( حضور الخطاب الشعري وغياب تقنية خطاب العرض)
لعل الكتابة حول عمل مسرحي يخص الشاعر محمد علي الخفاجي ليس بالشيء الجديد او الغريب عن عوالم هذا الشاعر، ولا سيما وانه له سابق في كتابة هكذا نصوص .الا ان الغريب والجديد في الامر هو كيفية اخراج هذا العمل الذي قد اطلق عليه الشاعر صفة (اوبرا) دون ولوج حقيقي او مدرك في اسبقية الشاعر للكتابة الجاده في تجربة وخصوصية هذا الجنس .ولعلنا لانستطيع القول هنا بان تجربة الشاعر محمد علي الخفاجي مغايره في تجربة نص (سنمار) لعوالم ادوات ومقومات شروط عروضية فن (الاوبرا) ولاشك اننا سوف نتوقف امام هكذا افتراض ،باحتمال ان الشاعر قد اقام عوالم تجربتة على اساس من كونه شاعرا ماهر وفي كونه ايضا بليغا في نسج تصوراته ومبانية الشعرية على اساس من استثنائية المامه بشروط ومقومات هذا النص. غير اننا وعند قراءة اول الفصول ،وجدنا بان الشاعر الخفاجي تدانيه رغبة بالجهار والتصويت والصراخ وانشار عدسات الاضواء مع اختلاف مراسيم اداء المجوقين ،حيث ما ان بدا العرض، حتى انبثقت شعلة الحكي عن تفاصيل (راس) السنمار الذي بات مقطوعا كراس
(الحسين) تتناقله السبايا (زوجة سنمار !) وحشد شلة المجوقين كذلك شخصية ذلك الرجل الضرير الذي لم تسعفنا الصدف او سخرية القدر حتى نتمكن من التعرف اليه او حتى التقرب من عالمه الظلامي .هكذا ابادء ذي بدء يطلعنا الشاعر الخفاجي على مراسيم بداية فصله الاول :
خذوا بيدي .. خذوا بيدي
عراقي اضاع هوية خضراء
بين غباره وتناحر الفرقاء .. ص12
لعلنا بهذا الموجز البسيط تتكشف امامنا تعالقات البنيات (السوسونصية) بالتفاعل النصي والعرضي حيث تتعالق الصيغ بالرؤيات ،لذلك سنعمل على هذا الاساس على استثمار اهم المعطيات التي تمت مراكمتها في تحليل التفاعل والعرض النصي، عن طريق وضع النص (الاوبرا) بكل تفاعلاته النصيه امام اطار بنية وثيمة العرض المسرحي .ولعلنا هنا قد نجد انفسنا امام فعلا ننتقل به ومن خلاله الى البعد الفضائي الثالث من اوجه تقلبات العرض النصي ،على ان لايكون النص بهذا مجرد عملا اسقاطية لمخيلة الشاعر، كذلك على ان لايكون ايضا مجرد عملية ربط نصوصية بسياقات مغايره ،تقتضي من الشاعر نفسه معاينة البنيات النصية في العرض على اساس بنيات صوتية من خلال دلالات الرؤيا المعبر عنها ،ولكن يبقى نطاق السؤال مشروعا ،بالقول ؟ لماذا قصد الشاعر محمد الخفاجي تسميات عمله هذا نظيرا لتسميات مرجعية وتاريخية ؟هل كان غرض الشاعر من هذا المنحى
الدلالي تثبيت واجهة النص من باب استعاري او كنائي فقط؟ ام ان تسلسلية النص نفسه هي من اقاد العمل نحو فكرة المرجعية التاريخية ؟ ثم والى اين يريد الخفاجي الوصول من وراء تسجيله لهذه الحقيقة البديهية ؟وجوابا عن كل هذه الاسئلة سوف نتجاوز الفهم التبسيطي لعلاقة النص (سنمار) نفسه بالمرجعية التاريخية ،كذلك سوف نوظف الفارق البسيط بين ماقد ذهب اليه الشاعر الخفاجي وبين ما قد الة اليه معطيات نصه ،كذلك من الاجدر لنا ايضا من ان نقول ،بان الكاتب ليس دائما هو المدان باعتباره منتجا للنص، كذلك ليس معنيا في الوقت نفسه بالقضايا التاريخية والاجتماعية والنفسية ،لانه ببساطة لاينتج من اجل الخطاب الاجتماعي او التاريخي ،ولكن ويمكننا بواسطة هكذا تبرير او تمرير ،من ان نخلص الخفاجي من مسؤولية (المحاكاة التاريخية) اذا كان عمله نفسه لايحمل انطباعية المؤثر نفسه ،وامام هكذا مباشره في (العله /المعلول) نجد اوبرا (سنمار) مشبعه بهذا الجانب المركزي من عمق المسالة،فاننا نجد مقدمة الشاعر الخفاجي تعزز لنا هذا التاكيد بقوله [ هذا النص على حد اطلاعي سيكون الاول في ابناء جنسه/ لا شك انها معجزه كذلك /علينا ان نتذكر ان هذه البلاد كانت وما زالت بلاد الحضارة والعماره/ اوبرا عراقية عربية تتعدى الاشكال الى رؤية شامله لمسرح كلي ..] وانطلاقا من مقدمة الشاعر الخفاجي التي راح فيها يؤكد على مزايا وخصائص هي في الواقع بعيده كل البعد عن مجال انطلاقية نص (سنمار) الا اننا سوف نتوقف عند فقره بسيطة اخذه الخفاجي يعزز من توكيدها بقوله (رؤية شامله لمسرح كلي ..) وبناءا منا على هذا التصور سوف ننطلق لنعاين هذا المجال .ان نصوصية اوبرا (سنمار) تتشكل ضمن منتج (النص الشعري) وهذه البنية في حقيقتها وجدناها مظهرا ملفوظيا ولسانيا في علاقته بنصوصية (العرض المسرحي) حيث تتجلى من خلاله المظاهر العروضية للخطاب العرضي على اعتباره (تناص عرضي) الا ان فهمنا لهذه العلاقة قد جاء متشككا لسلامة هذا التفاعل النصوصي ،أي ،في نطاق ما سميناه بمفهوم (الاوبرا) وبعد زمن قصير من التشخيص في مجالات اساليب العروض (الاوبرية) وجدنا هذا العمل مقصورا فقط على فضاء واحد، وهو فضاء الخطاب الشعري ،دون ولوج الشاعر الخفاجي لمجال الخطاب العرضي ،او الخلفية التطبيقية التي يحددها مجال تكاملية العمل .ولتقريب الصورة او الفكره وتجسيدها بشكل ملموس للقارئ ،فيمكننا القول ،ان نصوصية اوبرا (سنمار) لم تنتج ضمن بنية نصية منتجة ،أي ،ورود العملية التفاعلية بكافة متطلبات العرض النصي ،وهذا بدوره ماجعل العمل يجري على (قدم واحده) حيث بات التصور راسخا بان نص اوبرا (سنمار) مجرد علاقة مقصوره على فضاء الخطاب الشعري ودون اية لواحق للعمل (الاوبروي) الاصيل .وعلى هذا الاساس يمكننا القول للشاعر محمد علي الخفاجي ،ان نصوصية (سنمار) لاتشكل شيئا من امكانيات عملية صناعة (الاوبرا)
الا شكلا او طرفا واحد ،بات مقصورا بصوت الشاعر فقط ،وهو يحرك شخوصه التي ما لبثت من العرض سوى (اطياف هلامية) تخشى من التلاشي لحظة ظهورها على خشبة المسرح الذي بات هو الاخر مجرد نفق عظيم من الظلام تتراقص فيه ومن خلال اعماقه اطياف الشخوص وكلمات (شعر الخفاجي) التي حاولت قدر
جهدها الجهيد على انقاذ اوبرا (سنمار) من الاندثار والسقوط في مهاوي عمق اضطرابات العرض المسرحي .وفوق هذا ،وقبل كل هذا ،لاننسى من ان نذكر الشاعر محمد علي الخفاجي وبوجه خاص من ان وظيفة وصناعة عوالم (الاوبرا) وعيا واراده وحضورا، تزيح عنها كل المسلمات الشخصية القابعه في قرارات النفوس الخرافية الساذجة ،كما انها تسمو على هذا المستوى الذي كتبه فيه نص (سنمار) لكونها بصريح العبارة : شيء اسمه الالهام والوحي ،كذلك كونها (صناعة تثقيفية) لا كما تعتقدها انت على اساس نص (سنمار) الذي لم يضيف سوى ،براعة الشاعر في فن كلامي نثري وقيم شبحية لاناس لايملكون حتى قابلية التواصل مع بقية عملك الخرافي هذا .