-1-
شهوةُ السلطة وامتلاك الصلاحيات الواسعة في الأمر والنهي ، والسلب والايجاب ، والتأثير الفاعل في كل المفاصل الحيوية والمرافق الأساسية والقضايا الداخلية والخارجية ، لا يُبرّءُ منها إلاّ من عصمه الله ..!!
والتهافتُ على المناصب، ظاهرة ملحوظة ليست قابلة للنكران ، وفي كل زمان ومكان …
-2-
والمصيبة أنّ الساعين لتبوّء المناصب ليسوا – في كثير من الأحيان – من المؤهلين لها على الاطلاق ..!!
إنّهم يحسنون الظن بأنفسهم ، ويتجاوزون في تقديراتهم الحدود المعقولة والمقبولة ..!!
ويبلغ الحال ببعضهم أنْ يُدخلك في القائمة السوداء ، متى ما كنتَ مرشحاً لأحد المناصب التي يُريدها ..!!
انهم رشحوك ثقةً بما تملك من مواصفات مهنية عالية ، وهو يناصبك العداء لأنك أصبحت حائلاً بينه وبين مايريد ..!!
أليس هذا ظلماً واجحافاً ..؟!
-3-
وفي ظل الحكومات المستبدة تُمنح المناصب وفق إدارة الحاكم بأمره، وليس من حق أحد الاعتراض ..
ومن هنا ترى :
أنّ أقرباء الحاكم وأنسباءه ، والذائبين بحُبّه، والمتماوتين في الدفاع عنه..هم أصحاب النصيب الأوفى في الاستحواذ على المواقع المهمة …
والويل كل الويل لمن يتجرد عن مصالحه الخاصة ، ويبادر الى مصارحة (رأس الهرم) في الدولة بحقائق الامور، ويُطلعه على اخبار المستحوذين على المناصب، وما يمارسونه بحق الناس من مظالم وما يوقعونه بهم من مصائب …
إنّ السلطويين الكبار لا يروق لهم على الاطلاق أنْ تُحدّثهم بما يتضمن النقد لسياساتهم واختياراتهم …
وأبسط ما يتعرض له المخلصون الصادقون حين يعبرّون لهم عما يجري هنا وهناك في شتى أرجاء الدولة، هو الطرد …
ومعنى ذلك :
انهم يعاقبون الصادق المخلص ، ويكافئون المنافق المتملق المهادن..!!
الشاهد التاريخي :
استدعى المنصورُ (عبدَ الرحمن بن زياد الافريقي) – قاضي افريقية وعالمها – والذي قيل فيه انه (كان أول مولود في الاسلام بأفريقية) فأمتثل الأمر وحضر ، ولنتركه يحدّثنا عما جرى ، قال :
” أرسل اليّ ابو جعفر فقدمتُ عليه ، والربيع قائم على رأسه ، فاستدعاني فقال لي :
يا عبد الرحمن كيف ما مررتَ به من العمّال ؟
قلت :
يا أمير المؤمنين :
رأيتُ أعمالاً سيئة ،
وظلما فاشياً ،
فظننتهُ لبُعد البلاد منك ، فجعلتُ كلما دنوتُ منكَ كان الأمر أعظم .
قال :
فنكس رأسه طويلاً ثم قال :
كيف لي بالرجال ؟
قلتُ :
أفليس عمر بن عبد العزيز كان يقول :
انّ الوالي بمنزلة السوق يجلب اليها ما ينفق فيها ، فانْ كان بَرّاً أتوه ببرهم ، وانْ كان فاجراً أتوه بفجورهم ،
قال :
فأطرق طويلاً ،
فقال لي الربيع ، وأومأ اليّ أنْ أخرج ، فخرجتُ وما عدتُ اليه “
تاريخ الاسلام الذهبي/ج9ص317-318
إنّ (المنصور) حاول أنْ يُلقي المسؤولية على غيره حين قال (كيف لي بالرجال)، ولكنّ ” عبد الرحمن ” ردّ عليه قوله، وذكرّه بأيام عمر بن عبد العزيز وعمّاله الذين تجنبوا المظالم ..،
وهنا أومأ له الربيع – وهو حاجب المنصور – بوجوب المغادرة ، وهذا هو الطرد بعينه ..!!
انّ الحاكم المستبد يعتبر الصدق في التعبير عما يعانيه الناس على يد ولاته وعمّاله ، جرأة كبيرة ليس بمقدوره ان يتحملها ..!!
-4-
ولقد أصبحت التعيينات في (العراق الجديد) مرتبطةً بحصص الأحزاب السياسية وفقاً للنِصاب ..!!
أما الخبراء والمهنيون النزيهون القادرون على النهوض بالمسؤولية فهم عنها مبعدون ..!!
وبهذا فهم يواجهون ضغوطا معلومة من أجل انضمامهم الى تلك الكتل السياسية، والاّ فليس لهم من الكعكة نصيب ..!!
بل ليس للوطن أنْ يفيد من تجاربهم وخبرائهم وقدراتهم الهائلة ..!!
-5-
وقد شهدت السنوات الثمان الماضية، كمّاً هائلاً مِنَ التعيينات في مختلف المواقع المهمة في الدولة، واسندت بالوكالة الى الآلاف ممن توّسم فيهم المسؤول التنفيذي المباشر السابق الولاء له ، ولم تُعرض اسماؤهم على (مجلس النواب)، وفي طليعة اولئك قادةُ الفرق العسكرية، والمسؤولون عن الأمن في البلاد، وتكبّد العراق من جرّاء ذلك أفدح الخسائر والنكبات وعصفت بربوعه الأعاصير العاتية، وها هي (دولة الخرافة) جاثمة بكابوسها على صدور العراقيين … والغيارى الأبطال من أبناء العراق – في الجيش والشرطة والحشد الشعبي والبيش مركة – يخوضون الملاحم لتحرير التراب العراقي الطاهر من دنس الدواعش الاوغاد .
-6-
ان فرسان الفساد المالي والاداري لا تبدو عليهم علامات الخوف والاضطراب من المحاسبة والعقاب ، ماداموا يستندون الى كتلهم التي لا تتخلى عنهم بحال …!!
وهكذا يدفع الشعب والوطن ثمن المعادلة المحاصصاتية التي ما أنزل الله بها من سلطان .
-7-
انّ الاوضاع المالية الصعبة الراهنة، لا حلّ لها الاّ باسترجاع ما نهبتْهُ الحيتان الكبيرة من ثروتنا الوطنية، دون أنْ تأخذ أحد بهم لومة لائم …، وهذا الأمر هو الذي ينتظره المواطنون بفارغ الصبر ، وهم ناقمون من التباطئ والتسويف أشدّ ألوان النقمة .