ان الانشغال بالدور العراقي الجديد ليس ترفا سياسيا أو أمنيا ، بل نتيجة طبيعية لتراكم علاقات متشنجة شعبيا و على مدار سنوات عجاف، و تثقيف سياسي لكسب الأصوات لا اثبات حسن النوايا، فكل قادم من الشرق يتحول الى مؤامرة في العراق، و كل صمت عن التمدد الايراني يوصف بهيمنة على آهل السنة، هكذا هو واقع الحال الذي لم تعمل طهران على تغييره، لذلك يُشكك العراقيون بنواياها في تحرير العراق من نفوذ داعش و الانسحاب الى ما قبل 10 حزيران الماضي، ما يتطلب بوصلة جديدة لقياس معدلات الصدق و نقيضه في هذه المرحلة بالغة التعقيد.
وضمن هذا المحور فان ” المتفائلين” بتفاهم عراقي ايراني لتوحيد الصفوف بمواجهة داعش يبتعدون عن الحقيقة، لأن طهران تجتهد في العراق ليس طمعا بالأرض أو النفوذ فهذا شيء متحقق أصلا، لكنها تريد اسقاط أوراق تفاوضية في ملفها النووي يرفع سيف الحصار الغربي عن رقبة اقتصادها الذي يتمايل بلا توازن، وهنا ستكون المفاجأة، فاذا تعرقل الاتفاق ستعمد واشنطن الى تغيير مسار الانتصارات المتحققة في صلاح الدين ليس من باب التأقلم مع داعش بل في فرض خارطة تحركات جديدة تؤجل حسم معركة الموصل خارج الحسابات الأمريكية ،و تُعيد السخونة الى جبهة الانبار مثلما حدث في الساعات الأخيرة بالرمادي، من هجوم وصفه المسؤولون بالخطير ، وهو سر عدم قطع قوات التحالف طرق امدادات داعش صوب الموصل، انها معركة دولية بحسابات غير تقليدية يتحمل العراق لوحده خسائرها ، فهو مسرح الدمارو القتل و النزوح.
في الجانب الأخر من المعادلة هناك انتصار وحيد لكنه مهم جدا، فعكس ما جرى في ديالى من خروقات انسانية ، تظهر الى الواجهة صورة تخندق عراقي من نوع جديد في صلاح الدين، حيث يختلط الدم العراقي بطريقة غير مفتعلة بين ابن الفرات الأوسط و الفيحاء و صلاح الدين و ديالى و الانبار، انها معركة عراقية بوجه عدو مشترك، دون إغفال مخاوف من مفاجئات ربع الساعة الأخير، خاصة و أن طهران ليست معنية كثيرا بوحدة العراقيين، ما يضع على صناع القرار الجديد في الميدان واجب الأنتباه اليه لعدم تحويل التفاؤل الى خراب سكاني و أيضا منع الريح الطائفية و العرقية من سحب عجلة الولاء العراقي الى الوراء، أنها مهمة بالغة التعقيد تؤشر الحاجة الاستثنائية الى عقلانية القرار و جذوره الوطنية، فلا يمكن حكم العراق بدون شراكة منطقية تترفع عن العددية من أجل صيانة السلم الاجتماعي، وهو ما تستطيع معركة صلاح الدين تحقيقه باقل الخسائر بالعودة المخلصة الى عراقيتنا و أخوتنا غير الطارئة.
لا يختلف عاقلان على نفوذ ايران في معركة صلاح الدين، لكنها نتيجة طبيعية لعوامل متداخلة من بينها عدم اتفاق السياسين على خارطة طريق عراقية، و تأخر الدعم العربي و التركي للعراق بشكل كبير، اضافة الى مؤامرة داخلية أنهكت ثقة المواطن بقدرات الجيش و الشرطة، لذلك ولد الحشد الشعبي من رحم الحاجة الملحة و بسرعة سهلت اختراقه من جهات يهمها مواصلة العمل على تخريب وحدة العراقيين، لكن الى متى؟ هذا ما ستجيب عنه نتائج معركة صلاح الدين.
وضمن هذا المفهوم نعتقد بضرورة التروي بعض الوقت لمعرفة مدى نضوج عقلية المنتمين الى الحشد و حرصهم على أخوة العراقيين، فاذا لم تتكرر خروقات ديالى، فنحن على طريق الانفراج، واذا عاد النازحون الى ديارهم بلا تعقيدات طائفية أو عرقية فقد فتحنا ممرا آمنا يؤسس لشراكة حقيقية في تحقيق الأنتصار العراقي، أما اذا حدث العكس فلن يكون الخوف من الهيمنة الايرانية بل في تفكك المجتمع العراقي وهو أخطر سلاح يهددنا جميعا لاسامح الله.
النفوذ الايراني يخضع لمتغيرات اقليمية و دوليةلذلك فان السيطرة عليه ممكنة و مطلوبة أيضا، وهو أمر لا يزال تحت السيطرة فحرب العقوبات الدولية زعزعة الاستقرار الايراني، واذا
تصاعدت بعض الشيء في المرحلة المقبلة فقد تتكرر تجربة الاتحاد السوفيتي في ايران، لذلك ليس من الخطأ الأعتقاد بأن ايران تريد ابعاد شبح التقسيم من خلال أشغال الجميع بحرب بعيدة عن حدودها الاستراتيجية، ما يعني أن الخوف الحقيقي ليس في المشاعر الانفعالية بل في النتائج العملية، التي يمكن اختزالها برغبة طهران انقاذ قاربها الداخلي من عواصف متلاطمة، عبر عملية عسكرية في العراق توحي بأنها لا زالت قوية لكن ليس” جدا”، فجر ايران الى جبهات قتال واسعة يعني توريطها بملفات كثيرة نتيجة مغامرة سياسية غير محسوبة بنفس طريقة الصبر على حياكة السجاد الايراني، عليه فان الاهتمام بحماية أخوتنا العراقية أكثر الحاحا من الانشغال بمتغيرات كبيرة لا يلعب العراق الحالي فيها دورا كبيرا، بسبب انقسام الجميع على الأولويات، لكنها بالمقابل ستفرض قيادات بديلة بنكهة بارود المعركة.