في واحدة من الاحداث التي يجب ان تسجل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية , إستطاع مجلس النواب العراقي من تمرير الموازنة الاتحادية لعام 2015 خلال 80 دقيقة فقط , فقد بدأت الجلسة في الساعة السادسة من مساء أمس ( الخميس 29 / 1 ) وانتهت في الساعة 8,50 دقيقة , بعد ان تم تأجيلها في نفس اليوم لعدة مرات حيث كان من المفترض ان تعقد جلسة مجلس النواب صباحا , ولكنها تأجلت نظرا لانعقاد اجتماع رؤوساء الكتل للاتفاق على الموازنة , وقد تأجلت لوقت اخر وتم تحديد الخامسة مساءا لانعقادها وبعدها تم الاتفاق على عقد الجلسة في السادسة مساءا , وهذه التأجيلات ادت الى تأجيل استضافة وزير الداخلية محمد الغبان الذي حضر الى بناية المجلس ووجد الرئاسة منشغلة بمشاوراتها لتمرير الموازنة , وقد كانت استضافته لموضوع حيوي يتعلق بالأوضاع الانسانية في المناطق المحررة وما يحصل فيها من تداعياتها .
ولان جلسة المجلس لمناقشة الموازنة قد تم نقلها مباشرة عبر شاشات الفضائيات فقد شهد الجمهور الطريقة التي مررت بها الموازنة , فعدد الغائبون عن الجلسة قرابة المائة عضوا وقد دخل الاعضاء الحاضرون الجلسة وهم لم يطلعوا على تفاصيل الموازنة , وقد استدرك رئيس المجلس السيد سليم الجبوري لذلك فطلب توزيع نسخ من الموازنة على الاعضاء , وبعدها تمت قراءة النصوص وهي تشير الى جداول والجداول لم توزع ولم يعرف الاعضاء تفاصيلها وتم الطلب بتوزيع الجداول , وحسب ما ذكره النائب فائق الشيخ فان عدد اجهزة الاستنساخ في المجلس هي ( 2 ) فقط مما يعني تأخر توزيع الجداول على الاعضاء وعدم معرفتهم بما يطرح من ارقام , وقد اعترض العديد من الاعضاء على السرعة والعجلة في التصويت واستخدام رفع الايدي بدلا من التصويت الآلي والأخير هو الاسلوب المعتمد في التصويت , كما التبس الامر على اغلب الاعضاء لان تسلسل المواد قد اختلف اثناء التصويت بحيث ان الموجود في اوراقهم بشكل وما تتم قراءته بشكل آخر .
وقد جاءت الموازنة بعكس التصريحات التي ادلى بها العديد من اعضاء المجلس اثناء ورود الموازنة من مجلس الوزراء , بحيث تم تثبيت اعباء على المواطنين اكثر مما اقترحته الحكومة فقد تمت زيادة الضرائب والرسوم , كما تمت اضافة الرسوم العالية على السكائر والكحول وجميع السلع بموجب قانون التعريفة الكمركية الذي كان معطل رغم صدوره , مما سيجعل شعار ( شد الاحزمة على البطون ) في اعلى درجاته خلال عام 2015 , كما ان الموازنة أبقت على العيوب السابقة من حيث الاعتماد على الايرادات النفطية وعدم اعطاء اية اليات لتشغيل القطاعات الاخرى , والمصادر التي تمت اضافتها لتمويل العجز تتضمن القروض الداخلية والخارجية والتضييق على المواطنين من خلال الضرائب والرسوم والادخار الاجباري , وفي المجمل فان ما خرجت به الموازنة لم تأخذ بنظر الاعتبار اي من المقترحات والكتابات , التي نشرت للمساعدة في ايجاد افكار جديدة لتنويع الايرادات والتخفيف على المواطنين , كما ان جل غضب الموازنة قد تم صبه على الموظفين لا غير .
ان الاجواء التي سادت مناقشة وإقرار الموازنة الاتحادية , تشير الى انها خضعت لصفقات سياسية فمن الواضح ان لكل طرف مصلحة في هذه الموازنة , بحيث ان رئيس المجلس فرض هيمنته على جميع نقاط النظام والاعتراضات ولم تشهد الجلسة اية انسحابات كما كان يجري سابقا , وفي الطروحات الموضوعية التي تعرض لها للإحراج لجأ للتشاور مع اللجنة المالية والتعويل على آراء رئيسها احمد الجلبي حتى وان تقاطع مع توجهات بعض الاعضاء , ومن الملاحظ بان اللجنة المالية قد قامت بإضافة مواد الى قانون الموازنة لم تكن واردة في النصوص التي ارسلها مجلس الوزراء , وفي العموم فان هذه الموازنة اكثر ترقيعية من التوقعات التي ذهب اليها من اهتم بموضوع الموازنة في الاعلام , فقد تم تسعير برميل النفط ب56 دولار والسعر الحالي بموجب الاسعار التي تتبعها سومو هي بحدود 38- 39 دولار للبرميل , كما ان الصادرات قدرت 3,3 مليون برميل يوميا وهو رقم لم يصله العراق منذ 2003 ولحد اليوم .
لقد اعتبر البعض ( الذي احتفل بإصدار الموازنة ) بان خروج الموازنة بهذا التاريخ انجاز تاريخي , باعتبارها قد صدرت في شهر كانون الثاني في حين انها كانت تشرع في نيسان او مايس خلال السنوات السابقة , ولكن العبرة ليس في تاريخ اصدار الموازنة وإنما في انعكاسها على حياة المواطنين , وهي ستكون شديدة الوطأة على الفقراء ومحدودي الدخل وستتعرض هذه الموازنة الى العديد من الانتقادات , وكان من الممكن ان تعالج العديد من المثالب في الموازنة لو ترك الوقت والإجراءات الصحيحة لمعالجتها , فالمواطن سوف يستشعر آثارها السلبية وبشكل يزيد من الضائقة المالية التي يعانيها , فحتى تخفيض النفقات الحكومية سيسبب توقف للعديد من الاعمال كما ان فرض ضرائب ورسوم سيزيد من التضخم وزيادة الاسعار ويقلل الطلب , ورغم ذلك سترتفع اسعار السلع المعمرة مثل العقارات والسيارات والإيجارات والاجهزة , وربما ستزيد تداعيات الموازنة من حالات الفساد الاداري بحيث تمتد الى مفاصل عديدة في اجهزة الدولة , وفي المجمل فان الكثير من الناس استشعروا الخطر القادم من اقرار الموازنة بعدد محدود من الدقائق , رغم انها تتعلق بحياتهم القادمة فالدارج في العراق ان ما يرتفع سعره اليوم لا يعود للانخفاض قط .