من المعروف للجميع , ان العملة الرسمية في العراق هي الدينار , ولكن واقع الحال يشير ان تلك أكذوبة كبيرة لان كل شيء مقوم بسعر الدولار , والسبب بسيط جدا وهو ان اغلب ما يعتمد عليه الشعب من السلع لا يتم انتاجه في الداخل وإنما يتم استيراده من الخارج بالدولار , كما ان اغلب ايرادات العراق هي من الصادرات النفطية التي تقبض اقيامها بالدولار , وهذه الميزة ( السائدة ) شجعت الدول التي نستورد منها على بيع سلعها لتجارنا بأسعار منخفضة , لا حبا بالعراقيين وإنما للحصول على الدولار من العراق بطرق رسمية لا تشوبها شائبة , ولذلك فليس غريبا ان تجد اسعار السلع في العراق اقل من أسعارها في أسواق الدول التي نستورد منها رغم وجود نفقات تتعلق بالنقل والرسوم وإضافة ارباح للتجار , وبسبب هذه اللعبة ايضا فان الدول التي نستورد منها تحتفظ بكمية كبيرة من الكتلة النقدية العراقية , لأنها تعلم تمام العلم بأن الدينار العراقي مغطى بالعملات الاجنبية والذهب , مما يعني بأنها تمتلك جزءا من تلك العملات حتى وان تعاملت بالدينار لان الدينار العراقي من السهولة تحويله الى الدولار .
ومنذ أكثر من عشر سنوات عشنا واقعا فرضه علينا البنك المركزي العراق , تحت غطاء المحافظة على اسعار صرف الدينار العراقي وحماية المواطن من تقلبات الاسعار وتوفير احتياجات الشعب من الدولار , فقد أوجد هذا البنك مزادات بيع الدولار التي تمتد لخمسة ايام في الاسبوع , والتي بيعت من خلالها مئات المليارات من الدولارات , والبعض من هذه العملات الصعبة ذهبت بالتهريب وغسيل الاموال والبعض الآخر ذهب للتجار , وهي امور انكشف جزءا منها عند التحقيق في مبيعات البنك المركزي واستبدال ادارته , واليوم اشار محافظ المركزي العراقي السيد علي العلاق ، بوجود عمليات تهريب للعملة الصعبة إلى ألخارج , ولم يخفِ شكوكه في تورّط مصارف أهلية سبق أن قدمت مستندات مزوّرة لشراء الدولار من مزاد المركزي , وقد جاء هذا التصريح بعد ان ارتفع سعر صرف الدولار الى 1300 دينار , رغم ان سعر الصرف في البنك المركزي 1168 دينار لكل دولار في مزاد يم الثلاثاء 10 / 3 / 2015 , بمعنى ان ربح الدولار الواحد هو 132 دينار وهذا الربح لا يأتي بعرق الجبين او من المخاطرة وإنما من خلال مبادلة أوراق بأوراق .
وكرد فعل على هذه ( المهزلة ) في تبديد الثروات و ( تسمين ) الاغنياء , فقد قامت اللجنة المالية في مجلس الوزراء بإضافة المادة 50 في مشروع قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2015 , والتي تتضمن تحديد مبيعات البنك المركزي العاقي بما لا يزيد عن 75 مليون دولار يوميا ووضع ضوابط لهذه المبيعات , وقد سعى من يعنيهم الامر ممن يتحكمون بأسعار الصرف الى اخفاء الدولار من الاسواق , رغم ان هذه المادة لم تطبق الا يوم 11 / 3 , مما رفع سعر صرف الدولار في الاسواق المحلية من 1200 الى 1300 دينار وبشكل الحق ضررا بالمواطنين لان كل السلع مقومة بالدولار , كوسيلة للضغط على الجهات المعنية للعودة الى السياسات السابقة في فتح مبيعات مزاد العملات على مصاريعها , وهو ما الجأ مجلس الوزراء في جلسته العاشرة يوم الثلاثاء الماضي باتخاذ قرار للطعن في المادة 50 من قانون موازنة 2015 , وقد سوغ هذا القرار لسببين اولهما انها اضيفت من مجلس النواب من دون علم الحكومة , والثاني ان هذا التحديد يناقض قانون البنك المركزي العراقي الذي اخترعه السفير الامريكي بول بريمر المعروف بأجنداته المهدمة لمستقبل العراق .
ومن المؤكد فان الحكومة ستكسب الطعن , وقد أعلن محافظ البنك ( بالوكالة ) عن سياساته القادمة التي تتضمن الشروع في اعتماد آليات جديدة ، أهمّها تقليص الاعتماد على نافذة مزاد بيع العملات بهدف الحفاظ على إستقرار أسعار الصرف وتعزيز قيمة الدينار ، وتأمين العملة الصعبة للسوق العراقية وإتباع طريقة تدقيق مختلفة عن التي كانت سابقاً باعتماد طريقة الحوالات إلكترونياً , بدلاً من المستندات التي كانت تقدّم سابقاً من المصارف كوسيلة للمضاربة في الأسواق وجني الأرباح وإبعاد المصارف عن نشاطها الحقيقي , واتهم بعض الشركات غير المصرفية وحتى التجارية ورجال الأعمال بالتحوّل من نشاطهم إلى المضاربة بالعملة ، مستفيدين من سهولة الإجراءات والربح المضمون والسريع ، كما اصبحت هذه الأطراف غطاءً لتسهيل كثير من العمليات المتعلقة بتهريب الأموال , واعدا بتوفير حاجة البلد من النقد لتغطية نفقات المسافرين والعلاج وغيرها , ولفت الى أن حجم الاحتياط الذي يملكه المصرف المركزي يتجاوز الكتلة النقدية بمرة ونصف مرة ، ما يتيح السيطرة على العملة ولا توجد أية مخاوف من عملية بيع الدولار أمام الدينار .
وتعني هذه التصريحات بان اغلب ما اتبعه المركزي العراقي والذي بيعت من خلاله حوالي 400 مليار دولار كان خطئا وقد حان الوقت للتصحيح , ولا نعلم هل ان المبيعات السابقة ستمرر على طريقة عفا الله عن ما سلف , بنفس طريقة إهدار تريليون دولار من موازنات العراق للسنوات الماضية التي لم تحدث تنمية انفجارية او متواضعة على ارض الواقع , ام ان الامر سيخضع للتدقيق والتحقيق التي تتبع بها قاعدة خرج ولم يعد بخصوص التحقيقات في العراق , ومن يضمن بان السياسات الجديدة للمركزي العراقي ستكون افضل من سابقاتها بعد ان كانت ادارة المركزي تحوي اسماء لخبراء على درجة عالية من الكفاءة والنزاهة والاختصاص , فالقضية لا تتعلق بمسألة يمكن التغاظي عنها لأنها تخص اموال العراقيين التي تنفق وتتحول من الدينار الى الدولار وبالعكس بطريقة لم يفهم أسرارها المواطن العراقي , الذي كان ولا يزال أسير اسعار الصرف التي تفرضها مكاتب الصيرفة التي تتغير من النهار الى الليل , حيث لم تتاح فرصة حقيقية لمواطن ( إعتيادي ) في الحصول على دولار واحد بسعر صرف المركزي العراقي البالغ 1166 دينار , رغم ان هدف اتباع سياسة بيع الدولار في المزاد هو حماية المواطن من تقلبات الاسعار وتوفير احتياجاته من الدولار .
وبمناسبة الحديث عن المواطن , فانه غالبا ما يسال لماذا يتم بيع الدولار للتجار بالدينار لغرض تغطية استيراداتهم وحين يتم بيع السلع المستوردة للموزعين يكون بالدولار ؟ , ويعني ذلك بان هناك لعبة تتعلق بكيفية حصول التجار على الدينار رغم انهم لا يبيعون بالدينار ولا يتعاملون به الا لغرض الشراء من المزاد , ونعتقد بان سياسات البنك المركزي ( الجديدة ) يجب ان تركز على هذه المسألة , ومحاولة تقليل دور دكاكين الصيرفة التي تتحكم بأسعار الصرف , من خلال تحديد سعر ثابت لأسعار الصرف ولو لفترة محددة , كأن يكون السعر 1200 دينار لكل دولار , حالنا بذلك حال اغلب الدول التي لا تتغير فيها أسعار الصرف رغم انها اضعف اقتصاديا من العراق ومنها لبنان و الاردن على سبيل المثال , ولغرض دعم هذا المقترح فان من الممكن اتاحة الدولار للمواطنين من خلال دفع نسبة من رواتب الموظفين بالدولار , ومن الممكن ان تكون النسبة 10% من الرواتب , وبشكل يتيح لان يكون الدولار بحوزة المواطن ليكون المواطن جزءا من لعبة الدولار وليس مكاتب المضاربة والمتاجرة والتهريب , التي غالبا ما تجعل المواطن الضحية من هذه ( اللعبة ) , ويمكن ان يستمر هذا الاجراء الى حين معالجة موضوع الفساد وحيتان الدولار والتخلص من سيطرة ( الدولرة ) على اقتصادنا الوطني .