يبدو ان لمعركة تطهير مدينة تكريت ومحيطها اهمية استراتيجية كبرى تتجاوز ابعادها الساحة العراقية وتداعياتها المحلية العسكرية والسياسية الى الميادين الاقليمية والدولية التي وصلتها رسائل عاجلة ومباغتة من صلاح الدين.
ما يجري في العراق هو صراع ارادات بين مشروعين وسباق بين استراتيجيتين عسكريتين تتناقضان في اهدافهما السياسية وغاياتهما الاقليمية والدولية بين محور مقاومة يوظف الارادة الوطنية لتحقيق السيادة والاستقلال الحقيقيين وبين محور هيمنة يسعى لفرض ارادته الخارجية خدمة لمصالحه الذاتية، بين ارادة متعاظمة تهدف الى التخلص من عصابات داعش التكفيرية لتزيل اثارها الاجتماعية والثقافية وتطوي صفحة القتل والتهجير والتفجير وبين ارادة اميركية متآكلة تعطل مسار المعارك وتؤخر الحسم وتعمل على اطالته الى ثلاث سنوات او اكثر بما يحقق الاستراتيجية الاميركية ويوفر لها الوقت اللازم للتنفيذ.
الانتصارات السريعة والمتلاحقة للقوات العراقية المشتركة في صلاح الدين والارادة المتعاظمة والزخم العسكري الكبير المدعوم بزخم جماهيري هائل فرض ارادته على القرار السياسي هذه الانتصارات تعني اشهار الكارت الاحمر بوجه ما يسمى بالتحالف الدولي والتعبير له بصراحة وبالمعطيات الميدانية والحقائق الموضوعية عدم حاجة العراق اليه، فضلا عن اسقاطه كل الادعاءات والتقارير والقراءات الاميركية التي اكدت عدم قدرة الجهد العسكري العراقي على حسم معركة طرد تنظيم داعش من الاراضي العراقية ما يعد انكشافا واضحا لغايات المشروع الاميركي في العراق والمنطقة.
ردود الفعل الاميركية والغربية الانفعالية كانت كبيرة فالقيادات الاميركية السياسية والعسكرية اكدت على ضرورة الحضور الاميركي في العراق ومشاركته في عملية تطهير الموصل وسعت بقوة لإضفاء الطابع الطائفي على معركة صلاح الدين عبر التأكيد على الدور الكبير الذي يضطلع به الجنرال سليماني في قيادة المعارك وابداء التخوف الكاذب من ترك المعركة لتداعيات طائفية عميقة في الجسد العراقي فيما سارع وزير الدفاع التركي الى زيارة بغداد والتأكيد لأول مرة على ان تركيا جزء من التحالف الدولي في نفس الوقت الذي اكد فيه وزير الخارجية داود اوغلو ان لتركيا مسؤوليات تاريخية تجاه الموصل واشار الى انه يتوجب تواجد جيش سني في الموصل بعد تحريرها لتنعكس هذه التصريحات والضغوط على تصريحات وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره التركي اذ اكد أن «معركة تحرير مدينة الموصل ستكون عراقية التخطيط والتوقيت والتنفيذ»، مضيفاً أن «العراق لن يستعين بأي قوات أخرى خلال تلك المعركة». وأشار إلى أن المعركة هي معركة الجيش العراقي وأن دور التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة سيقتصر على الدعم الجوي و «هذا أمر متفق عليه». في اشارة واضحة الى رفض الدعم الايراني وحضور الجنرال سليماني ودور فصائل المقاومة والحشد الشعبي غير المرغوب به اميركيا ليجتمع الوزير بعد ذلك بقيادات وزارته حول معركة الموصل في الوقت الذي يخوض فيه العراقيون معركتهم الكبرى في صلاح الدين!!
فيما تصاعد الحديث عن تشكيل حلف غربي اسلامي عربي لمواجهة ما يسمونه التمدد الايراني في المنطقة بحجة محاربة تنظيم داعش اذ سارع الملك السعودي الجديد والرئيس التركي لمسابقة الزمن لإعلان حلف وهابي اخواني تكتيكي يجمد التناقضات ويؤكد على التقاطعات والمصالح للطرفين تجسد بزيارة اردوغان الى السعودية بعد اسابيع من التواصل والتنسيق وترتيب الاوضاع بعد الانقلاب على سياسة الملك عبد الله الشمري من قبل السلطان الجديد سلمان السديري.
“الصبر الاستراتيجي” في مواجهة داعش هي الاستراتيجية التي سارع رئيس هيئة الاركان الاميركي الى اطلاقها في بغداد التي وصلها على عجل وسط ارباك وتخبط اميركي خلط اوراقه بركان القوات العراقية المشتركة الذي اطلق تسونامي عراقي لن يقف عند حدود الميادين العسكرية والسياسية المحلية بل ستكون له هزات ارتدادية على مجمل الساحات سواء الاقليمية او الدولية.