لم يكن الليل سوى شبح ينذر بالخطر والخوف والفجيعة، مليء باللصوص والمخلوقات الخرافية، ينتهي دائما بتكور خطير تحت الغطاء وهرولة سريعة للصباح، الذي يبدأ بالنور والراحة والطمأنينة، الليل كان طويلا تملأه حكايات العجائز الخرافية، كل شيء ممكن ان يتحول الى اي شيء، بشرط ان يكون مخيفا، ليل مخيف وسط انعدام النور ووجود البرد، اكثر شيء كان يخيفه اختلاط الغروب بالظلام، دائما ما يكون هائما في تلك المساحة الشاسعة من الارض، الارض التي تبدأ بالمقابر الشاخصة باعلى التل الكبير( الايشان)، يهرب الوقت من بين يديه فيحث الخطى بالعودة الى الدار، مارا بالمقابر، يسير بحذر كبير لئلا يدوس على احد القبور، فقد سمع من امه، ان احدهم غاصت رجله في احدها، فانتزعها بقوة، بعد ان سلخت حتى الركبة.
يلتصق بشدة بوالدته، وتوقظه بين آونة واخرى، كان يتكلم في الليل ، يهذي، يهلوس، تخبره صباحا وتحتضنه وتحبه بقوة، في حين كان عرابه الاكبر منه سنا يتفنن في اخافته، كان احسان يكبره بستة اعوام، يجمع حوله من الصغار ليحكي لهم حكاياته المخيفة، وينهي حكاياته بالمسابقة المعهودة: من منكم سيمسك بهذا العظم ويكون اول من يطرق على سكة الحديد القابعة في الظلمة هناك، كان ضعيف الجسد خفيفا، فيتقدم المجموعة، وقريبا من سكة القطار وسط الركض السريع، يلتفت الى الخلف فلايجد احدا خلفه، دائما كان يصل بمفرده وسط هلع كبير، لاينفك يراوده وهو تحت اللحاف.
مازال يخاف الظلمة حتى الآن، يغلق جميع النوافذ ولايترك خلفه فراغا، يختار من الامكنة مايكون مغلقا ومضاء، ويبحث عن الرفقة، انه الليل لافرق بين بدايته ونهايته، هكذا هو يقول، لكنه يفرح بانبلاج الفجر، يستقبله بنعاس شديد وخلاص من خوف دام طويلا هو بعمق الليل المؤثر فيه، وعند كل ليل كان يستذكر حكايات احسان المخيفة، حتى وهو يحمل البندقية، ويجتاز حقل الالغام منفردا بليل يملأه ازيز الرصاص، سمع صوت قطة قد علقت بالاسلاك الشائكة، فما كان منه الا ان يحث الخطى ليلقي بنفسه على اول دكة ترابية في اول ملجأ، وهو يتصور ان تلك القطة ، لم تكن قطة على الاطلاق، ويربطها بحكايات احسان، التي تنقلب فيها المرأة الى سعلاة.
هذا الليل الذي استمر طويلا ، كان يزعجه كثيرا، يبحث عن النجوم، لكنها لاتغني عن ضوء النهار الجميل، النهار الذي تصبح فيه حكايات الليل غير مخيفة، تصبح حكايات الليل محل سخرية، لانها بعيدة عن التصديق، مع الصباح لاشيء يخيف، الاشجار والطيور واشعة الشمس الفضية تضفي مساحة من الطمأنينة على كل شيء، ذلك الليل لم يكن مخيفا، لقد جمعه باحلام وسط الظلمة والخوف والعواطف النبيلة، اعتذرت منه ، فقد اخطأت بحقه، ذلك الليل لم يزل طعمه في شفتيه، ارخ لاول قبلة اختطفها من شفتي حبيبته، فكان للشمس طعم جديد وللظلام طعم، ليل احسان يختلف كثيرا عن ظلام احلام، كان ظلاما لذيذا غير طعم الليل الذي شكا منه كثيرا، الغى لديه في ذلك اليوم ليل الكوابيس والاحلام المخيفة، لاول مرة لم تتيبس شفتاه اثناء النوم، ولم تتناول والدته ابريق الشاي الذي تملأه بالماء وتضعه عند رأسه، لتسقيه بين حين وآخر، الليل الوحيد الذي لم يتمن له نهاية كان يريده ليلا سرمديا ، يختلف عن ليل الحكايات المخيفة.