتي التأريخ الخالد، وتنشد الإرهاب الذي تعرضت له، فمرة على شكل ألم يعتصره الباب، ومرة بإحمرار من يد نجسة، ومرة بكسر ضلع لم يراه، الصديق الأكبر والفاروق الأعظم، إلا وقت رحيلها، ومرة بغصب إرثها، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد، أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.
إستشهاد الزهراء (عليها السلام) هو مسيرة حزن، ورحلة رثاء، متواصلة متلازمة، بين الإنسان والقلم النازف، لأنها عملية إنقطاع، عن الحياة في حضرة الوجود الكوني، المتمثل بشجرة طيبة، أصلها في السماء، وفروعها في الأرض، إنها فاطمة وأبوها، وبعلها وبنوها، الذين أذهب الخالق عنهم، الرجس وطهرهم تطهيراً.