-1-
في غمرة الخوض في بحار الشهوات ، واللهاث وراء المطامع والمصالح ، تعن الحاجة الى التذكير بالقيم الروحية والأجواء الأخلاقية الصافية التي لم تُلبدها الغيوم …
إنّ انسان القرن الحادي والعشرين – للاسف – قلّ أنْ يتذوق نكهة “الحب الالهي” الذي يشدّه الى ربّه ، ويملأ دنياه بالتفكير والتأمل في عظمته وقدرته وكماله وجلاله، وما سخّر له في هذا الكون من نِعَمٍ لا تُعد ولا تُحصى ، فينطلق لأداء فريضة الشكر شعُوراً منه بالتقصير إزاء ما أولاه الربّ العظيم من الفيض والبركات …
-2-
والتوازن بين حاجات الجسد وحاجات الروح ، واضحُ المعالم في منهج التربية الاسلامية .
ومَنْ منّا لا يحفظ الحديث الشريف القائل :
” اعمل لدنياك كأنَّكَ تعيش ابداً ،
واعمل لآخرتك كأنَّكَ تموت غداً “
ولكنْ كمْ منّا من يعمل لآخرته بشكل مساوٍ لأعماله الدنيوية ؟
هنا يكمن الخلل ..
وهنا تسكب العبرات ..!!
-3-
وهناك ” باقات ” من الأخبار والآثار تفوحُ بِعِطْر الايمان ، والسلوك النقي ، والعبادة الصادقة ، والاستقامة على خطّ الطاعة لله ، ما أَكثَرَ حاجتَنا الى أن نستاف شيئاً من شذاها المواّر، الذي يُحي القلوب ويُنعش الأرواح .
-4-
انّ من الفوائد الحقيقية، التي لا يستطيع أحدٌ نكرانها لمتتبعي كتب الأخلاق والأدب والسيرة والتراث، الوقوف على أرقام ناطقة وحكايا صادقة في هذا المضمار .
ومن تلك الحكايات :
ما روي عن أنس بن مالك حيث قال :
” جاء فتى من الانصار الى الرسول (ص) وقال :
انّ أمي تُكثر البكاء ،
وأخافُ على بصرها أنْ يذهب ،
فلو أتيتَها فَوَعَظْتَها !”
نكتب هذه المقالة في عيد الأم (21/3/2015) ونُورِدُ خبر ” الفتى الانصاري” الذي بلغ حبُّه لأمِّهِ درجةً خاف معها على بصرها من العمى، حين رأى كثرة بكائها من خوف الله ، فسارع الى المثول بين يديْ الرسول (ص) والتمسه أنْ يذهب بنفسه ليعظها علّها تكفّ عن كثرة البكاء …
ولقد لبى الرسول (ص) نداءَهُ وذهب اليها، في مبادرة عظيمةِ الدلالة على عظيم خُلُقِهِ ،فهو كما وصفه الرحمن في محكم القرآن حين خاطبه قائلاً:
” وإنْك لعلى خلق عظيم “
انّ عامة المسؤولين اليوم يمنعون وصول المواطنين اليهم ، وثِقْلُ السماء في الارض ، وسيّدُ الانبياء والمرسلين (ص) يذهب بنفسه ليعظ ” امرأة ” في بيتها !! بعد أنْ جاءه (الفتى) الأنصاري وأبدى رغبته بذلك …
هذا هو السمّو والتألق …
وهذه هي الانسانية في ذروتها العليا
نعم انه (ص) الرحمة المهداة ..،
ولكنْ أين المتأسون به ؟!
أَينَ هم من تواضعه ومحبته وحرصه على الانقاذ ؟
أينَ هم من اهتمامه ” بالمرأة ” ؟
هذا هو الدرس البليغ في عيد الأم
ويستمر أنس بن مالك في الاخبار فيقول :
” فذهب معه – اي مع الفتى الانصاري –
فدخل ، فقال لها في ذلك ، فقالت :
يارسول الله :
أرأيتَ إنْ ذهب بصري في الدنيا ثم صرتُ الى الجنة ، أيُبدلني الله خيراً منه ؟
قال :
نعم
قالت :
فان ذهب بصري في الدنيا ثم صرتُ الى النار ، أَفَيُعيد الله بصري ؟
فقال النبي (ص) للفتى :
” إنَّ أمّكَ صِدِّيقة “
انّ بكاءها لم يكن عن ألم …
انه كان عصارة اليقين ..!!
-5-
واذا كان لابد من تقديم هدية ” للأمّ ” في يوم (عيدها) فلتكن هذه السطور هي الهدية ..!!
[email protected]