23 نوفمبر، 2024 5:12 ص
Search
Close this search box.

صايرة ودايرة بالعراق      

صايرة ودايرة بالعراق      

كنت في عام ٢٠٠٩ أحرص على متابعة مقالات قصيرة شبه يومية لكاتب عراقي مبدع في احدى صحفنا المحلية، لاني كنت اجد فيها قدرة ذهن متفتح وحرف متمكن من رسم ومعالجة صور من زوايا الحياة اليومية بشكل ومضمون علمي وعقلاني يجذب كل من يمر من امامها ، انها مقالات أغبط انامل ودماغ صاحبها .
مقالات كاتبنا هذا تنسج من الحدث اليومي لحياة العراقيين مفتاحا لفكرة او هدف يسعى الكاتب لارساله بخفة بيد ساع ذي فكر متحضر يتسع لمحبة وخير العراقيين والانسانية جمعاء .

حاولت مرة الالتقاء بذلك الكاتب شخصيا ، مستغلا تواجدي في بغداد قرب مبنى اصدار الصحيفة التي ينشر مقالاته بها ، لكني فشلت ، فقد علمت ان الكاتب يراسل الصحيفة من خارج الوطن ، واستدركت لحظتها احد اسرار قوته في اقتحام اركان معينة ومهمة من حياتنا الاجتماعية والسياسية والفكرية في حين يتجنبها الكثيرون من ابناء الداخل نظرا لانعدام حرية الكلمة في العراق في ظل هيمنة سلاح وثقافات قوى إقتصادية لأقطاب دينية وعشائرية ناهبة ومدمرة للانسان وثروات العراق وازمانه ، تلك الاوضاع والثقافات التي توارثها المجتمع العراقي منذ اكثر من اربعة عشر قرنا ولتبقى ملاصقة للحياة اليومية لاغلب أفراده ولأمد قد لا يبدو قصيرا، جاعلة اياهم وكأنهم يختارون بايديهم استمرار معاناتهم وتخلفهم عن نيل حقوقهم الانسانية ، وحال العراقيين في هذا كحال كل المجتمعات العربية .

قبل ايام كتب هذا الكاتب مقالا بعنوان ( لنسابق الزمن ) تطرق فيه الى بعض التفاصيل الانسانية المؤلمة لآثار تفجير ارهابي حدث في شارع قرب منطقتهم السكنية ببغداد حيث اصيب احد اقاربه من الشباب بجروح خطيرة ، وخضع لثلاث عمليات جراحية معقدة لمعالجة كسور قدميه ويديه بينما هو مبتلى بداء السكري ، وقد كلفته تلك العمليات مبلغا لا يقل عن سبعة ملايين دينار وذلك ما أجهد جدا اهله الذين هم من ذوي الدخل المحدود .
كان أبرز الاهداف الرئيسية للمقال المنسوج في خيال الكاتب من واقع المعايشة الوجدانية وربما الواقعية لابناء وطنه يتمحور حول ضرورة الاسراع في اقرارالقوانين والنظم التي تكفل قيام الدولة برعاية كل عراقي صحيا منذ لحظة ولادته حتى وفاته وفق النظم المتبعة في المجتمعات المتحضرة ، فما بالكم بالفقراء من مصابي التفجيرات واعمال العنف الارهابية !
يقول كاتبنا في مطلع مقاله هذا واصفا حالته وهو يتوجه فزعا لانقاذ الشاب الجريح لحظة وقوع الانفجار :
(( طرت بين الطرقات والبيوت والمحلات والعجلات لأصل ( كريم ) ولاحمله بدمائه على اجنحة تسابق سرعة الضوء ولأحط به في اقرب مستشفى حكومي ، حتى اني نسيت دفع اجور سائق سيارة الاجرة بينما لم يطالبني هو بها)) – إنتهى- .
المضحك حد البكاء ان أحد الكتاب العراقيين من ( الاذكياء) ومن الذين يحرصون على اداء ركعة صلاة كل ربع ساعة حمدا وشكرا لله ، كتب في صحيفة ( نجوم الظهر) المحلية مقالا ( قويا ) تناول فيه نقد مقال ( لنسابق الزمن ) متهما صاحبه بارتكاب جرائم ضد العراق والانسانية حيث لم يجد في المقال سوى قول ما نصه :
(( أعترف الكاتب بلسانه انه ( طار ) بين البيوت والطرقات والمحلات والعجلات ، و ( حط ) في مستشفى وهو يسابق سرعة الضوء ، وهذا يدل ان الاضرار الكبيرة التي شهدتها تلك المنطقة السكنية بعد الانفجار الارهابي قد تكون بسبب الطائرة التي استقلها الكاتب المتهور بين البيوت دون رحمة وانسانية ، فهو قتل وجرح العشرات من العراقيين ودمر العشرات من البيوت والابنية بكل انانية من اجل جريح واحد ، علما انه ولغرض التمويه على جريمته إدعى انه نسي دفع اجور سائق سيارة الاجرة !! وقد فاته انه اعترف في نفس المقال المعنون صراحة ( لنسابق الزمن ) بنقله الجريح على اجنحة طائرة حديثة سريعة ، علما انه ما كان يعترف بجرمه الكبير هذا لولا انه اراد افهامنا انه بطل زمانه في قيادة الطائرات الحديثة ، وان شهامته أجبرته على المخاطرة بسلامته وسلامة طائرته وان كان ذلك سيؤدي الى مصرع وجرح العشرات من الابرياء إضافة الى تدمير ابنية يغداد.))

وأكمل هذا الناقد الذكي وصحيفته الغراء قائلا ما نصه :
((اننا ندعو دوائر وزارة العدل لاتخاذ ما يلزم بحق ما اقترفه واعترف به كاتب مقال ( لنسابق الزمن ) من جرائم ضد العراقيين ، في حين ندعو وزارة البيئة للتحقيق لمعرفة اسباب العواصف الترابية التي يشهدها العراق مؤخرا ، فقد تكون الطائرة التي انتقلت بسرعة الضوء داخل البلد هي التي سببت تلك العواصف ، كما اننا على استعداد للتعاون مع الرئيس الامريكي اوباما وكافة اجهزة المخابرات في دول العالم لاعادة التحقيق في ملابسات تفجيرات الابراج الامريكية التي دمرت وقتلت الالاف من الابرياء ، فقد يكون لهذا الكاتب العراقي ضلعا فيها لكونه يستخدم طائرة غير موجودة في كل انحاء العالم عداه ، ومن يدري فقد نجد صلة بين هذا الكاتب وشاعر اصولي هندي ، إسمه يدعى ( كاتلة الهبري) ، يسكن في ثلاث اماكن في اليوم الواحد ، فهو ليلا في الكونغو برازافيل بينما يعمل ظهرا في محل لبيع الطرشي في الموزنبيق ، ويطير طائرات اطفال علامة ( فيالة ) المشهورة في الغينيا بيساو صباحا وذلك حسب معلومات مؤكدة .)) – إنتهى-
اخيرا ، سمعت ان أحد اقارب الشاب المصاب اثر الانفجار ، وهو معلم عراقي متقاعد طاعن في السن ، لا يصلي ولا يصوم ، خاطب كاتبنا المغترب بعد ان اطلع على أمرالمقالين اعلاه قائلا والعهدة عليه :
يشتعل ابوك بقبرة الف مرة لو فكرت فد يوم ترجع للعراق !.

أحدث المقالات

أحدث المقالات