23 نوفمبر، 2024 6:03 ص
Search
Close this search box.

أمريكا والعراق وداعش والملف النووي الإيراني

أمريكا والعراق وداعش والملف النووي الإيراني

أوضح كثير من المراقبين القريبين من المحادثات حول الملف النووي الايراني بأن الأمور الفنية فيه قد سوًيت ولم يتبقَ سوى الخلاف على رفع العقوبات المفروضة على إيران. فإيران تريد إلغائها فوراً أو بعد مدة وجيزة من توقيع الاتفاق النهائي، بينما تريد أمريكا الغائها تدريجياً لفترة قد تمتد لعشرين عاماً.

العقدة تكمن في العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة التي تصعب إعادة فرضها إذا ما أُلغيت بسبب الفيتو الروسي – الصيني الذي أصبح حاضراً في السنين الاخيرة لمواجهة الالاعيب الأمريكية ضد الشعوب التي لا تخضع لإرادة أمريكا. أما العقوبات الأمريكية أو الأطلسية فلا مشكلة فيها إذ يمكن إلغاؤها وإعادتها في أي وقت حسب ما تشتهي المصالح الأمريكية.

وقع اختلاف كبير بين الرئيس أوباما ومن وراءه الحزب الديمقراطي وبين الحزب الجمهوري، الذي سيطر على مجلسي الكونغرس بعد الانتخابات النصفية، على خلفية محاولة الجمهوريين عرقلة إبرام تسوية نهائية مع إيران. بلغ الخلاف حد تهديد الرئيس باستخدام حقه في النقض (الفيتو) إذا ما فرضت الأغلبية الجمهورية رأيها بفرض عقوبات إضافية على إيران الآن بهدف نسف الاتفاق من أساسه إذ هددت إيران من جانبها برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إذا ما أصدر الكونغرس عقوبات إضافية حتى ولو نقضها الرئيس أوباما.

تراجع الحزب الجمهوري أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي، اللذين مالا لصالح إيران، ومنح المفاوضات شهرين للوصول الى حل نهائي وبخلافه فسيعود الى فرض عقوبات اضافية على ايران.

ما هو السبب الذي يقف وراء هذا الاختلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي؟

يكمن السبب في مقاربة كل من الحزبين لبلوغ الهدف الذي يتفق عليه الطرفان ألا وهو إسقاط النظام الإيراني.

تتمثل مقاربة الديمقراطيين في النفاذ الى قلب النظام الايراني عبر فرض شروط لإتمام الاتفاق النووي والحصول على حق التواصل مع منظمات المجتمع المدني، الحقيقية منها والمزيفة، ومدها بالمنح المالية وما ورائها، وعندئذ يمكن التواصل عن قرب مع الجناح الإصلاحي في المؤسسة الدينية الايرانية وأية فئة معارضة أخرى بضمنهم مجاهدين خلق داخل وخارج ايران وتشجيع أتباعها على التمرد والانقلاب على النظام.

هذه المقاربة هي ذاتها التي حققها الرئيس أوباما في اتفاقه الاخير مع كوبا الذي طويت فيه صفحة الحصار الذي دام لخمسة عقود. فرضت أمريكا مقابل هذا التنازل حريتها في الوصول الى منظمات المجتمع المدني “الصديقة” لتمويلها وهذا بالطبع يعني تشجيعها على التمرد. إنه تبدل الأسلوب وليس الهدف وإلا فلماذا سعت وتسعى أمريكا الى قلب نظام الحكم في فنزويلا حسبما أعلن الرئيس ماندورا؟

إذا كان النظام الاشتراكي الكوبي واثقاً من نفسه ومن إلتفاف الجماهير الغفيرة حوله ما جعله يسخر من الآمال الأمريكية في قلبه لذا فلم يبالِ بمنح أمريكا التنازل مقابل رفع الحصار، فإن النظام الإيراني لا يقل ثقة بنفسه إلا أنه سيرفض أي شرط من هذا القبيل من باب الإعتداد بالنفس كما قالت الدكتورة ليفريت الأستاذة في الجامعة الأمريكية في واشنطن والعضوة السابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي والمتخصصة في الشؤون الايرانية وذلك في فضائية الميادين في الأسبوع الماضي؛ وكما نبّه الأوربيين الى تلك الحساسية الايرانية قبل سنتين رئيس الجمهورية العراقية بالوكالة الدكتور خضير الخزاعي.

خلاصةً، فان الحزب الديمقراطي يريد ان يدفع الايرانيين الى رفض الاتفاق وبالتالي تحميلهم مسؤولية فشل المفاوضات ليواصلوا الضغوط وفرض العقوبات عليهم للوصول الى الهدف آملين الاستفادة من احتمال نجاح المخطط الأمريكي في العراق، ولو بحذر وهدوء وتأنٍ ناجم من التزام اوباما بعدم ارسال قوات برية أمريكية للعراق ومحاولة ارسال قوات خليجية بدلها فردد الصدى أياد علاوي قبل أشهر ونجيرفان برزاني مؤخراً. لهذا بدأ الملف العراقي يسخن ويصبح واعداً بعد نجاح ذلك المخطط الأمريكي في تمكين داعش، التي جعلوها تنتظر هي وخلاياها النائمة، أي “ثوار العشائر”، ساعةَ الصفر في موقعها على حدودنا مع سوريا، من احتلال الموصل وعدد من المحافظات العراقية في حين جعلت أمريكا العراق ينتظر وينتظر طائرات ف-16 وسلاحاً نوعياً مدفوع الثمن إنقضى أجل تسليمه ولم يُسلم (خوفاً من إستخدامه في إفناء السنة الذين لم يكن لهم وجود في السلطة العراقية والبرلمان لأنهم كانوا مهمشين – حسب قول اوباما!!!) بعد أن ضمن الامريكيون عن طريق “الأحباء” عرقلة صفقة السلاح مع روسيا الاتحادية التي عقدها الرئيس نوري المالكي حتى ولو بتأخيرها، فنجحت أمريكا في فرض تواجد طيرانها العسكري في الأجواء العراقية بنشاط “متنوع” الأهمية بحسابات غير بريئة هدفها المرتقب هو التمكن من القرار العراقي بمساعدة الجناح السياسي لداعش وأعوان داعش داخل مجلس النواب وخارجه من الطغمويين* وبمساعدة قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني ووصاويصه الصغار من المستثقفين وجشع البعض الساعي الى فرض نظام “العوائل” في وسط وجنوب العراق.

وإذا تمكنت أمريكا من القرار العراقي فسيُسخَّر العراقيون بشبابهم وأموالهم النفطية لإستكمال الدمار السوري والحرب على إيران وضرب حزب الله والمقاومة الفلسطينية ثم السلطة الفلسطينية وصولاً الى تصفية القضية الفلسطينية برمتها وربما المضي الى ضرب الثورتين اليمنية والبحرينية الديمقراطيتين وضرب مصر والجزائر؛ وللموازنة يُزال أخيراً النظام السعودي والخليجي بأكمله بعد أن يكون قد أدى مهمته غير الشريفة على أحسن وجه طيلة القرن العشرين وما انقضى من القرن الواحد والعشرين. 

أما الجمهوريون، الممثلون للمصالح الكبرى كشركات النفط والسلاح والمعروفون بسياساتهم الخارجية العنيفة، فإنهم يشتركون مع الديمقراطيين في الهدف النهائي لكنهم يختلفون في التكتيك إذ يعوِّلون على حلول أكثر عنفاً وعنجهية. لذا انطلقت من ممثلهم السناتور جون ماكين، الجمهوري ورئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، تصريحات فصِّل فيها لمنطقة الشرق الأوسط والعالم، وللعراق وسوريا بالذات، ثياباً على مرامه وكأنهما الحديقة الخلفية لبيت أبيه. لهذا فهو يريد إرسال قوات برية أمريكية الى العراق وسوريا دون إعارة اية أهمية لرفض الشعب العراقي لتواجد أية قوات برية أجنبية لإكتفاء العراق بأبناءه الغيارى في جميع أنحاءه وتحت أي مسمى  حسبما أفصح عن ذلك رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي مراراً وتكراراً وذلك مواصلةً لسياسة التحالف الوطني التي التزم بها الرئيسان المالكي ورفيقه العبادي على حد سواء.

يرى كثير من المراقبين السياسيين ان قلق امريكا والغرب من احتمال قيام ايران بإنتاج سلاح نووي هو قلق مفتعل يهدف الى محاصرة ايران لأنها متمردة على سياسة الغرب بقيادة الولايات المتحدة وفي المقدمة دعم ايران للقضية الفلسطينية واسنادها لمحور المقاومة. أما تمتلك إسرائيل السلاح النووي؟ إن الغرب غير راضٍ عن امتلاك دول العالم النامي التقنيةَ النووية السلمية. ظلت أمريكا تماطل مصر حتى يومنا هذا دون جدوى إبتداءً منذ عهد أنور السادات يوم وعدوه بمفاعل نووي بديل إذا ما إبتعد عن السوفييت ومشاريعهم ومن ضمنها إقامة مشروع نووي للأغراض السلمية وهو ما ألح ويلح على إقامته ليومنا هذا الكاتب والمفكر العربي الكبير محمد حسنين هيكل لأهميته الحضارية. ونتذكر كيف دمرت اسرائيل المفاعل النووي العراقي في مطلع ثمانينات القرن الماضي يوم كانت العلاقات مع الولايات المتحدة جيدة إذ زار رامسفيلد العراق ورفع تقريراً الى الرئيس رونالد ريغن يعلمه بإمكانية التعاون مع صدام. وأشارت تقارير صحفية عديدة الى حصول إسرائيل على معلومات ومساعدات من خبراء فرنسيين كانوا يعملون في المفاعل النووي العراقي لتنفيذ ذلك العدوان الآثم التدميري.

يريد الجمهوريون بقيادة السناتور جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، العودة الى المشروع الذي إنطلق على هداه الرئيس بوش الابن واحتل العراق عام 2003 بحجة واهية، مع تعديل فرضته مجريات الاحداث وهو العودة الى العراق هذه المرة بمعية دول الاتحاد الاوربي على عكس ما قام به الرئيس بوش يوم تحدى الأوربيين ولم يعر لهم اهتماماً إذ أراد الانفراد بقيادة العالم يوم كانت الظروف مؤاتية إذ كانت روسيا منبطحة تحت تأثير سياسة بوريس يلتسن المتخاذلة. أما اليوم فان نهوض روسيا والصين ودول البريكس وتعمق الأزمة الاقتصادية للعالم الغربي دفعت امريكا الى اصلاح العلاقة مع أوربا إستعداداً لتأجيج حرب باردة جديدة مع روسيا فافتعلوا الازمة الأوكرانية وواصلوا مخططهم العدواني في سوريا وفنزويلا وايران والعراق.

أعتقد أن أمريكا بدأت تفقد صبرها لصمود الشعب العراقي ونجاحه المتمثل بنجاح القوات المسلحة والأمنية وأبناء الحشد الشعبي وأبناء العشائر الخيرة والبيشمركة في دحر داعش التي عوّل الأمريكيون كثيراً على قدرتها في تركيع العراقيين لإرادتها.

لذا بدأت أمريكا تحرك “حلفائها” في الداخل العراقي لافتعال أعذار لتشويش الموقف وتشويه سمعة الحشد الشعبي وأبناء العشائر الشريفة والبيشمركة والإساءة للوحدة الوطنية بل لجأت حتى الى محاولة خلق الشقاق بين أطراف التحالف الوطني وجماهيره التي اتصفت بالوعي وهي التي وقفت منذ 2003، عبر صناديق الاقتراع، على رأس المتصدين للمشروع الأمريكي.

إنهم يحاولون إثارة النغمة المقيتة الطغموية القديمة الرامية الى خلق صراع بين شعوب المنطقة كالشعبين العراقي والإيراني بحجة أن إيران عدو العرب التقليدي وذلك تنفيذاً لسياسة فرق تسد. هذا في وقت ما عاد خافياً ما تحدث عنه جون كيري وزير الخارجية الأمريكي من بروز ظاهرة التحالف بين اسرائيل وبعض الدول العربية كالنظام السعودي والخليجي عموماً. إن النظام السعودي يسلك أي طريق للحفاظ على نفسه في وجه مطالبة الشعب السعودي بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان. لذا فالنظام يثير الصراع الطائفي في المنطقة وتدعمه اسرائيل الرامية الى تفتيت الدول العربية لتصبح هي الأقوى في المنطقة.

إن قفز السيد رئيس مجلس النواب الدكتور سليم الجبوري الى اتهام القوات المسلحة والقوات الامنية والحشد الشعبي وأبناء العشائر وهو بعيد كل البعد عن ارض المعركة مع داعش واعتماده على كلام سفيه أو كيدي مصدره داعش نفسها – لهو أمر محزن جداً. كان عليه بالأقل أن ينتظر نتائج التحقيق الذي أمر الدكتور العبادي بإجراءه.

 يجب أن يتذكر السيد الجبوري وإئتلافه وكتلته وحزبه أنهم متهمون بالإرهاب ومفخخاته وعبواته الناسفة التي حصدت من أرواح  العراقيين الأبرياء 1375 خلال الشهر المنصرم. هذه هي الحقائق الدامغة وليست ادعاءات اوباما التي يختلقها لتمرير أهدافه الامبريالية. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*):للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995

http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181

أحدث المقالات

أحدث المقالات