19 ديسمبر، 2024 10:55 ص

العراق ومؤامرة الدواعش .. لاول مرة يتلقى الامريكان صفعة تدخلهم في جدل بيزنطي/1

العراق ومؤامرة الدواعش .. لاول مرة يتلقى الامريكان صفعة تدخلهم في جدل بيزنطي/1

ظهر مصطلح الجدل البيزنطي بعد محاصرة اهل بيزنطة بجيش ولكن بدل من توجههم لمواجهة هذه المشكلة دخلوا في نقاش عقيم حول البيضة والدجاجة ( وهل ان البيضة من الدجاجة ام العكس ) فذهب امرهم هذا مثلاً يحتذا به في موارد التهكم والسخرية.

وها هم الامريكان يمعنوا في الجدل حول موعد الهجوم على الموصل وكانه هو الامر المهم الان بينما المعارك المصيرية الطاحنة تدور رحاها في صلاح الدين مشيرين من خلال تصريحاتهم الى التواجد الايراني وبخبث بترديدهم مقولة (ان التدخل الايراني قد يكون ايجابياً) ولهذا التصريح الخبيث دلالاته الخاصة التي ربما سنحتاج لتسليط الضوء عليها في وقت لاحق.

واما عن موضوع الدواعش فقد حسم العراق هذا الامر بكشفه رسمياً ولكن بصورة غير مباشرة لهذه المؤامرة الصهيونية الامريكية البعثية الكردية والتي تساندها محاور دولية كبريطانيا وفرنسا واخرى اقليمية.

ولم يكن كشف خيوط هذه المؤامرة بالامر الصعب بل ان جميع الممارسات التي قامت بها دول مايسمى بالتحالف الدولي وعلى راسهم امريكا وفرنسا تظهر ذلك وقد كتب الكثير في هذا الموضوع مبينين عدم حنكة الامريكان ومن ورائهم الصهاينة في اخفاء معالم هذه المؤامرة وقد اوضحنا هذا الامر كذلك في مقالات سابقة منها (لاول مرة العراق يتحدى السياسة الامريكية ويسجل هدفاً في مرمى مصر) و( الوزير الامريكي يخضع لارادتنا .. وشهد شاهد من اهلها ) و( ماذا وراءك ياهولاند وماذا يحاك لنا).. وهكذا.

والمتتبع لتكوين خيوط هذه المؤامرة يرى ان الامر لم يكن وليد الصدفة او انه قصير المدى بل هو امتداد لاستراتيجية واضحة لدى الغرب فهم يعتمدون اسس تمثل ركيزة ستراتيجيتهم في التحركات السياسية الخارجية واهمها كما هو معلوم لكل انسان مطلّع ,

انهم لايملكون اصدقاء دائميين بل لديهم مصالح دائمة , ان سياسة فرق تسد عامل اثبت نجاحة في العالم الثالث وخصوصاً بين العرب, ان الاقتصاد لغة السياسة ومن يسيطر على الاقتصاد الاوربي هو اللوبي الصهيوني, واخيراً ان هذه الاهداف تحتاج الى مراجعة ووضع خطط وتجديدها حسب ما تقتضيه كل مرحلة وما يلائم ظروفها.

هذه هي الاسس الاربعة المهمة من بين كثير من الامور التي يعتمدها الغرب في سياسته معنا خصوصاً والعالم الثالث بصورة عامة وهم ضمن هذه السياسة يقومون دائماً بتحليل نفسية كل الرؤساء الذين يتسلمون قيادة دول الشرق الاوسط ويعرفون ما يمتاز به كل رئيس وما هي مفاتيح الوصول اليه والسيطرة على قرار تلك الدولة.

وكما بينا في مقالات سابقة كان وجوب تغيير صدام وبالتالي خريطة الشرق الاوسط قد حان بعد انتهاء الحرب الباردة, ولهذا فقد عمدت امريكا الى جر الاتحاد السوفيتي لاقتتال الافغان وقد خسر السوفيات ما يقارب 15000 جندي في الوحل الافغاني خلال العشر سنوات 1979-1989 وصرفت اكثر من اربعة مليارات دولار.

بعدها وضمن هذا المخطط الجديد الرهيب استدرجت المتشددين لخلق مايسمى بالقاعدة على يد ابو عبيدة البنشيري وسيد امام الشريف وايمن الظواهري وعبدالله عزام الذي اغتيل في 1989 وبن لادن الذي كان الممول الرئيسي للقاعدة.

ثم تم استدراج بن لادن لهجمة نيويورك في ايلول 2001 حيث كان الفقرة الاهم التي يجب تواجدها لاعلان ما يسمى بسياسة القطب العالمي الواحد ( one world order ) كما نوهنا لذلك في مقال سابق, وهنا بدأت انطلاقة المخطط العالمي الجديد الذي سنبين في الحلقة الثالثة اهدافه النهائية.

وبعد اغتيال بن لادن في 5/ 2011 , صرح روبن كوك وزير خارجية بريطانيا آنذاك ” ان تنظيم القاعدة من نتاج سوء هائل في التقدير من جانب الاجهزة الامنية الغربية ” وبيّن ان بيانات القاعدة التي عثر عليها كانت تحوي معلومات عن آلاف المجاهدين الذين تم تجنيدهم وتدريبهم بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الامريكية لهزيمة السوفيت. وطبعاً ما كان لكوك ان يصرح هكذا تصريح الا

بعد القضاء على بن لادن ومن قبله انتهاء موضوع السوفيت وخروجهم من افغانستان والا كيف لنا ان نصدق بان استخباراتهم لاتعلم بما يقوم به الامريكان!!!!؟.

بعد تحقيق هذه الاهداف جاءت المرحلة الاخرى من المخطط ( المؤامرة ) فالعراق هو البلد الاكثر نضوجاً بعد افغانستان والاكثر خطورة على اسرائيل.

اكثر نضوجاً لوجود موزائييك عجيب دائم التصارع فيما بين قياداته على طول التاريخ وهو جاهز ولديه الاستعداد للتعاون مع القوى الكبرى في سبيل مصالحه الخاصة ومن اهم اطراف هذا الموزائيك هم الطرف السني والكردي طبعاً.

والاكثر خطورة بسبب تسلم طرف ثوري للسلطة لايتهاون في معاداته لاسرائيل ولعلاقته المذهبية مع ايران البلد الاكبر في الشرق الاوسط خصوصاً بعد برهنة ايران على حنكتها السياسية وتحديها للامريكان وبروزها لاول مرة كدولة شبه عظمى تقف في وجه القوة الامريكية والصهيونية ولكن بذكاء وحذر لم تعهدهم امريكا من أي دولة مسبقاً بل حتى من السوفيت وما كان من انتصار الفيتناميين على امريكا الا بسبب الصمود المستميت وليس الحنكة السياسية كما هو الحال مع الايرانيين.

وبعد ان شُرع بموضوع استدراج صدام لحرب الكويت لاسقاطه باعتباره ورقة انتهى دورها وغير صالحة للمخطط الجديد.

وتولي المسؤولية في العراق طرف يدين بنفس المذهب الايراني, تم اعداد الكثير لتهيأة هذا المشروع وانجزت عمليات غسيل دماغ واسعة في سجن بوكا في البصرة من قبل جهاز المخابرات الامريكية وقد كانت حوادث الهروب الغريبة وتصرفات الامريكان المستغربة وقتها تدلل على ما يحصل اليوم وكيف كان يتم الاعداد لهذا المخطط.

وقد استطاعت السي أي أي كسب ابراهيم البغدادي ونسقت معه مقابل مساعدتها في قتل الزرقاوي حيث كان ضرورياً لكسب ثقة العراقيين وذر الرماد في العيون وهو الامر الذي مهد الطريق للامريكان لعمل أي شيء دون الاعتراض عليهم, وقد منحوه 25 مليون دولار وان تكون الخاتمة له في القيادة, واستطاع البغدادي جلب الزرقاوي الى الفخ الامريكي في ديالى وقتله هناك بعد شهر من تاسيس البغدادي ( مجلس شورى المجاهدين ).

وبعد ان تمكنت مجموعة الحاج ابو علي البصري من قتل ابو عمر البغدادي وابو حمزة المهاجر في عملية بطولية في سامراء نصب ابو بكر البغدادي اميراً للدولة الاسلامية في العراق ثم بعدها اضاف البغدادي كلمة الشام لتصبح “الدولة الاسلامية في العراق والشام” وقد وكان هذا التاسيس باشراف مخابرات السي أي أي بعد ان تم التفاهم مع ابو بكر البغدادي في سجن بوكا وقد اعترف الامريكان بقول البغدادي لهم عند خروجه من السجن : سنراكم في امريكا : اشارة للاخلاص لهم وتعهده بذلك.

وقد نسق الامريكان لانضمام جيش المهاجرين بقيادة عمر الشيشاني ومجلس شورى المجاهدين بقيادة ابو الاسير الى داعش بقيادة البغدادي.

وتم جمع الاموال بقيادة السي أي أي من دول الخليج والسعودية وبمعونة الصهاينة طبعاً وجمع المتطرفين من الانحاء الاوربية والعربية ومرورهم عبر البوابة التركية بكل تنسيق وسلاسة منقطعة النظير.

الى ان وصل الامر لتصريحات بايدن الممهدة علناً لتقسيم العراق ومن بعدها تصريحات مسعود البرزاني مؤخراً حيث جاء كل منها في وقته المخطط له وهو ما سنوضحه في الحلقة الثالثة باذنه تعالى.

وبعد ان اصبح وجود داعش واقعاً عبر الحضانة السنية الكردية في شمال العراق اعلن الرئيس الامريكى عن انضمام اكثر من 15000 امريكي واوربي الى داعش ولكن لم يسأل نفسه كيف تم ذلك وما هو موقفهم من الاتراك الذين سهلوا هذا الامر.

والان وبعد وضوح هذه الرؤيا ودعمها بالحقائق والشواهد على الارض حيث لم نر من قوى التحالف الا الطلعات الهزيلة التي لم تكن بالشكل الذي يجب ان تكون عليه كما فعل الامريكان في حرب الخليج مع صدام وكثرت ادعاء الاخطاء التي كانت تصب لصالح الدواعش ووهن التصريحات الاوربية وخصوصاً الامريكية في اطالة امد الحرب على الدواعش واستعمال اسلوب الحرب النفسية ضد الشعب العراقي في ماكينة اعلامية رهيبة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً, فضلاً عن معرفة الجميع باستطاعة الامريكان القضاء على الدواعش خلال يوم واحد ومن خلال التنسيق مع الاتراك بقطع تدفقهم.

استطاع العراق وبقيادته الفتيىة الفذة الحكيمة اخذ زمام الامور في مبادرة فاجئة الجميع ولم يحسب لها احد حساب بما فيهم الامريكان ان ياخذ زمام الامور بيدة بعد الاتكال على الله وبتسديد من ارشادات السيد علي السيستاني ويحسم الامر بكشفه للمؤامرة وبصورة عملية ولكن بصمت ليتولى ادارة المعركة بنفسة تاركاً امريكا تلك القوة العظمى المتبجحة بقوة سلاحها وعمق خبرة سياستها وراء ظهره وعدم اطلاعها على ساعة الصفر في معارك تكريت وهو ما اعترف به الامريكان انفسهم موجها لها صفعة تاريخية لم تكن في الحسبان افقدتهم صوابهم وجعلتهم يتخبطون في تصريحات فارغة لاتدخل الا ضمن نطاق الجدل البيزنطي كما اسلفنا محاولة منهم لجر العراقيين الى نقاش سقيم والهائهم عن هدفهم الاصيل في مواجهة الدواعش ولكنهم فشلوا في هذا كذلك.

نحن ندرك ونحذر ان الامريكان سوف لن ينسوا هذه الصفعة وسوف لن يهدأ لهم بال وسوف يستمرون في التخطيط وايجاد السبل الكفيلة لمعاقبة العراق على تصرفه هذا ولكن عزائنا هو ان ماقام به العراق اليوم يعد انتصاراً سياسياً تاريخياً بحد ذاته فهو يعبر على اقل التقادير الى عودة السياسة العراقية الى بداية نضجها وثقتها بنفسها, ومما يزيد هذا الامر افتخاراً وتفاخراً هو ثقة رئيس الوزراء الدكتور العبادي بنفسه عندما خاطب اعضاء مجلس النواب العراقي غير مكترث بالامريكان وبحلفائهم جميعاً بقوله (ان كنتم ترغبون بطرد التحالف فصوّتوا على ذلك).

لهذا يجب ان نحذر ونراقب فلربما سيعمد الامريكان بتزويد الدواعش بامور ومعدات لاقبل لنا بها قبل معركة الموصل لتعيد الامور الى مربعها الاول بعد الانتصارات العراقية في آمرلي وجرف النصر وديالى وسامراء وصلاح الدين حيث لم يبق الا الانبار واهمها الفلوجة “وما ادراك ما الفلوجة” والموصل وهي التي ستكون حسن الخاتمة باذنه تعالى.

انها بداية النصر على الظلم ومحاولة بناء عراق قوي معافى بعون الله وقوة تظافر الخيرين من ابناءه الامر الذي يوجب على الطرف السني التفكير ملياً في مستقبلهم ومساندة ابناء جلدتهم في سبيل الحفاظ على كيان العراق وعدم تقسيمه والعيش بكرامة بعيداً عن سطوة الصهاينة والامريكان فالعراق في خاتمة الامر هو بلدهم وهم اسياده ومن حقهم العيش فيه بكل كرامة وعزة ورفعة رأس والشيعة يدركون ذلك ويقرونه ويعملون على تطبيقه ومن يقول غير هذا فهو كذاب اشر لايريد الا شق وحدة صف العراقيين في هذه الظروف الصعبة لتحقيق مآربه في الخسة والخيانة, لهذا فان تصريحات السيد ظافر العاني بتقبله لمساعدة الايرانيين واشتراكهم في المعارك لمساعدة العراق شيء جيد وموقف تاريخي مفرح ومشجع ويضع الامور في نصابها التعاوني الوطني المستقبلي الصحيح.

وهو تعالى من وراء القصد.

أحدث المقالات

أحدث المقالات