15 نوفمبر، 2024 10:21 ص
Search
Close this search box.

القول العلمي في الإعجاز العلمي ح5

القول العلمي في الإعجاز العلمي ح5

مناقشة القول بوجود الإعجاز العلمي والمبالغة في مصاديقه
نناقش في هذه الحلقة الرأي الثالث الذي يقول بوجود الإعجاز العلمي لكنه يبالغ في مصاديقه.
وقد ذكرنا في حلقة سابقة بأن هذا هو الرأي السائد حالياً وله رواد كثر، فنسمع بين الحين والآخر خبر عن إعجاز علمي جديد سواء في القرآن الكريم أو السنة من خلال ما اكتشفه العالم الفلاني أو الفريق الفلاني أو الجامعة الفلانية أو أو، وعندما تبحث عن هذه العناوين لا تجد لها وجود أو تجد في أحسن الأحوال إن الكلام تم نقله بطريقة خاطئة!

وذكرنا إن أهم ما يميز أصحاب هذا الرأي:

أ-الظهور الإعلامي المكثف.
ب-نقل موارد الإعجاز المفتعلة بطريقة ملفتة للنظر وجذابة.
ج-تعمية مصادر التحقيق فلا أسماء واضحة ولا مصادر واضحة ولا وجود لأدلة واقعية.
د-تغيير صورة القصة بين نقل وآخر، والتطوير في صياغتها في بعض الأحيان.
هـ-التكلف في لي عنق النصوص لتكون ملائمة للصورة المتخيلة من قبلهم للإعجاز، وتبني تأويلات غريبة لأجل ذلك.
وأصحاب هذا الرأي ساهموا كثيراً-بقصد سيء أو بدونه- في تقديم موارد جاهزة لنقد الدين الإسلامي، وكانت آراءهم مادة دسمة لمن يريد الانتقاص من الدين والسخرية من الآراء الدينية.
 
ولإعطاء صورة واضحة عن أصحاب هذا الاتجاه سأخذ مثال سبق وتكملت عنه في مقال سابق لي بعنوان ” تزوير الأخبار والنصوص العلمية لمصلحة من؟ ح2 ساتوشي كانازاوا وكنغر الدمرداش”
ويهمني من هذا المقال حالياً الشق الثاني منه أي “كنغر الدمرداش” فما هو كنغر الدمرداش؟ ومن هو الدمرداش أصلاً؟
 
نتعرف على الدمرداش أولاً ثم نتعرف على كنغره!
وفقاً لموسوعة ويكيبيديا فصبري الدمرداش هو عالم ومؤلف وأستاذ جامعي مصري، يعمل بكلية التربية متخصصاً بطرق تدريس العلوم الطبيعية بجامعة الكويت، له العديد من المؤلفات يصلها عددها لـ(42 مؤلف) أغلبها تتحدث عن الإعجاز العلمي فهو من المؤلفين في هذا المجال.
كما إنه قدم عدد من البرامج أغلبها في مجال الإعجاز العلمي.
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D8%A8%D8%B1%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85%D8%B1%D8%AF%D8%A7%D8%B4
 
ما قصة كنغره؟
في محاضرة لصبري الدمرداش  في العلوم في جامعة الكويت وعنوان المحاضرة على اليوتيوب “لقطات إيمانية” وهذا رابطها
http://www.youtube.com/watch?v=V37M-wHfGCg
في حديث له عن الآية القرآنية (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)(الأنبياء 30) ، قال في الدقيقة الثانية تقريباً من المقطع ما مضمونه:
إن بعض المستشرقين اكتشفوا وجود حيوان في الصحراء لا يشرب الماء واذا اجبر على شرب الماء يموت! وطعنوا من خلال ذلك في الآية القرآنية، فقام بعض المسلمين بتشريح الحيوان ووجدوا بداخله مصنع لصنع الماء حيث يأكل هذا الحيوان حبوب جافة يستخرج منها الهيدروجين ثم يأخذ الاوكسجين من الهواء ويصنع منهما الماء ويشربه!
قصة طريفة ولكن، عن أي حيوانٍ يتحدث؟
ومن هم المستشرقين الذين اكتشفوه واشكلوا على الآية ؟
ومتى حدث ذلك؟
ومن هم المسلمين الذي قاموا بحل اللغز؟
وما هو مصدر هذا الخبر؟
كلامه خالٍ من أي إجابة عن كل هذه الأمور!
لم تقف الأمور عند هذا الحد فقد تم بعد ذلك نقل المعلومة بدون تروي، وقام البعض بعملية استنتاج ليكشف عن إن هذا الحيوان هو الكنغر!
وهذه المعلومة –أي كون الكنغر الحيوان الوحيد الذي لا يشرب الماء-انتقلت الى الفضائيات والمسابقات العلمية دون تدقيق في مضمونها!
وقام آخرون بتصحيح المعلومة، وقالوا بأن المقصود ليس الكنغر بل هو “فأر الكنغر” أو “جرذ الكنغر”!
فما حقيقة هذا الموضوع؟
وما اسباب اختراعه؟
وهل فعلاً الموضوع يصلح إن صح للإشكال على الآية القرآنية أصلاً؟
نجيب عن كل ذلك بالنقاط التالية:
 
1-قلنا في بداية المقال إن أصحاب هذا الرأي الذي نناقشه يقولون بوجود الإعجاز العلمي ولكنهم يبالغون في مصاديقه ولهذا الرأي مدرسة من أشهر روادها المصري زغلول النجار وهيئة الاعجاز العلمي السعودية وآخرين، وهذه المدرسة تنتقي بعض الاخبار العلمية وتحاول ليّ النصوص الدينية لتنسجم مع هذه الاخبار وصبري الدمرداش احد رواد هذه المدرسة.
2-إن الآية القرآنية “وجعلنا من الماء كل شيء حي” لا تتحدث عن موضوع شرب الماء فلو وجدنا الف نوع من الحيوانات لا تشرب الماء لا يمكننا أن نُشكل على الآية القرآنية، لأنها ببساطة ليست “وجعلنا كل حيوان يشرب الماء”!
وانما هي تشير-وفقاً للمفسرين- إلى خلق كل شيء حي من الماء، بقرينة قوله تعالى في آية أخرى “والله خلق كل دابة من ماء” فيبدو ان الدمرداش لم يستوعب مضمون الآية أصلاً، واقترح نقطة ضعف فيها واخترع قصة لسد نقطة الضعف تلك!
فالإشكال وهمي من البداية لذا لن تجده في أي كتاب أو مصدر من كتب المستشرقين أو غيرهم لأنهم كما يبدو أذكى بكثير من جماعة الدمرداش!
 
3- ولو قبلنا بهذا التفسير “أي شرب الماء” لأمكننا ايجاد آلاف النماذج التي لا ينطبق عليها تفسير الآية، فهل شاهد أحدكم بكتيريا مثلاً تشرب الماء!
المعروف إن الكائنات الحية تحصل على حاجتها من الماء بطرق مختلفة أحدها هو الشرب المباشر، كما انها تختلف في درجة تحملها للبقاء بدون ماء.
 
4-الكنغر حيوان يشرب الماء حاله حال باقي الحيوانات التي من جنسه، وهو يعيش في غابات استراليا لا في صحرائها، أما مقولة إنه يموت اذا شرب الماء فهذه معلومة مضحكة ولا تستحق الرد. وبإمكان القارئ ان يكتب في محرك البحث غوغل (الصور) مثلاً كلمة “كنغر يشرب ماء” ليرى أمامه عشرات الصور لكنغر يشرب الماء ولا يموت!
5-جرذ الكنغر أو فأر الكنغر أو الكنغر الجرذ ” kangaroo rat” حيوان قارض، يعيش في المناطق الصحراوية في أمريكا الشمالية لديه رأس كبير، وأطرافه الأمامية قصيرة بينما أطرافه الخلفية طويلة، وطوله يتراوح بين 10 و 16 سم ويمكن أن يقفز إلى 1.8 متر (6 قدم) في قفزة واحدة. وسبب تسميته كما يبدو شكل اطرافه الخلفية وقفزاته التي تشبه قفزات الكنغر. هذا الحيوان يعيش في ظروف صحراوية قاسية يكاد ينعدم فيها الماء لذا فانه يعمد الى آليات غير مألوفة للحصول على الماء من عدة طرق منها عن طريق الهواء ومنها عن طريق الحبوب وجذور النباتات التي يخزنها تحت الارض قبل أكلها لتصبح رطبة. كما إنه يتحمل البقاء بدون ماء لفترات طويلة تصل لسنوات، لأنه فضلاً عن حصوله على الماء بطرق مختلفة فهو أيضاً لديه آليات عديدة لتقليل استهلاك الماء الى أقل حدٍ ممكن ومنع خسارة أي مقدار منه مهما كان بسيطاً، وذلك من خلال العيش في جحور تحت الارض وعدم الظهور منها إلا ليلاً ومن خلال حجم كليته الكبير والتي تجعله ينتج بول أكثر تركيز وفيه أقل كمية ممكنة من الماء. كما إن لديه نظام تبريد في الممرات الأنفية يقلل من فقدان الرطوبة. ودرجة حرارة جسمه تتجاوز عادة درجة حرارة بيئته، وهذا أيضاً يقلل من الحاجة إلى التبريد التبخيري (التعرق) فيقل فقدان الماء بشكل كبير. ولا صحة للقول بأنه يموت اذا شرب الماء!!! ولمعرفة تفاصيل أكثر عنه يمكن مراجعة الروابط التالية:
http://www.bio.davidson.edu/Courses/anphys/1999/Chisholm/conclusions.htm
وهذا رابط المعلومات عنه في موسوعة ويكيبيديا الانكليزية مع ملاحظة إن ما ورد عنه في صفحة ويكيبيديا النسخة العربية غير صحيح وهو مأخوذ بالكامل من كلام الدمرداش.
http://en.wikipedia.org/wiki/Kangaroo_rat
 
هذا نموذج أردنا من خلال توضيح فكرة المبالغة بالمصاديق، وأمثلة ذلك كثيرة. فما هكذا يكون الطرح العلمي وينبغي أخذ المعلومة العلمية من مصادرها الصحيحة أولاً ، وثانياً لا حاجة للي عنق النص وتطويعه لينسجم مع معلومة علمية.
علماً إن هذا الرأي هو مورد أغلب النقد الموجه من الآخرين (ملحدين، علمانيين، مسيحيين) لموضوع الإعجاز العلمي.
بهذا نكون قد انتهينا من مناقشة أشهر الآراء بخصوص الإعجاز العلمي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات