المرحوم احمد بن الحسين بن الحسن ابو الطيب المتنبي , اُجيزُ واُبيحُ لنفسي التحدّث عنه وعن اعلان التبرّؤ بأسمهِ وبالنيابةِ عنه ممّا يجري في شارع المتنبّي , ومَنْ لديهِ اعتراضٌ عن تخويلي لنفسي في ذلك فالدعوةُ عامّةٌ للجميع في اعلانِ ونشرِ ذلك لكي نتعامل ونعالج مثل هذا الأعتراض اذا ما وُجِد ..
سبق وأنْ كتبنا موضوعا او مقالاً في الثلاثين من آذار 2013 وكان عنوانه المجازي < ألا يُؤمّم شارع المتنبي > وجرى نشره في موقع ” بانوراما الشرق الأوسط ” واعادت نشره مواقع الكترونية اخرى ” الرابط في اسفل المقال ” وتعرّضنا فيه الى أمورٍ شتّى من سلبياتِ شارع المتنبي بدءاً من اسلوب عرض الكتب على الأرض والتي يكسوها غبار الشارع جرّاء حركة احذية المارّه , ومدى ارتفاع الكتب المعروضة بمستوى تلك الأحذية .! ثمّ الى الأسعار المرتفعة للكتب , وآلية تكديس الكتب على ” البسطات ” بشكلٍ غير هندسي ولا شبه هندسي وبحيث أنّ بعض الكتب لا يظهر عنوانها .! واخرى معروضة على غلافها الأيسر , والى ذلك من نِقاطٍ اخريات . وآنذاك لمْ تشأ او لمْ تفكّر وزارة الثقافة لأن تلتفت قليلا الى تلكم السلبيات غير اللائقة بالعراق ممّا يجري في شارع المتنبي ” ولعلّه ليس بمستغربٍ موقف هذه الوزارة بلا موقف من هذه الظاهرة طالما أنّ وزيرها حينذاك هو ضابط أمن سابق وبرتبة صغيرة وكان يُشغِل منصب وزير الدفاع وكالةً بالأضافةِ لمنصبه كوزيرٍ للثقافة .! ” , لكنه ايضا لا اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين ولا منظمات المجتمع المدني ولا النقابات ذات العلاقة بالثقافةِ والفن قد بدا وأنّ الأمرَ يعنيهم .!
جوهرُ الموضوعِ ” هنا ” , ومنْ البوّابةِ الأوسع من بواباته يتمحورُ حولَ < مسؤولية الدولة في تثقيف المجتمع , وفي تسهيلِ إيصال المعلومة الثقافية الى المواطن او الجمهور, وبين ” العلاقة بين بائع الكتاب وبين المشتري ” , ثمّ كيفية ايجاد الحل الوسط في ذلك > .
· – ليست هنالك دراسة بحثية رسمية او غير رسمية عن ميول ومتطلبات القرّاء في نوعية الكتب التي تُلبّي رَغَباتهم , وبالتالي فأنَّ تجّار الكتب او اصحاب دور النشر هم الذين يُملون ويفرضون على القارئ نوع الكتاب المستورد وِفقَ آفاقهم الضيقة سواءً كانت مرتبطة بتوجّهاتٍ سياسية او دينية وما الى ذلك ” ويستثنى من ذلك الكتب العلمية وتقنيات المعلوماتية “
– هنالك الكثير من الكتب التي مضى على صدورها عشرون سنةٍ ” كمعدّل ” والتي تفترشُ ارض شارع المتنبي ولكنّ الباعة يفرضون اسعاراً باهضة عليها بما لا يناسب القدرة الشرائية للعديد من القرّاء , على الرغمِ من أنّ المعلومات التي تحتويها هذه الكتب قد جرى استهلاكها وهضمها بما فيه الكفاية , لكنّ ذلك لا يقتصر على جيلٍ واحدٍ بالطبع , ومن سوءِ حظّ القرّاء أنّ كتباً كثيرة ليس لها حضور في الشبكة العنكبوتية , فضلاً أنَّ نسبة الذين لا يمتلكون اجهزة الحاسوب ليست بقليلة .
· – هنالك ايضا ندرة ملحوظة في ” الكتاب العربي السياسي ” وكذلك الكتب الأجنبية المترجمة وخصوصاً بما يتعلق عن احداثٍ سياسية في دول الشرق الأوسط , بينما تحفل معظم مكتبات و ” بسطات ” المتنبي بكتب مذكرات الرؤساء الأمريكان السابقين وبعض وزراء خارجيتهم . كما وبقدر تعلّق الأمر بالكتاب
المترجم , فيفتقد القارئ الإطلاع على نحوِ مئةِ كتابٍ عن مجريات الحرب العراقية – الأيرانية كانت قد صدرت باللغتين الأنكليزية والفرنسية وقد مضى عليها زمنٌ بعيد وغطّتها ايضا كتبٌ اخرياتٌ عن حرب عام 1991 والتي لايعلم معظم القرّاء عنها شيئاً يُذكر , فمَن يتحمّل مسؤولية ذلك .! ومتى ستحين الفرصة لإطلاع الجمهور عليها وخصوصاً أنّ البلدَ يشهد احداثاً ساخنةً تلو احداثٍ اشدُّ سخونة .
لا ريب أنّ اكثر ما يشوّه شارع المتنبي هو ” بسطات الكتب ” المعروضة على الأرض , وانّ الأشدّ تشويهاً هي اكوام الكتب المتّسخة التي تباع جميعها بسعرٍ واحد .! وهي ظاهرةٌ لا تليق بالقيم الثقافية في اسلوب عرضها , و عودٌ على جوهر الموضوع حول الأسعار الباهظة للكتب , فليس من المنطق أنْ يتحكّمون افرادٌ لا تزيد اعدادهم عن العشرات او المئات بفرضِ اسعارٍ على مئات الآلاف ” على الأقلّ ” من القرّاء وحرمان الكثير منهم من المعلومات المتنوعة بسبب هذه الأثمان لكي يحقق هؤلاء الباعة اعلى نسبةٍ من الأرباح , كما ليس من المتوقّع اصلاً أن يتحلّى هؤلاء بالوعي الثقافي والوطني لتخفيض الأسعار وتقليل نسبة ارباحهم , وبالتالي فقد اصبح هذا الشارع الذي ارتبط أسمه بأبي الطيّب المتنبي , اصبحَ وامسى شارعٌ تجاري اكثر مما هو شارعٍ ثقافي , كما اضحى مكاناً للدعاية السياسية الخاوية حين يرتادوه ويترددون عليه الكثير من ساسة السلطة محاطين بمصوّريهم و حَمَلة المايكروفونات لأغراض الظهور الإعلامي , والى الحدّ الذي جعل كبار المثقفين يتجنّبون الذهاب الى هذا الشارع في أيام الجُمَع كي لا تُلاحقهم تهمة التظاهر بالثقافة والتصنّع بالظهور أمام عدسات الإعلام او أمام أعيُن الآخرين .
ما مطلوبٌ الآن هو تدخّل الدولة او الرئاسات التي ترأسنا ببأسنا , لأيجاد صيغةٍ جديدةٍ لإيصال ” معلومة الكتاب ” سواءً كان جديداً او قديماً ” بغية ترغيب وتحفيز الأجيال الحديثة ” على الإحاطة بالمعلومات الثقافية والسياسية السابقة , وذلك عبرَ وزارة الثقافة او اية مؤسسةٍ اخرى لتتولى استيراد الكتب على نفقة الدولة وبيعها الى الجمهور بالأسعار المناسبة , وذلك من خلال التعاقد المباشر مع دور النشر العربية وغير العربية , وذلك بهدف الحد من احتكارات القطاع الخاص ..
O – وقد بقيَتْ نقطةٌ اخرى ليس لها علاقة بشارع المتنبي ولا بالمتنبي ذاته ولا بأصحاب مكتبات و ” بسطات ” هذا الشارع , وهي أنّ جميعهم ويضاف لهم المؤسسات المكتبية ” سواءً كانت اكاديمية او رسمية ” , فالجميع هم أبعد ما يكون عن التقنية الحديثة في الوصول الى الكتاب بل الى اية معلومة في ايّ كتاب .! كما أنّ نظام ” ديوي العشري ” في تصنيف مواضيع الكتب لم يعد مفيداً من دون هذه التقنيات المتطورة , ولكي اُجسّم واختزل ذلك , فأرى أن اروي هذه الحادثة المكتبية الطريفة : –
< بيتان غير متتالين من احدى قصائد نزار قباني التي صدرت في ” بداية تسعينات القرن الماضي ” كانا قد قفزا فجأةً الى رؤاي , ممّا جعلني أجهد واجاهد لإستذكار تلك القصيدة القديمة , لكنّي لم افلح في ذلك ” الجهاد ” لا في تذكّر مجمل القصيدة ولا عنوانها ولا الأبيات الأخرى , إستعنتُ ببعض زملائي في اتحاد الأدباء والكتّاب عارضاً عليهم حالي ! والبيتينِ تلك من الشِعر عساهم يسعفوني في استرجاع القصيدة , لكنهم جميعا نصحوني بعدم البحث عن ” أبرة ” في كومةٍ من القش ! وأنْ اتجنّب البحث في العبث .! , بحثتُ وفتّشتُ مراراً في مجلدات وكرّاساتِ ” نزار ” المتوفرة ولم اتوفّق ولم ادنو مما ابحث عنه , وذلك كلّه قد ضاعفَ من فضولي الصحفي والنفسي في الوصول الى تلك القصيدة التي غدت كأحجية . وفي اولِ فرصةٍ سنحت لي بالسفر الى بيروت , توجّهتُ مباشرةً من فندق ” الكاسادور ” في شارع الحمرا الى الفرع الرئيسي لمكتبة ” انطوان ” الشهيرة ” على الرغم من وجود فرعٍ ثانوي لهذه المكتبة في ” الحمرا ” , اردتُ حسم هذه المعضلة الشعرية المستعصية , شرحتُ مأساتي للموظفة المسؤولة عن جناحِ مطبوعات ” نزار قباني ” فطلبت أن اُملي عليها البيتين اليتيمين من القصيدة المجهولة وادخلتهما في الكومبيوتر . ثمّ في نحوِ عشرِ ثوانٍ إستخرجَتْ القصيدة موضوعة البحث من دون ايّ مجهود . ولا استطيع وصف حالة الأنشراح التي غمرتني جرّاء ذلك . والقصيدة تلك كانت بعنوان ” هوامش على دفتر الهزيمة 1991 ” .. والى ذلك , فعلى المستوى الفردي فلم يعد صعباً على ايّ امرءٍ في الدخول الى منزل السيد ” غوغل ” ليرتشف ويلهم منه ما يشاء , ولكن متى يا ترى تستخدم دور الكتب عندنا هذه التقنيات ..!