لتفكيكِ مفرداتِ واَبعادِ ” العنوان ” اعلاه , فلا ريب أنّ اكثر من دولةٍ واحدة من دول الجوار تستفيدُ نفسياً على الأقل في هدم الحضارة التأريخية والآثارية للعراق لكنها لا تمتلك < الجرأة و الحماية الامريكية > لتمويل وتكليف داعش للقيام بهذا الفعل التخريبي الفريد والأول من نوعه في العالم , ثمّ اذا افترضنا أنّ الدول التي احتلت العراق في عام 2003 ” بريطانيا والولايات المتحدة ” والتي تمتلك حضورا عسكرياً واستخباراتياً بارزا في عدد من القواعد الجوية الحالية داخل العراق هي التي تقف من وراء العمل الداعشي الشنيع هذا ” ومن دون منحهما صكّ البراءةِ ” في التخريب الممنهج و المبرمج ” لكلّ ما في العراقِ من بشرٍ وحجر , فضلاً عن ما اخذوه وسلبوه في حصصهم من الأحتلال بدءاً من قتل آلاف العراقيين ومروراً بعدّادات النفط التي لا تعمل لسنين طوال والى تفكيك مؤسسات الدولة .. الخ , إنما لاتوجد مؤشّراتٌ محددة في تواطؤهما مع الدواعش في قضية تدمير آثار المتحف بشكلٍ محدد .. أمّا اذا التفتنا الى تركيا التي هي المعبر الرئيسي والأساسي لعبور المتطوعين الأجانب للأنضمام الى داعش , بالأضافةِ الى تعاونها المخابراتي المكثّف مع هذا التنظيم الأرهابي , فأنّ الأتراك يحتفظون بأطماعٍ خفيّةٍ بعودة او إعادة ” الموصل ” اليهم منذ نهاية الحرب العالمية الأولى والى يوم يُبعثون ! بأعتبار أنّ هذه المدينة العراقية كانت تابعة للدولة العثمانية , وبالتالي فأنهم يريدون الموصل كاملةً بمتحفها وآثارها وملحقاتها .
إذن لمْ يبقَ سوى طرفٌ وحيدٌ هو المستفيد الأساسي من تدمير رموز الحضارة التأريخية والآثارية العراقية , وهي استفادةٌ تدخل فيها عوامل وعناصر التأريخ والسيكولوجيا والديانة ولاسيما وبشكلٍ خاص روح الإنتقام والحقد الغريزي , وهذا الطرف الذي يتبنى ويموّل ويدعم داعش هو : < اسرائيل > على وجه التحديد . فاليهود الأسرائيليون المتعلّقون بالتأريخ بغية ايجاد واستنباط اسبابٍ او مسبباتٍ تشرعن لهم مخططاتهم , فأنهم اولاً : – لايزالون يحملون عقدة السبي ” الثاني ” لليهود على يد ” الملك العراقي نبوخذنصر الثاني ” في سنة 586 ق . م والذي نقلهم اسراهم الى بابل , وقد سبق ذلك الحملة الاولى او السبي الاول حين استولى الملك العراقي ” تجلات بلاشر ” على معظم مدن فلسطين وقام بأسر نحو مائتي الف من اليهود ونَقَلهم الى العاصمة بابل , كما وقرابة هذا العدد من اليهود ايضا قد قام بأسرهم القائد ” سنحاريب ” , وتذكر معلومات تأريخية أنّ جميع اولئك وهؤلاء الأسرى من اليهود قد تمّ جمعم مع بعضهم في منطقة واحدة في ضواحي بابل آنذاك , ثمّ أنّ الزعماء الصهاينة وبمختلف الحكومات الاسرائيلية التي تعاقبت ” وجميعهم من الضباط السابقين ” يحملون في دواخلهم عقدة الأنتقام من العراق كبلدٍ وكشعب اكثر بكثيرٍ من الأقطار العربية الأخرى , حيث العراق هو الدولة العربية الوحيدة من غير دول المواجهة قد شارك بفاعلية في كلا حربي 1967 و 1973 وعلى ثلاث جبهات < سوريا والأردن ومصر> ومن الجو وبالفرق المدرعة , وهذا ما لاتنساه اسرائيل , والى ذلك لايمكن لأسرائيل ان تمحو من ذاكرتها أنَّ الجيش العراقي هو الوحيد من الجيوش العربية الذي امتلك الجرأة في قصف تل ابيب ومدن اسرائيلية اخرى بعشرات الصواريخ خلال حرب 1991 مع ما كان يتطلبه ذلك من تقنياتٍ فنية واساليب التمويه والخداع لمواقع وقواعد الصواريخ , ثمّ لتتجمع هذه التأثيرات العسكرية العراقية في نفوس الصهاينة عبر السنين لتتفاعل مع نقطةٍ سياسيةٍ اخرى لعلّها اشدّ تأثيراً من الجوانب العسكرية والحربية , فالأسرائيليون على دراية كاملة بأنّ الطبيعة السوسيولوجية العراقية ” وعلى العكس من عموم الشعوب العربية الأخرى ” فأنها لا تتقبّل ايّ شكلٍ من اشكال التطبيع مع العدو الصهيوني وتحت ايّ ظرفٍ كان , وهذا بالطبع ما يغيض اسرائيل في المنظور البعيد .
ليس تدمير الآثار في الموصل هو العمل الوحيد الذي كلّفت وجنّدت الموساد تنظيم داعش له , فالطائرات المروحية الحربية التي هبطت في مناطق داعش مؤخرا ” وتمّت مشاهدتها بالعيون المجردة وجرى تصويرها وتوثيقها , ثمّ ما سبقها لمراتٍ بقيام طائرات تلقي من الجو بحمولات من الأسلحة والأعتدة والأجهزة على الدواعش , فمن المرجّح انها طائرات اسرائيلية ترفع العلم البريطاني تارة والأمريكي تارة اخرى , ومن المؤكد انها وصلت الى مناطق داعش من خلال تزويدها بمعلومات استخبارية امريكية دقيقة , وقد اضطرّ الأمريكان مؤخرا للأعتراف بهبوط تلك المروحيات لكنهم ادّعوا وزعموا انها طائرات مجهولة الهوية .!!
ولمْ تكن هذه الفترة ” منذ حزيران الماضي ولغاية الآن ” هي اولى ممارسات شبكات عملاء الموساد , فقد ترافق عملهم مع اجهزة المخابرات الامريكية والبريطانية منذ بداية الغزو في 2003 , فقد اشتمل ضمن ما اشتمل على اغتيالاتٍ واسعة لعلماء عراقيين واطبّاء بارزين وعدد من الأكاديميين فضلاً عن اعداد من الرموز الوطنية في مختلف اتجاهاتها السياسية , كما لم يعد سرّاً الدور العسكري والأستخباراتي الذي تؤديه الموساد في شمال العراق والذي يزداد يوما بعد آخر ..
العراقيون جميعا ومنذ 11 عاما هم عرضه لتنفيذ مخطط جهنمي اسرائيلي وبدعمٍ بريطاني وامريكيٍ هائل , ولمْ تكتمل حلقات هذا المسلسل ” ولعلّه في مراحله الأولية ” , ومن المؤسف أنّ جهاتٍ محليّة هي التي تساعد في آليّة التنفيذ , وقد ساعد ذلك في عدم التئام الوحدة الوطنية واصابتها برضوضٍ وجروحٍ وحروقْ , وعلى الرغمِ من أنّ الشعب العراقي مُعرّضٌ لما هو اسوأ في المدى المنظور على الأقل , لكنه وبعيداً عن العبارات الأنشائية فمن المحال ان يركع لهذه المخططات مهما طال به الزمن , وهذه هي سُنّة الحياة ” على الأقل ” ..