توجه الأنظار و التحليلات الى المعركة على الأرض بين مسلحي داعش و القوات العراقية، بغطاء جوي تعدد الجنسيات، و لا يختلف عاقل على أهمية هذا الجهد لتحرير الأرض و بث الفزع في نفوس المسلحين، بعد أشهر على عدم تحقيقه نصرا في الميدان، لكن هذا الجهد يحتاج الى ما هو أهم و أكثر تأثير في المستقبل، فالنجاح العسكري له تأثير في مرحلة بابعاد محددة ، لكن تفكيك فكر التطرف يؤسس لفضاء تسامح واسع جدا.
ومن هنا فان مواجهة داعش لا تنطوي على صفحة عسكرية فحسب ، لأنها ستمتد الى ما هو أقوى و أشد تأثيرا ، انها حرب العقيدة لتفكيك شعارات و ايدلوجية التنظيم ، فليست الهزيمة العسكرية في العراق مفتاح الحل انما هي بوابة للدخول في معركة وجود من خلال وقف خط انتاج المؤيدين لداعش، عندها تكون المعركة ضد جيل معين لا يقوى على المواجهة، و من هنا تأتي أهمية تدمير ملاذات المسلحين بتوجه حقيقي للمصالحة و تفعيل المواطنة بعيدا عن الشحن الديني، الذي غالبا ما يؤسس لنقيضه خاصة و ان العراق دولة مدنية لا دينية، لذلك انصهر المجتمع في بودقتها.
ويمثل وقف “خط انتاج الداعشيين”نقلة نوعية في الحرب النفسية المضادة، فكلما تراجع عدد المؤيدين و الانصار و المغرر بهم، كلما اقتربنا خطوة باتجاه القضاء على التشدد، خاصة مع تحذيرات دولية من وقوع الأطفال تحت تأثير ” مخدر داعش و شعاراته البراقة”، ما يستدعي التعجيل بتحرير الأراضي للحد من الضغط على العقول و التعود على سلوكيات مسلحي التنظيم، و ذلك بالتزامن مع تثقيف مدروس على مستوى الخطابة في الجوامع و المنتديات الاجتماعية، على منهاج دراسي قادر على غسل أدمغة الطلبة مما ترسب فيها من صور و أفكار و سلوكيات صادمة.
ولا يجوز التهاون في هذه المهمة الكبيرة و الشاقة لوضع جدار عازل بين مباديء الاسلام و الطاريء عليها، بما يحمي المجتمع من الأفكار الهدامة و السلوكيات خارج رحم الدين و الموروث الاجتماعي، مع الأخذ بنظر الاعتبار الواقعية في المعالجة على اعتبار أن التشدد نشأ بعيدا عن الأنظار و أكتسب قواعده الجماهيرية على مراحل، لم تتعامل معها المخابرات العربية بالوقت المناسب، بل استغلها البعض لركوب موجات المناكفة و النفوذ السياسي قبل أن يغرق قارب الواقعية وسط أمواج تحديات متلاطمة جدا. لن يتم تحقيق النصر الحقيقي في المعركة ضد ” داعش” الا بخطط شاملة سياسيا و عسكريا و ثقافيا، فالمتحقق على الأرض مقلق للغاية بعد ارتداء الشباب ” عمامة التشدد” مقابل غياب استراتيجية اعادة زرع الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، لذلك يكثر الحديث عن خروقات في المناطق المحررة تؤخر اندفاع المواطن في مقاتلة داعش، لأن المواطنة أضحت بدرجات متأخرة عن الطائفية و العرقية، وهو تحول مقلق خاصة مع توقف عجلة الاصلاح الحقيقي و طي صفحة الماضي، ما يتطلب فهما جديدا للأولويات، لأن العراق لن يخرج من دائرة التحديات بمشروع طائفي و لن يستقر بفدراليات أو اقاليم بل من خلال مجتمع متسامح يعيش تحت مظلة الدولة المدنية العراقية لا يافطات الاحزاب الدينية و التجمعات الحزبية المتناحرة.. العراق في خطر و الشعب في اتجاهات مختلفة، لذلك حان وقت التغيير على الطريقة الاردنية، حيث رمى الشعب الأفكار الخاصة جانبا و توحدوا خلف راية الوطن و رفض التشدد بعد استشهاد الكساسبة، فيما تقدم مئات العراقيين الصفوف للدفاع عن الوطن دون أن يوحد ذلك 50 سياسيا!! وهو سبب الداء و البلاء.